وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحقُّ
مازالت البلاد تتنفس عبق الذكرى الثانية والستين للاستقلال الوطني المجيد
ذكرى يعود إلى الفؤاد حنينُها
دَوْما إذا ذاق الفؤاد أساتي
والذكرى دائما فرصة للنظر والتأمل، فيما قدم أبناء هذه البلاد لها.
والأكيد أن كل من حكموا هذه البلاد سعوا لتقديم كل ما تيسر لهم، مع تفاوتٍ في ذلك، ومع مزيةٍ تميز بها جيل التأسيس الذي واجه صعوبات النشأة بإخلاص كبير، وترَك لمن بعده مسؤولياتٍ جِسامًا هي الأخرى، تمثلت في الحفاظ على كيان الدولة، ومسؤوليات التشييد الكبرى.
وإذا كانت فترات الحكم السابقة قد سال الكثير من الحبر في تقييمها وذكر ما قدمته، فإن الفترة التي تقَضَّتْ من حكم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تستحق الوقوفَ عند مجموعة من الخصائص تميزت بها، ومن أبرزها.
١ - مَدُّ جسور الثقة والتواصل بين النظام والمعارضة، وتهدئة الساحة من الشد والجذب والخصام، الذي ظل يشغل حيزا كبيرا من اهتمام الأنظمة ومعارضاتها، كان ينبغي صرفُه في التفكير في مواجهة التحديات المشتركة لتنمية البلد والدفع به نحو الأمام، فكان فخامة الرئيس وفيا لالتزامه في تهدئة المناخ السياسي، وتأسيس قواعد التشاور وبناء الثقة، وهو مانعيش الآن أجواءَه، في خارطة انتخابية متفق عليها، وساحة سياسية نقية من التنابُز والتحامل والبذاءة.
٢ - الانشغال الحقيقي بمكافحة الهشاشة والتهميش، وإشاعة الإنصاف، وهو انشغال تجسد بشكل مؤسسي في مؤسسات قائمة ممدودة بموازنات سخية، توزع باسم الدولة الموريتانية المبالغ الماليةَ على عشرات الآلاف من الأسر المتعففة، وهي الآن تبني المساكن لهم، وقامت بأول عملية تأمين صحي شهدتها البلاد في تاريخها لصالح المتعففين من أبنائها، وصَل المستفيدون منها إلى 100ألف أسرة.
وهي فرصة كبرى لجعل المواطن الموريتاني المحتاج يُحس بأنه ليس هامشيا ولا معزولا، بل له دولة تسنده وتقف بجانبه وتواسيه بشرف وكرامة، وهو ما يُقوِّي الإحساس بالانتماء للوطن، والحرصَ عليه.
٣ - محورية التعليم باعتباره أداة الإنقاذ والرقي الأولى للإنسان.
فقد قرر فخامة الرئيس، أن يواجِه التحدياتِ الكبيرةَ والمقلقةَ التي تواجه إصلاح منظومتنا التعليمية، فأسس مجلسا أعلى للتهذيب، ودعا كل المختصين التربويين، وأصحابَ الرأي في البلد إلى منتديات عامة جهوية ومركزية من أجل تشخيص العِلل وتوصيف الدواء، بشكل علمي منطقي، وتم تضمين التوصيات - المُجسِّدة لإرادة أصحاب الاختصاص والوعي في البلاد - ضمن قانوني توجيهي ملزٍم، ليصبح أول قانون من نوعه في تاريخ البلاد، التي فسَدت منظومتُها التربوية بسلسة من القرارات الارتجالية التي لا تتأسس على قانون موجِّهّ، ولا تخضع لمشورةِ غالبية أصحاب الاختصاص.
ومن هنا تم وضع أسس حقيقية للانطلاق نحو الإصلاح التربوي، ليشهد قطاع التعليم أكبر عملية اكتتاب في تاريخه، وصلت 8000 في ثلاث سنوات، وأكبرَ عملية تعمير وبناء في حجراته ومؤسساته خلال فترة زمنية مماثلة، وتم توحيد زي التلاميذ في الكثير من المدارس،وأُعيد الاعتبارُ إلى القيم والمعاني الوطنية في رحاب المدرسة، من رفع العلم الوطني والاستماع للنشيد الجامع، وهذه كلها إجراءات يُؤمَل منها أن تخلق جيلا متوحدا مخلصا لبلده ساعيا في بنائه، يشعر بالمساواة والإنصاف، ويحمل قيمهما، التي أعلن فخامة الرئيس عن التبني الكامل لها بشكل لا لبس فيه خلال خطابه في وادان.
كما تم الالتفات إلى تحسين وضعية الأسرة التربوية بشكل مطرد.
٤ - الانحياز للهوية الإسلامية: فقد ظل الشأن الديني يحتل مساحة كبيرة من اهتمام صاحب الفخامة، وبفعل مُلامستي للقطاع المسؤول عن هذا الجانب، يمكن أن أرصد إنجازات كبرى أنجزها فخامة الرئيس في هذا السياق منها:
- اكتتاب 400 إمام، و400 مؤذن، وهو أول اكتتاب للمؤذنين في تاريخ البلاد.
- رصد ميزانية لترميم المساجد لأول مرة في موازانة الدولة، تم بموجبها ترميم عشرات المساجد.
- مضاعفة المحاظر المستفيدة من الدعم الشهري بأكثر من ستة أضعاف.
- مضاعفة المعاهد الجهوية للتعليم الأصلي.
- إنشاء جائزة رئيس الجمهورية لحفظ وفهم المتون المحظرية، وهي جائزة فريدة من نوعها في العالم الإسلامي، تهدف إلى حفظ موروثنا العلمي بموسوعيته وبصمته الخاصة، واكتشاف المؤهلين للفتوى والتوجيه المعرفي، من بين شبابنا الصاعد، الذي نعول عليه كثيرا.
- إنشاء دار المصحف الشريف، التي تعكف الآن على كتابة مصحف خاص بالدولة الموريتانية، وتقوم اللجنة القائمة عليها (لجنة المصحف) بمراجعة أي مصحف يدخل البلاد للتأكد من صلاحيته للنشر، وقد تم حتى الآن حجز آلاف المصاحف التي اكتشفت اللجنة أخطاء فيها تمعنها من التداول، وتم بالتنسيق مع الجمارك منعُ دخول أي مصحف للتداول في البلاد قبل أن تُؤَشِّر اللجنةُ على صلاحيته لذلك، فيبقى في مخازن تشرف عليها حتى تتم إجازته أو مصادرته، بناء على معطيات واضحة.
- تحديث وعصرنة الأوقاف، وإنجاز أسواق ومشآت تابعة للوقف.
- وضع مقرر رسمي لتنظيم عمل اللجنة الوطنية للأهلة، وزيادة أعضائها، وجعل اجتماعها بشكل شهري، وتزويدها برقم أخضر للاتصال المجاني.
هذا مع إصلاحات كثيرة أخرى في هذا القطاع، يمكن الرجوع إليها في مرصد خاص أصدره القطاع عن مستوى تنفيذ تعهدات فخامة الرئيس المعلقة بالقطاع.
هذه فقط نماذج دالّةٌ على بعض الخصائص التي اتسم بها التوجه العام للإنجازات في هذا العهد، وهي ضمن الكثير من العطاء والإنجاز تُبين أن هناك عملا جديا ومدروسا لصالح هذا الوطن، تتجلى مخرجاتُه بارزةً للعيان في كل مناكب الوطن.
إن هذه الإنجازات الحاملة لهذه الخصائص، تُبَيِّن بجلاء أن هنالك جهدا وطنيا كبيرا يتحرك بالبلاد نحو الأمام، لا يثبّطُه النقد، ولا يُغرِيه المدح، لأنه يتحرك بمنطق التخطيط والتدبير، والانتماء للهموم الوطنية الكبرى، التي تعلو على كل الاعتبارات.
و الفرق شاسع جدا بين صاحب الفعل الداخل في مكابدة الإنجاز وتذليل العراقيل بشكل مستمر، وبين الناقد الذي أقصى ما يُكابده أن يكتب حرفا أو ينطق كلمة..
فشتان ما بين الخلِي والشجِي.
خُذ ما تَراهُ وَدَع شَيئاً سَمِعتَ بِهِ
في طَلعَةِ الشَمسِ ما يُغنيكَ عَن زُحَلِ
الداه سيدي أعمر طالب