ألقيت هذه الرسالة بالنيابة عنه في الأمسية التأبينية التي أقامها اتحاد الأدباء و الكتاب الموريتانيين في حق الشاعر الراحل الشيخ ولد بلعمش
التحية أخلصها أولا إلى أهلنا في موريتانيا، شجرة العروبة العامرة في أقصى المغرب العربي بثمار المحبة ووهج الأصالة. قلوبنا معكم كما كانت دائما، لافتين إلى رمزية أن يخاطب شاعر عربي من أقصى المشرق زملاءه وإخوانه الشعراء والأدباء والكتاب في موريتانيا، في كلمة حول الشاعر الموريتاني العلم المهندس الشيخ ولد بلعمش، فها هو الشيخ ولد بلعمش اليوم يجمعنا حول قلمه وقيمه وشيمه، وهاهو، كما كان يفعل، عبر قصائده ومواقفه، ينتصر لكلمة اللقاء، ويمد يده جسر تواصل وبناء، أما عن المشاعر فحدث ولا حرج: ليتنا كنا معكم يا من تعلمنا منكم، على مدى الأيام والعقود، المعنى الحقيقي للانتماء للوطن والعروبة والإسلام، ويا من كلما ذكرناهم أو تذكرناكم شعرنا بمزيد ثقة وطمأنينة، وكأنكم صمام أمان الأمة. لستم طفس الشعف ولكن مناخ الحب. لستم الطرف ولكن القلب.
موت الشعراء حياة جديدة متجددة.
رواية حياة الشاعر تكتمل بالموت، فيصل، بما وهب، إلى أعلى مقامه وذروة سنامه، ومثل الشيخ ولد بلعمش باق في ذاكرة الوطن والناس، ليضيئها، أبدا، وكأنها ذاكرة مستقبل، فهو شاعر الفكرة السهلة الصعبة الممتنعة على سواه، وهو مهندس الشكل والمضمون، وهو فارس الدفاع المخلص المتقن عن قضايا العرب، وفي الطليعة قضية فلسطين والقدس، وكما كان في حياته، ها هو يرسل في وفاته رسالة وفاء القدس إلى العرب: الحياة للقدس، ولا حياة إلا بالقدس.
وإذا كان الشيخ ولد بلعمش من بلد المليون شاعر، فقد إثبتت التجربة، وطنيا وعربيا، أن العبارة حقيقة مكتنزة بمجاز يعيدها إلى وعي راسخ وإن بدا كالحلم. الموريتانيون جميعا، أبعد من المليون شاعر، شعب شاعر ومحب ومتذوق للشعر والأدب والعلم، وفي الذوق العربي الخصوصي، فإن كلمة موريتانيا أو شنقيط، مرادف ند ومعادل موضوعي لكلمة شعر، فما أصعب مجاراة شعب بأكمله، في الشعر مطوقا باللهفة إلى استعادة مجد العرب واستئناف حضارتهم، وما أجملكم يا شعراء موريتانيا وأنتم تخلصون للشعر العربي كما تخلصون لوطنكم وزيكم الوطني.
في هذه اللحظة، وهي لحظة شوق وتأمل وأمل، لا لحظة تأبين ورثاء وحزن، وإن أحاطت بها أجنحة مرارة الفقد من كل جانب، أعلن عليكم الحب يا شعراء شنقيط، متطلعا إلى زيارة بلدكم العزيز الذي تربطه ببلدي دولة الإمارات العربية المتحدة علاقة الأخوة الصادقة والعمل المشترك منذ فجر التأسيس، فهذه العلاقة بعض غرس أعز وأغلى الناس، القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومحبتكم، بالإضافة إلى أسبابها العاطفية والموضوعية، بعض وصية الشيخ زايد لنا، نحن شعب الإمارات، ولعل ذلك، بل هو يقينا، ما استقر في الوجدان الجمعي العربي، وفي ضمير أمة الضاد، وأمة الميم والجيم والدال، من الماء إلى الماء، ومن العناوين إلى الأسماء، ومن الفجيرة إلى نواكشوط.
أشكركم جميعا أيها الإخوة والأصدقاء، مجددا أخلص آيات العزاء من الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ومن جميع الاتحادات والجمعيات والروابط والأسر والمجالس المنضوية تحت لوائه، ومني شخصيا، في فقيد الوطن والأمة والشعر والثقافة الشاعر الموريتاني الكبير المهندس الشيخ ولد بلعمش، رحمه الله، مشيرا، بكل اعتداد، إلى الفعل الإيجابي الذي يقوم به اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين بقيادة سعادة الأخ الدكتور محمد ولد أحظانا ومشاركة فريق العمل، سواء في محيطه الوطني أو في المشهد العربي ضمن الاتحاد العام. شكرا لكم، ونلتقي دائما، إن شاء الله، على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الدكتور/ حبيب الصايغ
رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الإماراتيين.