كم ترددت كثيرا فى كتابة هذه السطور لأسباب عديدة؛منها أنني لست خبيرا إجتماعيا وإقتصاديا ،ولست مفكرا ولا فيلسوفًا ، ولست سياسيا ضروسا...لكنه فُضول الضّمير والغيرة على هذه الرّبوع التى أَسْتنَارَ المشرق العربي والإسلامي يوما من الأيّام بإشعاعها الفكري والحضاري فى وقت كان فيه ذلك المشرق يئـِن تحت وطأة التّخلف الفكري واللغوي ..ناهيك عن التّبعية الإستعمارية والإستيلاب الحضاري..!
فُضول الضّمير هذا أَسالَ الحِبْرَ وغلبني فلم يعد بُد من طرح تساؤلات من قبيل ،هل ضاعت علينا فُرص بناء الدولة الوطنية ؟ماهو شكل الكيان الذي نهفوا إليه؟هل نمتلك فعلا مقوّمات النّهوض ؟ماهي العراقيل والمعوّقات التى تحُول؟هل نعيش الإستقلال أم الإستغلال؟أين يكمن الخلل?هل يجب ترميم المنظومة الأخلاقية وتقويمها من جديد؟.
قد يكون من نافلة القول أننا نحوز وطنا يزخر بشواطئ ساحرة غنية بالثروة السمكية والغاز..وأراضي شاسعة وسهول خصبة وشمامة رائدة وواحات نخيل متنوعة وثروة حيوانية كبيرة وثروات من معادن الذّهب والنحاس والحديد والفِلزّات الثّقيلة...ينضاف إلى ذلك كثافة سكانية تعد بالأصابع ..وزِد على ذلك التّنوع القومي والإثني والموقع الجغرافي الذي يَصِلُ ثلاث قارات (أوربا -أمريكا-إفريقيا).
هذه المعطيات هي رأس المال الذي نمتلك وهي لعمري كفيلة بتشييد صرح حضاري وبنية تحتية عتيدة اذا أخذنا فى الإعتبار حجر التنمية الأساسي وهو الإنسان.
شهد العالم من حولنا نماذج مختلفة من التنمية تخص كل أمة من الأمم.
فى اليابان إعتمدوا على البعثات التعليمية وفى دول نمور آسيا التى تميزت بشُح الثروات الطبيعية كذلك إستثمروا فى الإنسان نفسه فحققت تلك الدّول أكبر نسبة نمو فى التعليم والدخل على مستوى العالم وشهدت طفرة إقتصادية فى فترة زمنية لاتتجاز نصف عمر الإستقلال عندنا(25سنة).
هذا العِرق الأصفر(اليابان بعض الدول الآسيوية )الذي تتدحرج الحضارة نحوه طواعية ،لم يكن ليكون كذلك إلا بعد الإستثمار فى البَشر ،فَنرَاه شيّد دُولا ذات أنظمة حكم مستقرة وترسانة شامخة من البنية التحتية،فأين نحن من كل ذلك؟لا شك أنّ هذا البُعد البشري العلمي للنّهوض بالدولة مع أبعاد أخرى مثل الحرية وتفعيل العمل وتطوير الإنتاج وإمتهان القيّم الإنسانية ...كلها تدخل فى مقوّمات النّهوض والإرتقاء ويجب علينا أن نعتمدها إِذْ أنّ الشعوب الحرة هي الأقدر على الصّدارة والرّيادة والإبداع والتّميز بدون تأثير خارجي عكس الأمم التى تعيش تحت العبودية والظلم والقهر ....!من هذه الزاوية فإن رهان الحرية أصيل فى بناء الدولة والسّيادة ولا مِراءَ فى ذلك.ثم إنّ المنظومة القيمية فى المجتمع معيار أساسي فى تقدمه ورُقيِه ونقصد قيم العدل والمساواة والتسامح والأمانة والعهد والصدق فى المعاملات وهذه كلها مجبولة فى سلوك المسلمين المؤمنين ومسطورة فى وحي التنزيل حتى أنّ تعاليم الدّين الحنيف تربط الإستخلاف فى الأرض وتعميرها بالأمانة...إنّ التّمكين فى هذه الأرض والذّود عنها لا يتأَتيان إلا بالرّجوع إلى تلك المفاهيم الجليلة والعظيمة وجعلها نِبراسا نستهدي به فى معركة التنمية وبناء الدولة الحديثة....!ثم إنّ الشعوب الكسولة تقتل نفسها بنفسها إِذْ أنّ تحقيق الإكتفاء الذاتي يتطلب ثورة زراعية وصناعية ولن يتأتى ذلك إلى من خلال حركة دؤوبة ونشطة من القوى الحية والفاعلة فى المجتمع ولايخفى على أحد أنّ الصفات التى تتميز بها الدول المتقدمة والأمم الناهضة أنّهاتمتلك شعوبا عاملة ومنتجة فى جميع المجالات ولا يجب أن نكون إستثناءً...! ومن هذا المنظور وفى ظل تقاعس المجتمع بكل أطيافه وخُمولِه نقول على الدولة والرئيس أن يُنزلوا أفراد الجيش الوطني إلى حقل التنمية ودفع علاوات زائدة وإمتيازات كبيرة ويبدؤوا من شمامة حتى يتحقق الأمن الغذائي المنشود الذي نحن بأمس الحاجة اليه فى الوقت الراهن..إنّ الجيوش فى جميع أنحاء العالم وعبر مراحل التاريخ كانت تحمل أعلام التنمية فى أوقات المجاعة والحاجة والكوارث ونقص الغذاء ،حدَث هذا فى أمريكا وأوروبا ودول العالم الثالث كما أنّ بعض الديمقراطيات الحديثة تَوَلدت من ثكنات العسكر والجيوش الحديثة كانت سبّاقة فى التطوير الحربي وتأهيل الجسور والمدرجات وصناعة السفن والبواخر التى تحمل الزاد والطاقة ناهيك عن القنابل الذرية وتطوير البحوث الدوائية ........!لقد حان موعد إدخال أفراد القوات المسلحة فى معركة التنمية مادام المجتمع المدني وطابور التُجار والمواطن البسيط والحُكومي ...ماداموا جميعا متكاسلين متقاعسين فلا ضَير من تكليف تلك القوات المسلحة من لعب هذا الدّور النبيل وهذا من باب ما عُلم من المصلحة بالضرورة .
أيها الناس إنّ المواطن المستهلك وكذلك التاجر المستورد يشكلان عقبة كأداء وعبئا ثقيلا على الدولة وميزان المدفوعات والعملة الصعبة المهدورة فى المُستوردات...! فماذا يضير أصحاب الأموال الطائلة وملاك القطاع الخاص والشركات المستثمرة لَوْ ركّبوا مصانع وطنية تنتج محليا متطلباتنا فتخلق
فُرصا للعمالة الوطنية وتُوفر لنا مجهودا كبيرا يدفع ثمن التأخر عنه القطاع العام والدولة والميزانية بشكل خاص ....إنّ غياب مثل تلك المبادرات خلق تضخما وتَدنِياًفى قيمة العملة الوطنية وجعل بوصلة التنمية فى أضطراب وتذبذب...!
إلى متى سنظل عالة على الخارج فى كل إحتياجاتنا الضرورية وغيرها؟
إنّه فى ظل غياب الضمير الجمعي الوطني لبناء الدولة وإنعدام المسؤولية الأخلاقية إتجاه الوطن لكل فرد من أفراد مجتمعنا ونظرا للمرحلة التاريخية الحرجة و ما تعيشه الأمم من حولنا من تحديات كبرى وكوارث بيئية وصحية ...نظرا لذلك باتَ ضروريا فرض قوانين تخدم مسارات التنمية وتؤسس لدولة حديثة وعصرية ولو تطلب الأمر التجنيد الإجباري فى المؤسسات التعليمية والحكومية لأن كسب رهانات التنمية هو صمام أمان ،هذا اذا كنا نريد وطنا ننعم به ونستظل بظلاله ونتركه ذخرا للأجيال القادمة ونسطر بذلك حبرا فى دفتر التاريخ.
كم وكم يستحق علينا هذا الوطن ؟هل سنستفيق ونُفعِّل معركة التّشييد كباقي الأمم أم سنستسلم للكسل ويستعبدنا التّراخي وإنعدام المسؤولية والروح الوطنية ونهدر مقوّمات النّهوض التى أنعم الله علينا بها؟
لاشك أنّ المناخ السياسي القائم والتناوب الديمقراطي وروح التصالح بين الطّيف السياسي بكل أشكاله ...يُشكل بيئة خصبة نحو أحلامنا فى تحقيق النهضة ولكنه لا يكفى وحده بل يجب أن تصاحبه إرادة صادقة وإستعدادا للتضحية كل من موقعه ....أفرادا،مؤسسات،إدارات،قضاة،تجار،أئمة،أحزابا ومجتمعات حقوقية ومدنية....كل المنظومة يجب أن تُفعَّل..!
إنّ إرادة البناء تخلق المستحيل فمثلا تايوان لم تكن أكثر من جزيرة صغيرة للصّيادين حققت نهضة إقتصادية وتحتل المركز ٢٣ضمن أكبر إقتصاديات العالم....وكوريا الجنوبية من أمة منهارةحيث قتلت الحرب الأهلية فيها أربعة ملايين نهضت إلى دولة صناعية رائدة تملك اليوم تاسع أكبر إقتصاد فى العالم .
إنّ الوصول إلى الدولة العصرية المنشودة مدارج وسُلم ..يبدأ بتغيير العقليات والمسلكيات وتطوير العلوم والمعارف ونبذ ثقافة الفساد وإختلاس المال العام وتطبيق مبادئ الديمقراطية وإعتماد منظومة القيم والأخلاق وتأصيل عقلية الإنتاج والعطاء وإشاعة روح التسامح والحرية والعدالة وبثّ الوعي المدني والحضاري......!
ولن نصل إلى مبتغانا الا بعد وضع الجميع تحت القانون ويبقى الوطن فوق ذلك.
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو أن نارا أنفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ فى رمادي
المهندس: أحمدو ولد الشيخ ولد أحمدو