إن أول خطوات التغيير ليست البؤس بحد ذاته وإنما الوعي بالبؤس والذي يُعتبر محرك الثورات في لحظة الانكشاف، وخير ثورة تلك التي يبدؤها قائد ثار على نفسه ليُرضي شعبه.
خطاب رئيس الجمهورية للجالية وإن نُزعت منه روح الدبلوماسية والمجاملات إلا أنه خطاب واقعي يحط رحاله في النفوس ويجعل الحقائق واضحة دون رتوش السياسة.
يقول ابن حزم الأندلسي: "لَا يُدرِكُ الحَقَائِقَ إِلَّا مَن جَرَّدَ نَفسَهُ مِنَ الأَهوَاءِ.. ونَظَرَ فِي الآرَاءِ كُلِّهَا نَظَراً وَاحِداً، مُستَوِياً لا يَمِيلُ إِلَى شَيءٍ مِنهَا، وفَتَّشَ أَخَلاق نَفسِهِ بِعقلِهِ دُونَ هَوىً وتَقلِيد “.
كان خطابا غاضبا موسوما بحقيقة تدفعها إرادة التحقق ولم يكن مهزوما متصنعا ولا برجوازيا يدعو لأكل البسكويت كما ردت ماري انطوانيت في طلائع ثورة الجياع.
ولمن يستغرب هذه الواقعية فإن خذا الخطاب لايخرج عن مسار المصالحة الذي عبر عنه الرئيس أكثر من مرة في خطاباته في نقد الحاضر والتأميل في المستقبل ، لقد كان واضحا في تصريحات إعلامية قبل سنتين أثناء زيارة لمستشفى الشيخ زايد عندما قال إن أوضاع البلاد صعبة بالفعل.
وكان صريحا عندما انتقد التراتبية المجتمعية التي تحتقر العمل والإنتاجية،وكان واضحا عندما أطلق حزمة من البنود الاجتماعية التي تستهدف الصحة والغذاء والأمن الاجتماعي في المناطق الأكثر فقرا في هذه البلاد.
ليست هذه الواقعية والتجرد بدعا في نظام الرجل والمنطوق والمفهوم من كلامه يوحي بذلك لمن لايبحث عن خطأ ولا زلّة لسان يأبى عنها عمق الرجل وتكوينه.
انحاز الرئيس إلى البسطاء فلا مانع لذلك مع وجود السبب وتوفر الشرط على رأي الأصوليين وقف في صفهم بالحق وهذه سابقة سيكون لها مابعدها وهي إيذانٌ بتغيير يجب أن يخافه كل مفسد..وأن يكون بداية لتطوير عقلية التدبير الاقتصادي بشكل عام في البلاد.