العلامة المختار بن بونا رحمه الله من أشهر علماء منطقة الجنوب الغربي إن لم يكن أشهر علماء البلد الأقدمين "ولعله أكثر علماء شنقيط تأثيرا في عقول أبنائها" كما يقول المرحوم جمال بن الحسن، وأشار اليه بعض الأقدمين بأسلوبهم الخاص كابن حبت وصاحب الوسيط وغيرهما. ونظرا لشهرته فقلما يوجد عالم في عصره إلا وله معه حكاية واقعة أو مفترضة أنشأتها الذاكرة الجمعية. والثابت أن أخذه للعلم كان عن طريق المطالعة بعد أن فُتح عليه، وأن شيوخه قليلون، ولم يثبت أنه أخذ إلا عن شيخين أحدهما جكني مختلف في اسمه والثاني انجبنان الشمشوي. ومع ذلك هناك جماعة وافرة قيل بأخذه عنهم.
وما يذكر من أخذه عن غديجة بنت العاقل رواية عائلية قديمة أوردها ابن انبوجا في ترجمته للمختار في مقدمة شرح الوسيلة، وذكر ابن أحمد يور في "إخبار الأحبار بأخبار الآبار" فالرواية موجودة وقديمة. لكن هذه الرواية ترد عليها عدة إيرادات تضعفها ومنها:
1- أن مولد غديجة منتصف القرن 12 كما ذكر محقق شرحها على السلم، وهذا يجعل أخذ المختار عنها مستبعدا جدا فقد ألف نظمه في المنطق سنة 1170هـ (عام أعقش) وألف بعض كتبه قبل هذا التاريخ.
2- أن ابن أخيها العالم الكبير محمذن بن أحمد بن العاقل، أشار إلى مكانتها العلمية وانتصابها للتدريس في عصر ابن بونا، ولم يذكر أخذها عنه، فقال:
وما أقرأت قوما فلانة قبلنا ** على عهد نجل البونِ ممن يشاهد
ولو كان ابن بونا من الآخذين عنها لنوه بأخذه عنها، لا بتدريسها في عصره.
3- أن أكثر المعروفين من تلامذتها هم من طبقة تلامذة المختار وتلامذتهم كأخيها الإمام الشهير أحمد بن العاقل وهو نظير حرمة بن عبد الجليل أحد أشهر تلامذة المختار، وكالسالك بن البشير وعبد الجليل بن أجيون العلوي وهما من تلامذة حرمة، فمن المستبعد أن يكون قد أخذ عنها المختار وهو مشهور التعمير وعاشت حتى أخذ عنها تلامذة تلامذته. ومعروف أن السالك بن البشير العلوي توفي في حدود 1280هـ او بعدها فأخذه عن غديجة في العقود الأولى من القرن الثالث عشر في الغالب ، وهذا ما يجعل أخذ المختار عنها مستبعدا جدا.
4- أن غديجة كانت زوجا لعبد الله بن الإمام أشفغ مينحن وهو من طبقة المختار بن بونا أو أصغر منه، وهو زوج غديجة الثاني، والمعروف أن النساء في مجتمعنا القديم يصغرن أزواجهن بعقد فأكثر وهذا ما يبعد تقدمها على المختار.
وبعد: فلا غضاضة في أخذ المختار عن امرأة أحرى إن كانت بهذه المكانة من العلم والشرف وكانت سليلة هذا البيت العاقلي المبارك المجيد، ولها أسوة في أم المؤمنين عائشة رضي الله. وليس المختار بأجل من علماء الإسلام الآخذين عن الشيخات الفضليات المسندات ككريمة بنت محمد المِروزية وغيرها. ولا شك أن أخذه عن غديجة لو ثبت لا غرابة فيه لعلمها، وجلالتها وأخذ نظرائه من العلماء الأعيان عنها كأخيها أحمد والقاضي عبد الجليل والسالك بن البشير العلويين وغيرهما. والمختار نفسه كان يأخذ عن كل من وجد، ويناظر كل أحد، وقد أخذ أقوال المالكية في بت قسمة الحبس عن بلعمش الجكني وهو دونه في الشهرة وربما يكون أصغر منه، فلعل أخذه عن غديجة لو ثبت يكون من باب أخذ مسألة أو مسألتين في الكبر.
والصلات بين ذلك المحيط العلمي الطيب ومحيط المختار بن بونا قديمة قدم المجموعتين، ويكفي ما هو معروف بين ناصر الدين وسيدي المحجوب، وبين الشيخ محمد اليدالي وأبناء أيد الأمين، مع تباعد موطنهم؛ بل إن والد غديجة الفقيه محمد العاقل تلميذ لصهر المختار وابن عمه ألفغ محم بن جب الجكني الموساني وقد وصفه في إحدى فتاويه "بشيخنا" (انظر المجموعة الكبرى للدكتور البحاثة يحيى بن البراء)والمختار نفسه كثير التنوية ببني ديمان وهو القائل:
ألا يا بني ديمان لا زال يرتحل ** إليكم مريد المشكلات من المضل
محبكم المختار قدما سبيلكم ** وسعيكم المفضي إلى أقوم الملل الخ
وهو القائل:
أفدتكم حكم المسالة منكم ** ولا زمها ديمان كلَّ محكم
والدارسون في مدارس إيگيدي من أقارب المختار كثر والصلات الاجتماعية متشابكة.