الرئيس السابق.. لو غيرك قالها لهانت  / محمد محمود ولد عبد الله

خميس, 18/11/2021 - 14:56

تداولت بعض المواقع ورواد التواصل الاجتماعي بيانا منسوبا إلى الرئيس السابق، ألبسه من خلاله كاتبَه قميصا قُدَ من قبلٍ ومزق من دُبرٍ، وخرّقته كل أسباب الغرائبية من أطرافه، قد فصلته تجارب الأيام على غيره يقينا، ووسمه هو باسمه تلفيقا وتدليسا، فهو منه براء براءة الذئب من دم بن يعقوب، فلا القلم قلمه، ولا الأفكار المنتحلة قناعته.
فأظهره البيان ـ ورب كلمة تقول لصاحبها دعني ـ بجلباب المصلح الواعظ، وقبعة المنافح عن الحريات والمدافع عن الديمقراطية، فهاجم رئيس الجمهورية واتهمه بالسعي لترسيخ الديكتاتورية والتسلط، وهو الذي كشفت رؤيته العميقة للحريات وتجسيد مبدأ فصل السلطات، عمق الجرح الغائر الذي لحق بكيان الدولة وقيمها السياسية والدستورية، جراء دكتاتورية المزاج وغوغائية تسلط من كاد يرفع عقيره أنا ربكم الأعلى تسلطا وتجبرا.
ولم يستطع الرئيس السابق إخفاء حَنقه وغضبه من الإجماع الوطني على حالة الهدوء السياسي، في ظل حكم رئيس الجمهورية، بعد أن أرهقتها عواصف نرجسيته ونزقيه طيشه، التي طالت الجميع دون رادع أخلاقي أو وازع قيمي.
فأي استهتار عبثي، وأي منطق مستفز عمد إليه كاتب البيان. 
أفحسبتم أن صنائع الرجل وبوائقه على الديمقراطية والحريات قد طواها النسيان، وهي التي تئن منها الأمة قسوة وألما، أم حسبتم أن دواهي العشرية قد اندرست، وما زال البلد كلما حاول النهوض من أغلالها كشفت سود الصنائع ـ أيام النهب المشاع ـ عن اختلالات عميقة أربكت مسار الدولة وعطلت كل مصالحها، وضربتها في الصميم.  
أينافح عن الديمقراطية من شرد أبناء الوطن، وسجنهم واستخف بحريات الناس وأعراضهم، وسرّب خصوصياتهم استهتارا بكل القيم الدينية والأخلاقية، وإعراضا عن كل القوانين والنصوص الصريحة في تحريم وتجريم تلك الأفعال المشينة.
أينافح عن الدولة وعن قيم الجمهورية، من أتى على اليابس قبل الأخضر، ولم تسلم من سلبه ونهبه المتردية ولا النطيحة.. ولا شاة بفيفاء، ولا أرض جرُز ولا مرعي خصيب.. فقد ابتلي بنهم في التحصيل، وأحبّ المال حبا جما، فلم يرقب في الوطن إلا ولا ذمة، ولم يرع في شعبه أمانة ولا موثقا.
صحيح أن القانون الجديد استثنى رموزا من الحماية، ولم يُلق لهم بالا، وفي مقدمتهم رموز الفساد، وفي الأمر ما أثار سخط الرمز الأكبر، فهانت عليه الرموز الدينية والوطنية.
نعم حُق للرئيس السابق أن يدعى وبجدارة أنه رمز بدون منافس، وأن يغضب غضبة غير مُضرية، لأن حماية الرموز لم تشمله وهو الرمز الذي تشيب الولدان وتتبدل الأحوال دون أن يبلغ المرء شسع نعله فسادا وعنجهية وبطرا، بعد أن أهلك الحرث والنسل وعاث في الأرض فسادا.
 فخلال عشرته العجفاء كان حجم النهب والسلب غير مسبوقين، وكان الجميع على يقين أنه استولى على فريق من أموال الناس بالباطل، فاقتطع الأراضي واستولى على كل أسباب التجارة والرزق، ولم يترك مجالا إلا وله فيه سهم معلوم ونصيب مفروض، لكن ما إن انكشفت أيامه النحسات حتى كشفت عن أفعاله البائسات، فإذا به قد استولى على جل مقدرات البلد، فنهب وسرق وسطى، وجمع فأوعى، وهو الذي ألقت به أيام حظ عاثرة في واجهة البلد، ولم يؤت سعة من المال حينها، فبات بعد عشر حجج من أثرى أثرياء البلد، غلولا واختلاسا.
أفلا يحق لنا بعد كل هذا أن نتساءل، هل يستغفلنا الرجل إلى هذا الحد، أم أن به مسا من غرور أنساه صنائعه بنا وبوطننا، وحسب أننا قطعان بهائم صم بكم عمي لا نصبر ولا نسمع.
أقصرْ يا هذا فإنما تستفز ببيانك المزعوم ذكريات موجعة خلفتها، ولم تندمل جراحها بعد، فأسعفنا بالتواري خلف القضبان وسجف النسيان، فنحن مشغولون بإعادة ترتيب حطام وطن دمرته قيما ورموزا، وعبثتَ به اقتصادا ومقدرات.
أمطعمة الأيام.. ويحك لا تزني ولا تتصدقي.
محمد محمود ولد عبد الله

تصفح أيضا...