شكلت استحقاقات الثالث عشر من مايو 2023 استفتاء مبكرا على النظام قبل عام من موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك في أول انتخابات تعرفها البلاد منذ وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة، وقد أظهرت النتائج التي حصل عليها حزب الانصاف (الحزب الحاكم) ومن ورائه أحزاب الأغلبية، أن دَفَقا شعبيا عارما يلتف حول رئيس الجمهورية، وأن رُزم الإجراءات الاجتماعية غير المسبوقة التي أقدم عليها رئيس الجمهورية منذ توليه مقاليد الحكم، فعلت فعلها في نفوس الناس وساقتهم زرافات ووحدانا إلى مكاتب التصويت ليقولوا نعم بملء الأفواه وصناديق الاقتراع، لاستمرار تلك البرامج الاجتماعية، بعد أن غيرت مسار حياة مئات الآلاف من الأسر المعوزة، التي كان كابوس العلاج والغذاء والتعليم هاجسها الأكبر ومصيبتها الجلى.
لقد كان ذلك نتيجة حتمية للتأمين الصحي المجاني لمئات الآلاف من الفقراء، وتوفير رواتب ثابتة ودعم مالي مستمر للكثيرين ممن ضاقت بهم سبل الحياة وأرهقتهم الأمراض المزمنة، وألقت بهم بعيدا في مهاوي أزقة الأحياء الشعبية وأروقة الضواحي النائية، نسيا منسيا، ينهشهم الفقر المدقع وتفتك بهم الأمراض العصية، فوصلتهم أيادي "تآزر" ومِنح ومساعدات الشؤون الاجتماعية، واحتجز مرضاهم في غرف الإنعاش بين الحياة والموت يتعالجون مجانا دون أي تكلفة أو نفقة، وتنقلوا بين المنشآت الصحية على نفقة الدولة، بعد أن ظلوا ردحا من الزمان كلما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وعجزوا عن نقل مرضاهم للعلاج، جاء رد الدولة صاعقا: "لا أجد ما أحملكم عليه"، فيتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا، أن سيلقى مرضاهم المصير المحتوم وهم عاجزون عن نقلهم وعلاجهم.
كما فعلت المدرسة الجمهورية هي الأخرى فعلها في النفوس، ورأى المواطنون فيها منعطفا حاسما يضع حدا لانهيار المنظومة التعلمية التي راح ضحيتها جيل كامل من أبناء هذا الوطن، تأثرت حياتهم سلبا بسبب ضعف المستويات وسوء المقررات، وفُضِل بعضهم على بعض في التعليم على أساس إمكانياتهم المادية، وقدراتهم المالية.
هذا فضلا عن إنجازات ومكاسب جمة تحققت، يضيق المقام عن مقالها، وقد رآها الناس رأي العين، وشهد ألف شاهد من أهلها، وعاشوها واقعا يتفيؤون ظله ويرفلون في نتيجته.
فقد شكلت نسبة الأصوات الهائلة التي حظيت بها لوائح حزب الإنصاف على المستوى الوطني (اللائحة الوطنية المختلطة، لائحة النساء، لائحة الشباب) نتيجة حاسمة لاستفتاء مبكر على هذا النظام، قال فيه المواطنون كلمتهم الفصل، وقولهم الفيصل، ورفعوا العقيرة بأن من زرع إنجازا مفيدا، حصد أصواتا صادقة، فقد زرع هذا النظام في نفوسهم الخير والعافية والمحبة، وهاهم يردون الجزاء الأوفى أصواتا تكتسح ما سواه، وتُعرض عن من ناوأه أو عارضه، أما العاصمة نواكشوط التي كانت عصية في كثير من مقاطعاتها على الأنظمة السابقة، وفشل فيها النظام السابق الذي استخدم حينها كلما يملك ومالا يملك، ها هي تعود بهدوء ودون صخب أو ضجيج ولا من أو أذى، إلى حضن النظام، وبشكل فاجأ الجميع حتى أنصار النظام من السياسيين وطواقم حملة حزب الانصاف، لكنه لم يكن مفاجأ للمحللين والمراقبين الموضوعيين، الذي كانوا مدركين لا محالة أن حصاد الأعوام الأربعة التي انقضت من مأمورية رئيس الجمهورية، سيفيض به بيدر الحصاد وتمتلأ صناديق الاقتراع أصواتا وبطاقات، لا قبل لمعارضي النظام بها.
نفس المصير سلكته المجالس الجهوية على المستوى الوطني، والتي أبى المواطنون إلا رد الجميل من خلالها للنظام، رغم تباين حظوظ المرشحين وعدم رضى كثيرين عن بعضهم، لكنها بالنسبة للمواطنين كانت فرصة لن تضيع ليقولوا من خلالها نعم للرئيس ونظامه، فجاءت تلك المجالس كلها إنصافية.
وفي الانتخابات المحلية النيابية والبلدية، ظل المواطنون أوفياء للرئيس ونظامه، وحين استفزت بعضهم طائفة من ترشيحات حزب الانصاف، كانوا حازمين في أن البقاء في صفوف النظام وداعمي رئيس الجمهورية قرار لا لا مندوحة عنه ومحيد، وأن الحسابات السياسية المحلية والمغاضبة الاجتماعية مهما اشتعلت التنافس فيها، لن تقودهم خارج دائرة النظام ودعم رئيس الجمهورية، فكانت معركتهم محلية خالصة، وولوا وجوههم شطر أحزاب الأغلبية، وظل خطابهم أكثر تمسكا برئيس الجهورية وأشد دعما له.
أما خطاب المعارضة فقد بدا باهتا فاقدا للبوصلة، إذ تعودت أحزابها أن ترفع عقيرتها بالأوضاع الاجتماعية والسياسية، التي كانت مناط عمل النظام خلال الثلاث حجج الماضية، ففي المجال السياسي، ظلت المعارضة منذ بداية مشوارها عام 1992، حبيسة خطاب الأزمة السياسية والوضعية الاستثنائية، إلى أن استل رئيس الجمهورية شوكة تلك الأزمة وجمع أقطاب الطيف السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار حول طاولة الحوار، واستقبلهم فرادى وجماعات في القصر الرئاسي، ومد نحوهم يد التهدئة السياسية، فتحول الخطاب المعارض إلى حمل وديع تائه، وضاعت من أيديهم أوراق اللعبة، إلا ما كان من قليل العنف اللفظي والبذاءات والخطابات الصدامية التي رفعها بعضهم، ونال جزاءها إعراضا ونبذا في صناديق الاقتراع.
واختصارا ليس من لغو الكلام ولا حديثا يفترى، القول إن الموريتانيين جاهروا اليوم بكلمتهم ودعمهم لرئيس الجمهورية ونظامه قبل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، والبلد مقبل على موسم سياسي انتخابي هادئ في عام 2024، سيكون مناسبة أخرى لتعزيز تلك المكاسب الشعبية التي نالها النظام من هذه الانتخابات، وفرصة لاستمرار مسار الإنجازات ورفع التحديات بحول الله وقوته.
محمد محمود ولد عبد الله