تلك مقولة سائدة على نطاق واسع، وقد مثلت من قديم، أساسا مرجعيا لحرية الرأي والتعبير، لكن الصمود لم يحالفها في مواجهة اختبارات مواقف وآراء تياراتنا المحلية المتباينة، فكرية أو سياسية، أو اجتماعية بطعم القبيلة أو نكهة الفئة أو الجهة، حيث تذكي الخلافات صراعات تؤجج عداوات ظاهرة أو مضمرة، قد لا يتأخر ضرامها كثيرا...
يفسد الود، أم لا... فإن الخلاف في الرأي يبقى مباحا، كما يبقى تجاوزه بالحوار الهادئ والأخذ والرد، بالتي هي أحسن، وبالتعاون في المتفق عليه، والعذر المتبادل في المختلف فيه، يبقى ذلك شأنا متاحا، بلا نكير، ما لم يهبط الخصام إلى حضيض الإساءة والتحامل الذي لا مسوغ له، والاتهام بخبائث من القول والفعل بلا دليل بين عليها....
بالقوة الناعمة، تلين المواقف، وتتقارب الرؤى، وبالجدال بالتي هي أحسن، ينمو عشب الوداد
في المساحة المشتركة، مهما تقلصت؛ بشرط أن يختفي حجاج المغالبة، تاركا مجالا للبحث عن الحقيقة مجردة ومحايدة، لا سلطان عليها لأحد الطرفين..
لتقديم مثال حي للتعاطي الهادئ بين الفرقاء، حول قضايا نظرية خلافية، فإن غرماء التيار الإسلامي، من الاتجاهات "العلمانية" يتهمونه في بعض القضايا والتصورات، من قبيل:
- تطويعه لنصوص دينية للأغراض السياسية والأيديولوجية؛
- تغييبه للمعطيات الجيو سياسية في أزمة الأمة، والخروج منها:
- إقحامه للعقوبات الربانية، في عوامل فشل وتعثر النهضة؛
لنناقش هذه المآخذ بهدوء:
فيما يخص تطويع النصوص الدينية المقدسة لغرض سياسي، قإن الحد المشترك هو أن الأمر جريمة منكرة، بلا شك أو ريب؛ لكن التهمة هي من الخطورة بحيث تحتاج إلى بينة وضرب مثل؛ فاين هو النص الديني المطوع لغرض سياسي؟!
بخصوص المعطى الجيوسياسي، في البحث عن عوامل أزمة الأمة و وسائل الخروج منها، فإن غيابه خطأ، بلا شك، وتلك مساحة مشتركة، لكن النتائج المنطقية للتحليل الموضوعي، هي من قدر الله وسنته وقانونه الذي اقام عليه السماوات والارض؛ فلا منافاة بين هذا وذاك.
وأخيرا، فيما يخص الحضور المكثف للعقوبات الإلهية، فهو تعبير عن عقيدة راسخة، تشترط للإيمان، وقد لا يقبل ذلك قاسما مشتركا من البعض، لكن التاريخ والواقع يثبتان أن عثار وفشل مشاريع النهضة، مع انه عقوبات ربانية، فهو في الأعلب نتائج حتمية لمقدمات منطقية، وتلك سنة الله التي لا تحابي ولا تتغير ...
وفي الآيات التي رصدت مقدمات ووقائع ونتائج هزيمة جند المسلمين في أحد، إجابة عن تداخل التحليل والمنطق والقضاء والقدر، عقوبة أو جزاء: { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند انفسكم إن الله على كل شيء قدير}...!!