وَلي فَرَسٌ لِلحِلمِ بِالحِلمِ مُلجَمٌ        وَلي فَرَسٌ لِلجَهلِ بِالجَهلِ مُسرَجُ / محمد محفوظ دداه( رأي )

جمعة, 28/06/2024 - 21:18

 

واهم واهم واهم من يظن أن هدوءنا وصبرنا ضعف أو وهن

في أجواء احتفالية طبعتها الأريحية والارتياح، مالت الشمس ليتوارى حاجبها تاركا لنورها عرض الأفق، مختلطا بأضواء منصة المهرجان الاختتامي وشاشاتها العملاقة، معلنا نهاية اليوم الأخير من الحملة الانتخابية لرئاسيات 2024، أعلن الصحافي الذي يدير الربط على المنصة يراوح باقتدار بين إلقاء المديحيات والكلمات الدعائية الفصيحة، يعلن وصول المرشح الرئيس وزخات المطر تساقط، ولسرعة البديهة لم يفوت الفرصة للربط في الترحيب بفخامة الرئيس المرشح بين وصوله وتساقط المطر الخفيف مستغلا معاني البشرى والرحمة والغيث، ثم بدا فخامة الرئيس المرشح محمد ولد الشيخ العزواني، في خطابه خلال المهرجان الختامي لحملة رئاسيات 2024 في نواكشوط، استعرض مسألة الأمن على الحدود وفي الداخل، قائلا إن -الدولة معي ليّنة وحنونة مع مواطنيها، ومتواضعة لأصحاب الحقوق والمظلومين، ومقدّرة لأصحاب الرأي، ومنفتحة على الأشقاء والأصدقاء والجيران؛ لكنها في نفس الوقت قوية وصارمة مع كل من يتجرأ على محاولة العبث بالأمن، وصلبة جدا وقاسية في وجه كل من يتجرأ أن يقطع شبرا واحدا في حدود أرضنا الطاهرة. ثم كرر - وأنا أدقق في ملامحه الجادة - : واهم واهم واهم من يظن أن هدوءنا وصبرنا ضعف أو وهن.  كان الخطاب قويا متماسكا حازا في المفصل، ومفحما لمن يروجون لفكرة الضعف أو التساهل في التعامل مع مسألة الأمن على الحدود أو في الداخل. 

ثم أنشد الرئيس المرشح قول محمد بن حازم الباهلي :

وَلي فَرَسٌ لِلحِلمِ بِالحِلمِ مُلجَمٌ        وَلي فَرَسٌ لِلجَهلِ بِالجَهلِ مُسرَجُ

شرد بي فرس التفكير، رغم أجواء المهرجان التي تحيطني، لأبحث عن أجوبة لأسئلة تسابقت إلى الذهن: هل سمعت من قبل رئيسا موريتانيا ينشدبيتا من الشعر أو يستشهد به في معنى دقيق كهذا في محله وسياقة ؟ ما معنى البيت ؟ وماهي بقية الأبيات وهل لها معنى ودلالة  متعلقة به ؟ ومالمعنى الذي أراد أن يوصله فخامة الرئيس، في خطاب جماهيري يتابعه الملايين، ويتلقف أفكاره وكلماته كل الموريتانيين؟

في خضم ذلك، وجدتني أتذكر بقية الأبيات وسياقها، فمحمد بن حازم الباهلي شاعر عباسي مطبوع معروف بشعر الحكمة، قال أبياته التي ضمنها البيت محل الاستشهاد، شاع منها بيتان وسارت بهما الركبان حتى سارا مسار المثل، تقول:

لَئِن كُنتُ مُحتاجاً إِلى الحِلمِ إِنَّني        
إِلى الجَهلِ في بَعضِ الأَحايِينِ أَحوَجُ
وَلي فَرَسٌ لِلحِلمِ بِالحِلمِ مُلجَمٌ    
    وَلي فَرَسٌ لِلجَهلِ بِالجَهلِ مُسرَجُ
فَمَن شاءَ تَقويمي فَإِنّي مُقَوَّمٌ    
    وَمن شاءَ تَعويجي فَإِنّي مُعَوَّجُ
وَما كُنتُ أَرضى الجَهلَ خَدناً
 وَصاحِباً    وَلَكِنَّني أَرضى بِهِ حينَ أُحرَجُ
ألا ربما ضاقَ الفضاءُ بأهلِهِ    
    وأمكنَ من بين الأسنةِ مخرجُ
فَإِن قالَ قَوم إِنَّ فيهِ سَماجَةً        فَقَد
 صَدَقوا وَالذُلُّ بِالحُرِّ أَسمَجُ

فكرت أن المرشح الرئيس تجاوز البيت الأول لما يفهم فيه من لغة التهديد أو الوعيد التي يحتاج فيها إلى وضع الجهل محل الحلم، وترك الأبيات الأخيرة اكتفاء عنها بمعنى البيت محل الاستشهاد. 

خلال ذلك، انتبهت إلى أن الصفوف الأمامية حيث أجلس،  هم من صفوة النخبة وسدنة العلم و الثقافة والسياسة في البلد، تذكرت أن الجالس عن يميني هو الأمين العام لهيئة العلماء الموريتانيين الشيخ ولد صالح، بادرته بالقول، إن اللجام يناسب فرس الحلم لأن الحلم كابح في مقابل السرج الذي يناسب فرس الجهل لأنه مستعد لأن ينطلق، وافقني وأشاد بالفهم والاستشهاد.

 

محمد محفوظ دداه

تصفح أيضا...