توفي مساء يوم الأحد 22 مايو 2017 العلامة الشيخ الدكتور محمد ولد سيدي ولد الحبيب الإبراهيمي الجكني المكي مقاما و المدني مدفنا عن عمر بلغ قَابَ حول أو اثنين من التسعين سنة زيادة أو نقصانا؛ أسأل الله العظيم الذي اختصه بوراثة الأنبياء حيث كان عالما محققا وسطيا نحريرا و اختار له جوار رسول الله عليه و سلم مقاما و مدفنا أن يختار له صحبته صلي الله عليه و سلم و سائر الأنبياء في فراديس جنات الخلد و الرضوان،..
و قد نشأ المرحوم محمد في وسط علمي و تربوي نخبوي وارث لقيم عنفوان "الهمة الإيمانية الخالصة" في تملك معالي الأمور من علم و سيادة و تعفف و إباء و مروءة و شهامة عَاضِ عليها بالنواجذ فظهرت عليه منذ سنواته عمره الأولي علامات الحفظ العتيد و الذهن الوقاد و الهمة العالية مما جعل والديه يوليان عناية فائقة لتوفير الظروف الممكنة- رغم "عداوة" الطبيعة- لانتظام دراسته المحظرية.
التحق المرحوم محمد في سن مبكرة بدروس تعليم القرءان عند خاله سيد المختار ولد محمد الناجم ( السِيدْ علما) فحفظ القرءان العظيم في سن التاسعة من العمر !! و كان من عادة القوم ساعتئد أن يُعهد بالولد الذي حفظ القرءان إلي شيخين علي الأقل من مشائخ تدريس القرءان لتحفيظه و اختبار مدي إتقانه للحفظ و قد كان المرحوم محمد ولد الطالب ولد باب أحد أكثر أهل الحي ورعا و صرامة في الحق و تعليما وإتقانا للقرءان فطلب منه شيخ القرءان"السِيدْ" اختبار تلميذه و ابن أخته فلما اختبره اختبارا غير يسير شهد له بالحفظ الأمين، العتيد المكين،...
واصل المرحوم محمد ولد سيدي ولد الحبيب دراسة القرءان العظيم رسما و ضبطا لدي محاظر متعددة حتي حاز "السند" لدي كل من الشيخين سيدي المختار ولد محمد عبدي و محمد المصطفي ولد سيدي يحي بعد أن تجاوز اختبارا عسيرا منه الكتابي و منه الشفهي الذي يتمثل في إنجاز أربعين ختمة من دون خطإ كان الفقيد يكمل في كل يوم ختمة كاملة من دون خطإ و لا اضطراب و لا نسيان.
درس المرحوم محمد الفقه و مختصر الشيخ خليل علي الشريف نسبا الجكني وطنا الفقيه سيدي جعفر ولد ديدي (الصًحً علما) ثم اشتغل بشيئ من التجارة سرعان ما تبين له أنه "ميسرٌ لغيرها" فقرر جمع ما تيسر من المال لأداء فريضة الحج و هو ابن نَيِفِ و عشرين سنة و كان المسار شاقا حيث استغرقت رحلة الحج تسعين يوما وُفق بعدها لأداء مناسك الحج و المكوث فترة متعلما لدي العلامة آية عصره و فريد زمانه محمد الأمين ولد محمد المختار الشنقيطي (آبً علما).
عاد الفقيد إلي الوطن و معه كتب قيمة في علوم الحديث و القرءان و الفقه و الأصول و اللغة العربية و خصص كل وقته لمطالعتها و مدارستها إلي أن راودته مرة أخري فكرة الهجرة إلي الكونغو (برازفيل) للتجارة و طلب الرزق الحلال في أرض الله لكنه بعد فترة قصيرة تأكد( و التأكد أقوي من التبين) أنه "ميسر لغير التجارة" فتوقف عن التجارة و انتظر موسم الحج الذي تفصله عنه ثلاثة أشهر طالع خلالها -مطالعة إتقان- تفسير ابن كثير و حاشية الصاوي علي تفسير الجلالين.
طلق المرحوم محمد التجارة-طلاقا باتا- و أدي مرة ثانية مناسك الحج و استقر بالمدينة المنورة متعلما لدي العلامة آب ولد أخطور صحبة رجال من قومه أفذاذ نوادر علماء كرماء صلحاء،.. يعدل كل منهم آلاف الرجال منهم من قضي وطره من الدنيا عابدا معلما منفقا مصلحا و منهم من ينتظر متعه الله بالصحة و العافية و ثبته الله بالقول الثابت في الدنيا و الآخرة.
تخرج الفقيد من أعرق الجامعات بالمملكة العربية السعودية و حاز درجة الدكتوراة و درس بجامعة أم القري سنينا عديدة مديدة كما كان بيته جامعة مفتوحة يؤمها طلاب العلم من السعوديين و الشناقطة و غيرهم وله مؤلفات كثيرة منها ذكرا لا حصرا: إكمال و تحقيق نثر الورود علي مراقي السعود و البيان و التعريف فيما في كتاب الله من التصريف وتحقيق و تخريج أحاديث كتاب "تفسير القرءان بالسنة"،..
رحم الله العلامة المشهود له بالتبحر في العلم و بَسْطَةِ الكف و طهارة اللسان و نظافة السريرة و السعي في منافع المسلمين،... و بارك في عقبه و صحبه و طلابه و خاصته و وفقهم إلي كتابة سيرة حياته حتي تكون محفزا للأجيال الحالية و المقبلة في علو الهمة في العلم و العمل به ولله در من قد ينصح من اسنتصحه قائلا"من أراد أن يعرف طريق الجمع بين العلم و العمل به فليقرأ سيرة و مسار العلامة الشيخ الدكتور محمد ولد سيدي الحبيب".