شغلتني التزامات ضاغطة في العمل عن متابعة البث المباشر لخطاب فخامة رئيس الجمهورية اليوم في افتتاح النسخة العاشرة من مهرجان المدن القديمة والذي تسمى الآن مهرجان مدائن التراث. وحين طالعتُ الآن النص الكامل للخطاب على موقع الوكالة الموريتانية للأنباء بودي مشاركة أصدقاء الصفحة مجموعة من الملاحظات تتعلق بأهم رسالة في الخطاب الرئاسي:
أولا: تكلم فخامة الرئيس كما ينبغي أن يتكلم رئيس موريتانيا في هذا الظرف الخاص فكان التنديد بما تعرضت له فئات كريمة من مجتمعنا تاريخيا من ظلم ونظرة سلبية وكان التوجيه بتطهير موروثنا الثقافي من رواسب ظلم شنيع وتطهير خطاباتنا ومسلكياتنا من أحكام مسبقة وصور نمطية زائفة وكانت الدعوة للوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد وكان الالتزام بأن لا ترتب الدولة حقا ولا واجبا على أي انتماء إلا الانتماء الوطني.
ثانيا: بقدر ما ارتاح المواطن الموريتاني اليوم لسماع ومطالعة خطاب فخامة الرئيس (لا أتحدث عن الموريتاني المريض فذاك شفاه الله وهداه) فإن التحديات جمة لإنزال هذا الخطاب القوي منزلة التطبيق على الواقع. ذلك أنه لا معنى أن تتم معاملة المواطنين أمام مكاتب الوزراء والولاة والحكام والمديرين والمرافق الخدمية معاملة تمييزية فقط لأن هذا شيخ قبيلة أو قائد مجموعة أو سليل نسب (محظوظ بفعل الخرافة) وأولئك مواطنون عاديون لا أحد يهتم بهم. على كبار مسؤولي وموظفي الدولة أن يستمعوا ويعيدوا الاستماع مرات ومرات لتوجيهات هذا الخطاب.
ثالثا: بإمكان المخلصين أيا كانت مواقعهم اغتنام فرصة هذا الخطاب القوي لضرب القبيلة والإجهاز عليها، إنها كائن يهدد وجودنا كشعب موريتاني ذلك أن هذا الكائن لا يقتات إلا من جسم الدولة المنهك أصلا بتحديات ومشاكل جمة.
رابعا: علينا توقع مقاومة شرسة من قلاع القبلية والفئوية بموريتانيا الأعماق لأنها ستصارع من أجل أن يظل الحال على حاله ولن يظل على حاله.
خامسًا: لن ننجح في استئصال السرطان القبلي والشرائحي المقيت طالما يتم تعيين الوزراء وكبار الموظفين على أساس قبلي بحت. لقد حان الوقت لأن تحل الكفاءة محل القبيلة. تزخر بلادنا بكفاءات تم تهميشها فقط لأنها اختارت عن قناعة عدم المرور بقناة القبيلة أو لأنها تنتمي لشرائح لم ينصفها السُّلم المجتمعي الجائر والنتيجة هي تصدر الذين لا يعلمون (وطبعا لا يستحقون) لمشهد الوظائف السامية وإدارة مرافق واقتصاد وسياسة البلاد.
كانت هزة وادان لا غنى عنها وأتوقع أن يكون لها ما بعدها فموريتانيا تستحق القطيعة مع المسلكيات البائدة.