"إذا أراد الله هلاك نملة جنّحها"، وإذا أراد فضح قيادي إخواني ولاه منصبا هامّا يتركه في سقوط حرّ دائم في أي خروج إعلامي.
هذا ما حدث مع أحمد الريسوني، رئيس "اتحاد علماء الإخوان"، المعروف تجاوُزًا وزُورًا بـ"اتحاد علماء المسلمين"، ولا عالم من العالم الإسلامي بقي عضوا فيه منذ "الربيع العربي"، أو على الأصح "مؤامرة الإخوان على العرب".
فها هو "الريسوني" يفرّق ولا يجمع، ويدق إسفين الخلاف بين البلاد الإسلامية بمناسبة أو دون مناسبة، عبر نسف تاريخ وجغرافيا موريتانيا، والحث على الإرهاب، والدعوة لـ"جهاد طلب"، لم تتوفر شروطه، ولم تقم دواعيه، وبين من؟ المملكة المغربية وجارتها الجزائر، عبر ما سمّاه "الزحف نحو تيندوف الجزائرية".
لن يسمع سَدَنة الحكم في المغرب والجزائر ولا موريتانيا "سفاهة الشيخ" الريسوني، وقد قال الشاعر العربي: "وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده"، لكنه وكالباحث عن حتفه بظلفه، وقع شرّ وقعة، وزعزع التماسك المزعوم بين الإخوان، وأزال يافطة "علماء المسلمين" من فوق رؤوسهم بزوبعته الإعلامية، التي لم توقفها البيانات والتوضيحات.
والواقع أن تصريحات الريسوني الجديدة، التي بالمناسبة ليست أولى "سقطاته"، أبانت عن أمرين ينخران جسم تنظيم الإخوان، وإنْ أنكر منكروهم:
الأولى: عقم القيادات
والثانية: تلاشي التماسك
أما عقم القيادة فتمثل في انتخاب مثل الريسوني على جماعة "علماء الإخوان"، بعد أن أقعدت السنّ سلفه، يوسف القرضاوي، فنثر الإخوان حينها كنانتهم، فلم يجدوا غير الريسوني، الذي عجز في المغرب عن قيادة أكثر من شخصين، واستُبعد عن الصف الأول من الأحزاب والحرمات الإخوانية هناك.. بل إن تلويح بيان الاتحاد بعدم ترشيح الرجل ثانية لرئاسة الاتحاد كافٍ في خطأ "تصحيح البدايات"، وهو قاعدة أصولية أهمل "العلماء الإخوان" في هذه "النازلة" تطبيقها، بمن فيهم الريسوني، الذي يدّعي التخصص في علم الأصول والمقاصد.. ولا غرابة أن عُقم رحم الإخوان يمتد إلى هرم القيادة، وما صراع "جبهتي الإخوان" عنا ببعيد، وسط غياب رأس إخوانية وازنة حاليا في أنحاء العالم، والفروع القِطرية للتنظيم.
وأما تلاشي تماسك الإخوان فزَعْمُ "اتحاد علماء المسلمين" أن لا علاقة له بشطحات رئيسه، وتبرُّئه من تصريحاته، فور ظهورها إلى العلن، وما أثارته من استنكار الجميع.. كما خرجت الأحزاب الإخوانية في الجزائر وموريتانيا وسارعت إلى شجب إساءات الريسوني، فيما لاذت أغلب الأحزاب الدائرة في فلك التنظيم، المشحون بالخلافات والتناقض، بخيار السلامة، وهو الصمت المطبق.
إذًا ليس الإخوان على قلب رجل واحد، ولا خطة استراتيجية للجماعة، محكمة الأطراف، حتى في قضايا سياسية، ونزاعات إقليمية طويلة الأمد، يجب في العادة على الأحزاب الساعية لحكم البلدان، أن تملك منها رؤية واضحة، لا أن تترك الحبل على الغارب لكل ناقع، يُزبد ويُرعد بالإساءة إلى الدول ذات السيادة، ويخون وطنه بالمروق من خياراته السياسية، والتنطع بعكس رؤاه وأطروحاته السيادية.
وإن تنظيمًا كهذا مؤذن بالخراب -بعبارة عالم المغرب الإسلامي ابن خلدون- خصوصا وهو يفقد "حكمة الشيوخ"، و"فطنة الشباب"، وتخطيط الخبراء واستشارة ذوي الكفاءة في جسام أمور السياسة.
نقلا عن صحيفة " العين " الاماراتية