انقضت مأمورية رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني التي بدأها بخطاب "تعهداتي" وتعهد فيه بكثيرٍ من الجدية والأمانة والشفافية في تسيير المال العام، وتطبيق القانون ومحاسبة الفاسدين، استبشرنا بفصاحة الكلمات و جزالة اللغة وشهادات المنافقين عن برور الرجل و محيطه الاجتماعي، وهرولت المعارضة الموريتانية إلى قصره الرمادي مستبشرة بخريف ماطر عنوانه الحوار السياسي والتشاور حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعد سنوات من الوَصَبِ والسُعَار، فما حجم التحديات التي تمخضت عنها سنوات العَضيهَة؟ كيف يبدو شكل الحكم القادم؟
لا بد من المرور بمحطة الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية الأخيرة، لأنها أول امتحان ديمقراطي يمكن أن نرى منه مدى حفظ الرئيس لعهد الأمانة الذي خاطب به الشعب وعزف على أوتاره المطبلون، والتي أسست لدعائم الانتخابات الرئاسية القادمة ودنا منها طيف الرئيس الخلف أو المُستخلف. إن تنظيم الانتخابات الأخيرة بدد كل أحلام المعارضة وأصاب الرأي العام بالشجا والحسرة، بعد ما رأوه من سوء في التسيير وغياب استراتيجية تحفظ إرادة النّاخب، لقد دقت الانتخابات الأخيرة آخر مسمار في نعش الاستقرار السياسي ونحن على بعد أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية مما يؤكد فَدَامَة الجهة المشرفة عليها، وأعادت نتائجها التوتر للشارع الموريتاني رغم جملة التحديات المطروحة في وجه النظام وخلفه وهي نتيجة لسياسات الحكومة.
التحدي الأمني:
عملية الاستقراء لحكم محمد ولد الشيخ الغزواني تثبت أن المنظومة الأمنية تعاني هشاشة بنيوية، شهد هذا القطاع الحيوي تدهورًا كبيرًا وتراجعت ثقة المواطن به بعد انتشار القتل، واستفحال عصابات الجريمة المنظمة، ورواج المخدرات، وختام القول قتل المواطنين في المفوضيات كما يقول ذوو الضحايا,، التي انزلق البلد بعدها لفوضى لها أول وليس لها آخر، هذه الصورة المخيفة تحتاج إلى عملية ترميم شاملة لهذا القطاع بدءًا بالتكوين المهني للأفراد وانتهاءً بتقديم الدعم اللوجستي والفني للقطاع حتى نعيد مبدأ التوازن الأمني والثقة بين المواطن ورجل الأمن.
الأمن الخارجي:
من الضرورة بمكان أن تكون القوات المسلحة الوطنية لديها القدرة الكاملة على حماية الجغرافيا الموريتانية وحماية المواطن الموريتاني كجزء من المسؤولية الوطنية سواءً داخل البلاد وخارجها مع الاستعداد التام والجاهزية القصوى لردع المليشيات التي تزعزع استقرار المنطقة وتشكل تهديدًا مباشرًا على الأمن القومي. نحن بحاجة إلى الأمن الآن أكثر من أي وقتٍ مضى نظرًا إلى الاتفاقيات الأخيرة في مجال النفط والغاز، والتي من المقرر أن تبدأ أولى خطوات التصدير في الربع الأخير من السنة الجارية، وهذا يتطلب استراتيجية أمنية جديدة محكمة نظرًا للأطماع الخارجية التي تنظر إلينا كمصدر للمال والاستثمار.
تحدي الانتخابات الرئاسية:
الخريطة السياسية الوطنية تغيّرت وأصبحنا أمام أحزاب سياسية شبه وليدة، وتراجع كبير لكثير من الأحزاب التقليدية أمام أحزاب موالية مغاضبة يشعر معظمها بنشوة الانتصار خصوصًا بعد تحديهم للحزب الحاكم وانتصارهم عليه في الانتخابات التشريعية، مهما قدم هؤلاء من صكوك الولاء للنظام بعد اجتماع وزير الداخلية الأخير لإعادة المياه لمجاريها تبقى القواعد الشعبية غير مضمونة، وقد تعاقب النظام وتُصوّت ضده في الرئيسيات بالرغم من امتلاك الرئيس لأغلبية برلمانية لكنها لا تعني الأمان السياسي، نحن أمام تنافس مباشر على السلطة بأدوات مختلفة تمامًا، وأمام مساحة تنافسية عريضة، ولسنا في مجابهة على دوائر شعبية محددة، إذن هذه الوضعية السياسية الصعبة تؤكد أن التحدي السياسي يحجز مكانًا متقدمًا في قائمة المدلهمات التي تواجه الرئيس وجهازه التنفيذي.
تحدي هجرة الشباب:
شهدت فترة حكم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني أكبر موجة هجرة جماعية للشباب الموريتاني في عمر الدولة الموريتانية، ورغم أن هذه الظاهرة تواجه الكثير من البلدان فإن موريتانيا أصبحت رقمًا متقدمًا ضمن الدول الطاردة للشباب، والأسوأ هجرة العقول! فقد هاجر الكثير من الضباط وضباط الصف في الجيش الموريتاني كما هاجر الكثير من الأطباء والأساتذة والأطر الإداريين الأكفاء والصحافة المهنية، هذه المشكلة تخلق العديد من الظروف التي تضع الدولة في مأزقٍ كبير نتيجة هجرة الخبرات والكفاءات منها إلى دولٍ أخرى بحثًا عن فرصٍ أفضل من الناحية الاقتصادية والمعيشية، الكثير من العلماء وأصحاب العقول المفكرة يتركون بلدهم الذي تلقوا فيه تعليمهم ليعطوا ثمرة هذا التعليم لبلادٍ أخرى تستثمر عقولهم لصالحها ولصالح شعوبها.
التحديات الاجتماعية:
هناك تغيّر لافت في واقع الشرائح ربما يعود للسياسة المتخذة في العقد الأخير في مجال محاربة الرق والقضاء على الفوارق الاجتماعية، أصبحت الكثير من الشرائح التي كانت تعاني الأمية والتخلّف مشاركًا فاعلاً في المجتمع، وأصبح التفوّق في المسابقات الوطنية من نصيب الكل وليس حكرًا على لون واحد، وهذه خطوة مهمة في مجال تجاوز مخلفات الرّق. استوعبت بعض الشرائح أيضًا أن السلطة كانت مستغلة من فئة معينة، وعليه فقد بدأت تسابق الزمن للحصول على أدوات المشاركة في المناصب من خلال التعليم والتكوين المهني، هذا الوعي يحتاج من السلطة أن تخلق طبقة وسطى عريضة وتقلّص هامشًا بين الفقراء والأغنياء، بمعنى أن تُوفَّر الخدمات الأساسية للجميع وأن يدرس الجميع في مدارس وجامعات ومعاهد عامة بعيدًا عن حشر الفقراء في مدارس ثانوية هنا وجامعة يتيمة هناك، في حين يسافر أبناء الأغنياء القلة للدراسة في الخارج على حساب الدولة.
الاستخلاف:
تقول ديمقراطية العسكر إن فلسفة الاستخلاف للتبادل على السلطة هي أفضل استراتيجية محكمة لضمان سير الحكم، وهذه الفلسفة أصبحت عرفًا سائدًا منذ أكثر من عقد من الزمن، فرضية الاستخلاف مرجحة ترجيحًا كبيرًا حسب معطيات تشير إلى امتداد وزير الدفاع الحالي في أهم دوائر القرار في الجانبين العسكري والإداري، يوجد بُعده العائلي والقبلي في مراكز النّفوذ وهي مؤشرات مهمة، تدعم فرنسا هذا التوجه بدرجة كبيرة، نظرًا إلى إمكانية ترميم التصدع الذي تعانيه في منطقة الساحل، وسيكون وزير الدفاع حنن ولد سيدي أفضل خياراتها لرئاسة موريتانيا، رغم أن بعض فقهاء التحليل السياسي يرى قربه من روسيا. وهناك من يرى أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد لا يرغب في مأمورية ثانية بل يفضل الابتعاد عن المشهد السياسي والضغوطات السياسية وترك المجال لخلفه ليكمل باقي المسيرة، فهل سيكون رجل الاستخلاف قادرًا على مواجهة التحديات خصوصًا أن سلفه لم يحقق طموحات شعبه؟
الكاتب والصحفي السلطان البان