باحث موريتاني يتحدث عن المعادن والغاز والنفط (مقابلة)

ثلاثاء, 23/11/2021 - 11:19

أجرى موقع المؤشر الاقتصادي مقابلة شاملة مع الباحث المتخصص الدكتور يربان الخرشي تحدث خلالها عن جملة قضايا اقتصادية متعددة.

وفيما نص المقابلة :

المؤشر الاقتصادي :منذ الاستقلال وموريتانيا تصدر خامات الحديد إلى اليوم برأيكم هل حانت لحظة الانتقال من تصدير الخام إلى التصنيع ؟

الباحث : السؤال يعد من الأسئلة الأكثر إلحاحا في وقتنا الحالي، وفي اعتقادي له علاقة وثيقة بنشأة البلد، فلم يعد يخفى على أحد أن المستعمرالسابق للغرب الإفريقي ساهم في خلق دول وظيفية تقوم بأعمال محددة في النسيج الاقتصادي العالمي اعتمادا على مواردها الطبيعية المحلية المتاحة، بحيث يضمن نوع من الوصاية الاقتصادية عليها، فهناك من يصدرالخشب الخام ، ومن يصدرالقهوة الخام وأصبح دوربلادنا في نسيج تأكيد الوصاية الفرنسية هذا تصدير الحديد خام، ولذلك ورغم مرور 61 عاما على استقلالنا بقينا مكبلين بعقدة النشأة هذه، ومع ذلك أنا أعتقد أن لحظة التخلص من العقدة، وتغيير معادلة مستقبلنا مرهون بأسعار المادة الخام قد حانت، وذلك لعدة أساب عالمية، وإقليمية، ومحلية نكتفي اليوم بذكر بعضها:

أولا-: على المستوى العالمي:
العالم مقبل على تغيرات دراماتيكية في سلاسل الإمداد العالمية، والتجارة العالمية ، وهو ما قد يتيح لنا الفرصة للبحث عن موطئ قدم في عالم ما بعد كورونا أحسن من موقعنا الحالي في قاع السلسلة الصناعية كدولة مصدرة فقط للمادة الخام، وإذا كان سباق التسلح بين روسيا وأمريكا قديما كان سببا في إحداث التحول الصناعي لدى كثير من دول في المعسكرين الغربي والشرقي، فإن سباق البنية التحتية بين أمريكا والصين المحتدم حاليا، سيخلق فرصا لا تقدر بثمن للدول التي تملك احتياطات معتبرة من خام الحديد والتي على رأسها بلادنا، إذ تقدر احتياطياتها من خام الحديد بحوالي 10 مليار طن.
ثانيا-: على المستوى الإقليمي

إن انتشار الشراكات والتكتلات الاقتصادية شامالا وجنوبا يحتم علينا امتلاك سلع قابلة للتصدير، وليس هناك بضاعة أهم وأغلى من الصلب أساس البناء والعمران الذي تحتاجه المنطقة كلها، إذ يعد تصدير حديد البناء مثلا فرصة ثمينة لبلادنا خاصة بعد دخولها في منطقة التجارة الحرة الإفريقية، والعودة المرتقبة لإعادة الجسور الاقتصادية والتجارية مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
أما على المسستوى الوطني فنحن قاب قوسين أو أدنى من دخول عصر إنتاج الغاز الطبيعي، الذي لن يشكل مصدرا جيدا للطاقة الرخيصة التي يحتاجها تصنيع الصلب فحسب (من المعروف أن صناعة الحديد والصلب من الصناعات كثيفة استهلاك الكهرباء) بل سيكون عاملا حاسما في تصنيع الصلب، إذ يعد الغاز الطبيعي المادة الأساسية بدل فحم الكوك في حالة تصنيع الصلب عن طريق الإختزال المباشر، وهو ما سيقلل من مخاطر الاعتماد على الخارج لتوفير المادة الأسياسية عامل الاختزال فحم الكوك ، كما أن مصانع الاختزال المباشر أقل تلويثا للبيئة، وتقنيا أبسط، وهو ما يجعلها أكثر ملائمة لدولة مثل بلادنا، هذا بالإضافة إلى الحديث عن شراكات واعدة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو ما قد يخلق جوا ملائما لاستقطاب صناعة محلية خضراء، والتي يجب أن يكون على رأسها الحديد الأخضر، فالمنتجات الخضراء سيكون لها سوق كبير في المستقبل القريب مع زيادة الوعي بالعوامل البيئية، حيث أصبح التعامل مع تغير المناخ أمرا حتميا.
إذن كل هذه العوامل وغيرها قد تخلق الظروف المواتية لإحداث التقدم إلى الأمام نحو الصناعة التحويلية، التي تخلق قيمة مضافة أكبر، وفرص عمل أكثر، وإيرادات أفضل، وتبقى الإرادة السياسة هي العامل المباشر والحاسم في رسم المستقبل الصناعي الذي الحاجة إليه ماسة بل ضرورة لكن قبل الجدل حول إضافة القيمة المضافة عن طريق التصنيع يجب التركيز على حسن إدارة العائدات حيث كشف مؤشرحوكمة الموارد 2017 الصادر عن معهد حوكمة الموارد الطبيعية أن بلادنا حصدت 10 نقاط من أصل 100 في مجال إدارة عائدات قطاع المعادن سنة 2017، وهي بذلك أسوأ دولة عربية، وثاني أسوأ دولة إفريقية بهذا الخصوص .

المؤشر الاقتصادي : تعرف أسعار خامات الحديد تذبذبا صعودا تارة انخفاضا أحيانا كيف يمكن التأقلم مع هذا التذبذب؟ وما هو مصير اسنيم في ظل هبوط أسعار خامات الحديد ؟ هل من قراءة للبدائل ؟

الباحث : من الملاحظ أن جائحة كورونا ساعدت في تسريع وتيرة تنفيذ الصين لاستراتيجيتها الرامية إلى التحكم في السوق العالمي لخامات الحديد عن طريق خلق صوت قوي لها في عملية وكيفية التسعير المادة الخام، وفي اعتقادي العالم يقترب شيئا فشيئا من نقطة انعطاف تاريخية، ألا وهي فقدان الأربعة الكبار، ومن يقف ورائهم للسيطرة على تسعير المادة الخام لصالح الصين، وإذا كانت الطفرة الماضية (2009-2014) تمخض عنها الاستغناء عن نظام التسعير السنوي التقليدي واستبداله بنظام جديد يعتمد العقود القصيرة الأجل، والتسعير وفق المؤشر، فإن الطفرة التي تم وأدها بسرعة خلال العام الجاري على يد الصين، وهو ما أدى إلى تراجع الأسعار من مستوى 230 دولارا للطن إلى 90 دولارا للطن في أقل من 6 أشهر. هذه الطفرة انتهت ليبدأ رسم المعالم الصينية للسوق العالمي لخامات الحديد، وهو ما يفرض علينا تبني خطة استباقية تضمن استمرارية رافعة الاقتصاد الوطني بل والتعزيز من دورها، وبالتالي كسر معادلة مستقبلنا مرهون بأسعار المادة الخام في سوق دولية لا ترحم، و لنا في حالة الميزان التجاري بين بلادنا، وشريكها التجاري الأول الصين خيردليل لمدى تأثير أسعار خام الحديد على اقتصادنا، حيث تم تسجيل عجز في الميزان التجاري بين بلادنا والصين خلال السنوات الأربعة(2015 حتى 2018) التي كان فيها متوسط سعر طن الحديد الخام تحت مستوى 80 دولارا للطن، بينما تم تحقيق فائضا في الميزان التجاري يفوق 700 دولار خلال تسعة أشهر فقط من العام الجاري الذي بلغ فيه متوسط سعر طن خام الحديد حوالي 165 دولارا . أما عن البدائل ففي اعتقادي أمام موريتانيا عدة خيارات على رأسها الخيارات الثلاثة التالية:

الخيار الأول-: الموارد مقابل البنية التحتية
يتمثل هذا الخيار في السعي إلى شراكة حقيقية مع الصين طويلة الأجل، وبشروط موريتانية، فلا يخفى علينا أن زيادة حصة بلادنا في السوق الصيني بل وحتى مضاعفتها عدة مرات هو مطلبا صينيا قبل أن يكون هدفا لنا، والأدلة على ذلك كثيرة يضيق الوقت عن ذكرها. هذه الشراكة يجب أن تضمن حصة في السوق الصيني، وبأسعار مربحة مهما كانت ظروف السوق الدولي، كما يجب أن تؤمن الدعم المادي والتقني لتطوير اسنيم، والرفع من إنتاجها بل أكثر من ذلك يجب أن تكون بوابة لنمط جديد من التعاون عنوانه الموارد مقابل البنية التحتية، على سبيل المثال اكمال سكة الحديد من مدينة شوم حتى مالي أو طريق معبد يربطها بمالي والنيجر، تمهيدا للطريق أمام قطب الشمال للعب دور اقتصادي أكبر بالوصول إلى العمق الساحلي، ليكون انواذيبو العاصمة الاقتصادية ليس فقط لموريتانيا بل لمنطقة الساحل كلها. إن تحويل مدينة انواذيبو إلى منطقة جذب استثماري عالمي، و مصدر تموين إقليمي، هو أقوى خط دفاعي عنها في مواجهة عاتيات الزمن.
الخيارالثاني-: الصناعة التحويلية بدل الاستخراجية
الخيار الثاني، والأكثر فائدة على المدى الطويل هو التخطيط للتحول إلى صناعة مكورات خام الحديد في أفق 2027 من أجل تغذية السوق العربي ثم صناعة حديد البناء من أجل تغذية السوق الإفريقي، وقد نستفيد أيضا من سياسة الصين المتمثلة في تركيز إنتاجها من الصلب في شركات محدودة، وهو ما يعني كنس مئات الشركات، وعشرات آلاف العمال المدربين، وقد يكون مفتاح هذا الخيار الاستفادة من التعاون العربي – العربي، والعربي – الصيني لجلب التكنولوجيا وإدخال رأس المال اللازمين لتطوير وتوطين صناعة الصلب والحديد في بلادنا.
الخيارالثالث-: الأسواق الناشئة بدل السوق الصيني

أما الخيار الثالث والأسهل فهو التركيز على الأسواق الناشئة الجديدة للمادة الخام كمصر، وتركيا، ودول الآسيان بدل السوق الصيني، وفي هذه الحالة سيكون على شركة اسنيم وضع خطة محكمة تمكنها من التغلب على التحديات الماثلة أمامها الآن من تحفيز للعمال للعمل بكفاءة وفعالية، وتحقيق تكلفة استخراج منافسة، وإنتاج خامات عالية التركيز والجودة، وكذلك تكلفة نقل عبر البحار منافسة، وسياسية اعلامية منفتحة وبلغات الزبناء و خاصة الجدد، و رقمنة معاملات الشركة إلى غير ذلك من التحديات.

المؤشر الاقتصادي : هل يمكن أن تقدموا لنا إحصائيات وأرقام بخصوص خامات الحديد وأكبر المستوردين ؟

قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية الاحتياطي العالمي من الحديد الخام حتى نهاية 2019 بحوالي ( 170 مليار طن) ، حيث بلغ الاحتياطي الأسترالي حوالي (50 مليارطن)، والبرازيلي (34 مليارطن)، والروسي (25 مليارطن)، والصيني (20 مليارطن)، والأوكراني ( 6.5 مليار طن) ،
ومن حيث الإنتاج سنة 2019 تربعت أستراليا على العالم بإنتاجها حوالي 930 مليون طن متبوعة بالصين التي أنتجت حوالي 850 مليون طن، ثم البرازيل حوالي 400 مليون طن، و الهند 230 مليون طن، وروسيا حوالي 99 مليون طن، و جنوب إفريقيا حوالي 70 مليون طن.
أما بخصوص الدول المصدرة والمستوردة، فحسب تقرير الرابطة العالمية للصلب لسنة 2019 يأتي ترتيبها كما يلي:
الدول المصدرة :
أستراليا : 836.5 مليون طن
البرازيل : 340.4 مليون طن
جنوب إفريقيا : 66.8 مليون طن
كندا : 52.2 مليون طن
أوكرانيا: 39 مليون طن
الدول المستوردة :
الصين : 1.069 مليار طن
اليابان : 119.6 مليون طن
كوريا الجنوبية 74.7 مليون طن
ألمانيا : 37.1 مليون طن
هولندا: 29.4 مليون طن
وخلال 2020 أدت خطط الانعاش الاقتصادية الصينية للخروج من أزمة كورونا إلى زيادة طلبها على المادة الخام، حيث استوردت 1.17 مليار طن، مما أدى إلى تغيير في ترتيب الدول ال10 الأوائل المصدرة لخام الحديد إلى السوق الأكبر عالميا، الذي يستحوذ على حوالي 70% من إجمالي التجارة العالمية لخامات الحديد المنقولة عبر البحار، حيث أصبح ترتيب ال10 الأوائل المصدرين إليه كمايلي:

أستراليا 713.126مليون طن
البرازيل 235.737 مليون طن
جنوب إفريقيا 46.403مليون طن
الهند 44.841مليون طن
أوكرانيا 24.819مليون طن
كندا 17.345مليون طن
البيرو 13.589 مليون طن
الشيلي 13.080مليون طن
روسيا 12.635مليون طن
موريتانيا 8.802 مليون طن

أما بالنسبة لبلادنا فتشير البيانات إلى أن الاحتياطات المؤكدة من خام الحديد حوالي 2 مليارطن، والمحتملة حوالي 10 مليار طن، وهو ما قد يجعلها في المرتبة الخامسة عالميا في حالة تأكيد المحتمل، وبالنسبة للإنتاج تكابد شركة سنيم منذ سنوات من أجل كسر حاجز 12.5 مليون طن، وخلال العام المنصرم أعلنت الشركة عن استراتيجية جديدة للرفع من الإنتاج إلى حوالي 18 مليون طن في أفق 2024 و 24 مليون طن في أفق 2026.
إن حجم الاحتياطي الكبير مهم جدا، وقد يكون هو السر وراء استعمار واستقلال بلادنا معا، والأهم أنه يشكل حلقة وصل بيننا وسلسلة الصناعة العالمية، فخام الحديد هو المادة الأولية لصناعة الحديد والصلب ثاني أكبر صناعة في العالم بعد النفط والغاز بحجم أعمال يصل إلى حوالي 1.2 تيرليون دولار سنويا، وهو العمود الفقري لجميع الصناعات المدنية والعسكرية،إذ يقال أن النفط هو الدم الذي يجري في شريان الصناعة، والحديد غذائها، والصين قاعدتها.

المؤشر الاقتصادي :ماهي أفضل السبل لكي تستفيد موريتانيا من ثروتها المعدنية؟

الباحث :هذا سؤال جيد وقد يحتاج إلى كوكبة من المتخصصين في شتى المجالات للإجابة عليه بطريقة شافية ووافية، ومع ذلك سأدلي بدلوي على قدر معرفتي المحدودة.
استخراج المعادن، وتحويلها إلى عائدات عملية معقدة جدا يصاحبها بروز العديد من التحديات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية بل وحتى الأمنية، ومن أجل تحقيق الاستفادة القصوى من الثروة المعدنية لابد من التخطيط الجيد، وسن القوانين والممارسات التي تضمن الرخاء المشترك، واستفادة المواطنين، كما يجب إدخال مفهوم حوكمة الموارد المرتبط بالقياس أي مؤشرات محددة وواضحة، لأنه بكل بساطة ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته ولا حتى تطويره، وفي اعتقادي نحن بحاجة ماسة إلى إجراء إصلاحات شاملة للتغلب على خمسة تحديات على مستوى مراحل دورة حيــاة التعديــن المختلفة:
أولا:- التغلب على تحدي المعلومات غير المتماثلة خلال مرحلة التنقيب و دراسات الجدوائيةر حيث تتمتع الشركات العابرة للقارات بمعرفة أفضل من حكومتنا، وتمتلك خبرات تقنية، وجيولوجية، وبيئية، ومالية، وتجارية، وقانونية أحسن، وهذا ما يجعل من نفوذ المعلومات أقوى من نفوذ المال والسلطة، ويضع تحدي كبير أمام بلادنا في ممارسة حقها في مد سيادتها الوطنية على مواردها الطبيعية والحافظ على سلامة بيئتها والاستفادة من عائداتها بشكل أحسن.

ثانيا-: التغلب على تحد عدم المنافسة والشفاية في إصدار رخص حقوق التعدين للشركات الأجنبية، حيث الطريقة المتعبة اللآن التي تركز على التفاوض مع من يأتي أولا، ولو بطريقة ملتوية، وهذا ما جعلنا تحت رحمة تحدي المعلومات غير المتماثلة، وهو ما يحرمنا من الاستفادة بصورة أكبر من التنازلات التي تقدمها الشركات، والأخطر من ذلك يحرمنا المعرفة العلمية الدقيقة والصحيحة لقيمة مانملك من موارد ،وكذلك معرفة التكاليف الدقيقة لإستخراجها

ثالثا-: اعتماد أحسن نظام تصميما وتطبيقا لتحصيل الإيرادات
السعي إلى تطبيق نظام تحصيل للإرادات المختلفة (الإتاوات، والضرائب، والمكافآت المساهمات) خاص بالموارد المعدنية يستند على المعطيات الجيولوجية، ومعرفة دقيقة للتكاليف، وأولويات البلد التنموية، ويأخذ في عبين الاعتبار اختلاف ريوع الموارد من ذهب، وغاز، وحديد، ومعادن نفيسة.

رابعا-: التغلب على تحدي حسن إدارة العائدات
تعد إدارة العائدات بشكل شفاف، ومثمر من أبرز التحديات التي تواجهما بلادنا، إذ من المعروف أن عائدات قطاع التعدين متذبذبة، ومؤقتة، وهذا ما يحتم علينا التعامل معها بشكل مختلف عن العائدات الأخرى، ولكن للأسف هذا ما لم يحدث خلال ال 60 سنة الماضية حيث، بقي إنفاق عائدات الموارد المعدنية وكأنها عائدات مستدامة، مما جعلها تتأثر، ويتأثر معها اقتصاد البلاد بفترات طفرات، وركود أسعار المادة الخام في سوق دولية لا ترحم بل ليت الأمر اقتصر على مجرد سوء إدارة للعائدات، إذ من الملاحظ أنه خلال السنوات الماضية تم استعمال طفرة أسعار خامات الحديد (2009-2014) من أجل الاقتراض، حيث ارتفع الدين الخارجي الموريتاني من 1.2 مليار دولارسنة 2007 إلى حوالي 5 مليار سنة 2019 ..

خامسا-: تحد التعامل مع البيئة والمحتوى المحلي
المحتوى المحلي، الذي يعني ببساطة إجمالي القيمة التي يضيفها أي مشروع استخراج للاقتصاد الوطني من خلال العناصر المحلية من عمالة، والسلع، والخدمات ونحوها. نحن بحاجة إلى إزالة الحواجز أمام تطويره، و إنهاء إحتكاره، وعلى رأس الحواجز حاجز اللغة الأجنبية، فالمهن والحرف لا لغة لها، كما يجب علينا تطبيق مبدأ الأولوية للمحلي، بل وحتى لخلق المنتج، والعامل، والخدمة المحلية، كما يجب التركيز على أن تقوم الشركات الأجنبية بمسؤولياتها الاجتماعية على أكمل وجه، بحيث يساهم القطاع في تحسين البنية التحتية، والرعاية الصحية، والنقل، و تشارك الشركات الأجنبية بنيتها التحتية والخدمية مع السكان المحليين، عكس ما هو معمول به حاليا، حيث تستخدم الشركات الدولية طرقنا بدل تشييد الطرق، ومستشفياتنا بدل المساهم غي تشييد المستشفيات، ولا تشرك السكان المحليين في كهربائها، ولا في الخدمات الأخرى . هذا بالإضافة إلى تعزيز مراقبة أنشطة الشركات الأجنبية خاصة فيما يخص الصحـة والسـلامة والبيئـة.
أما التحدي الأكبر والأهم فيكمن في كيفية تحويل العائدات إلى أصول مستدامة، واستثمارات مثمرة في الأجيال عن طريق التعليم الجيد، و كذلك في البنية التحتية حتى نستطيع استغلال ثروتنا الحقيقية التي لا تنضب المتمثلة في الموقع الجغرافي الاستراتيجي لبلادنا ، وكل ذلك مع مراعات التوزان بين حقوق السكان المحليين حيث الثروة، والحقوق الوطنية، وكذلك الحقوق التاريخية للمكونات المغبونة والمهمشة.

المؤشر الاقتصادي :كيف ترون مستقبل الغاز والتفط في موريتانيا ؟وهل ترون أن الحكومة استعدت بما فيه الكفاية تكوين؟

الباحث :حبى الله بلادنا بتركيبة جيولوجية فريدة من نوعها تتميز بإحتضانها لحوضين رسوبيين غنيين بالنفط والغاز، حوض تاودني الذي يشغل مساحة تصل إلى حوالي 500 ألف كلم2 ، والحوض الساحلي بمساحة 184 ألف كلم2 ، وحتى الآن هنالك حوالي 10 إكتشافات بدءا بحقل شنقيط النفطي قبل عشرين عاما، وانتهاء ببئرالله، وتشير الأرقام المؤكدة، وتلك المرجحة جيولوجيا لحجم احتياطيات من الغاز الطبيعي يبلغ حوالي 60 تيرليون قدم مكعب، وهو ما يعادل حوالي 10 مليار برميل من النفط تقريبا، والأهم أن كل هذه الاكتشافات، والاحتياطيات التي نتحدث عنها حدثت في أقل من 10% من المساحة الإجمالية للحوض الساحلي، مما يعني أن المستقبل واعد جدا، والحقيقية أن الفجوة بين المعلن والمخي من المعلومات بهذا الخصوص كبيرة جدا.
وهذا يحتم علينا الاستعداد لدخول نادي الكبار عالميا في مجال إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي؛ وفي اعتقادي تأخير المشروع فيه إيجابية لصالحنا، حيث يمنحنا الوقت الكافي للاستعداد الجيد عن طريق تطوير شركاتنا ،وعمالتنا المحلية، وقوانينا وخدماتنا إلخ.. السنغال وصلت درجة استعدادهم إلى حوالي 400 شركة محلية، ومئات العمال المدربة بل حتى معهد كونفوشيوس الذي يدرس اللغة والثقافة الصينية أصبح في السنغال يعطي دورات في بعض مهن النفط والغاز، والأهم من هذا كل هذا يجب عليتا استغلال مرحلة الغاز لتكوين اليد العاملة الماهرة وتحسين المناخ القانوني والتجاري و الخدماتي والمالي للبلد استعدادا لمرحلة الهيدروجين الأخضر، بحيث يتم خلق الجو الملائم لاستقطاب الصناعة الخضراء المستدامة كما ذكرنا سالفا، وهنا أخشى ما أخشاه أن تدار عائدات الغاز بنفس طريقة عائدات المعادن ، وهذا ما سيؤدي إلى تحويل هذه النعمة إلى نقمة، مما يعزز من الفقر ، ويزيد عمق الشرخ في جسد الوحدة الوطنية، ويدخل بلادنا في دوامة ما يعرف بالعنة الثروات الطبيعية، فلا فائدة من استغلال الموارد إذا لم تقود إلى الرخاء المشترك، وتساهم في القضاء على الفوارق الاجتماعية خاصة تلك الناجمة عن الرق ومخلفاته.

د. يربان الحسين الخراشي

تصفح أيضا...