ولد عبد العزيز ، العودة الي النهاية / سيد محمد الأمام

أربعاء, 03/11/2021 - 13:09

جميع تصرفات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز كانت نابعة وبشكل جلي من حقيقة  ثابتة يدركها جيدا لأنه صانعها ، ان الدولة التي كان يحكمها سلمها ركاما لن يصمد في وجه عودته لحظة واحدة.
 لقد بدت جميع تصرفاته للمراقبين حمقاء و مستهترة  لكن الحقيقة  ليست كذلك ابدا ، ولد عبد العزيز بالغ الدهاء وماكر للغاية خصوصا عندما يتعلق الأمر بالثروة والسلطة لذلك كان يتصرف بفوضوية وصخب كعادته ليخفي تكتيكه المنظم وليغرق هدفه الحقيقي في الدخان.
ان تتالي الأحداث يجعلنا ننسى امورا هامة بسرعة غير متوقعة، لذلك ولنفهم اكثر وليفهم معنا اولئك الذين تربكهم الصور المجمدة التي تتخلل المشهد دون توقف ، سنعود الي اللحظة التي بدأت فيها الشياطين ترقص .
*المأمورية الثالثة:
  من لا يجيدون الرؤية خلال الظلام داخل الدهاليز المظلمة يعتقدون ان نوابا كثر و جيوش من الأطر خانوا ولد عبد العزيز لكن من يعتقدون ذلك هم فقط اولئك الذين وقعوا مع ولد عبد العزيز داخل الحفرة ، رغم دهاء ولد عبد العزيز فقد فات عليه ان هناك من يسبقه دائما بخطوة ويساير خططه ليقلبها عليه كل مرة ، لذلك شغلته حلاوة العسل عن مرارة المخدر فالجمهور كان غير من يظنهم  ،  فمن السهل ان يحشد من يحكم دولة عربية من يشاء من جماهيرها لكن من الصعب ان يضمن ولاءهم .
انطفأت نار خطة المأمورية الثالثة لكن الرئيس السابق كان يعلم انها قد لا تمر، بالنسبة له غالبا لأسباب خارجية  لذلك لم ترق عنده لمستوى (خطة )  ، كانت مجرد مناوشة تمهد لما بعدها فهو قد ثبت اركان مسخه الخاص و مكنه من اسباب التمركز والفاعلية والبقاء لفترة كافية لترتيب عودته .
*الدولة الموازية:
ولد عبد العزيز يقولب كل شئ وفق مصالحه الخاصة وبحكم كونه رئيس فلابد ان احدهم حدثه عن المؤرخ الامريكي روبرت باكستون وصياغته لمصطلح الدولة الموازية ، ولأنه كان بالأساس جامع ثروة فلابد ان الفكرة بدت له اكثر من رائعة ليسطو عليها ويسخرها لهدفه ، فعمد الي زرع رجاله ونسائه بل وحتي اطفالها في كل مكان من جسم الدولة ومنحهم ما يلزم لتأسيس دولة داخل الدولة لكن لفرط احساسه بالقوة لم يدرك ان هناك من يراقب بهدوء كل خطوة يقوم بها وكل بذرة او شتلة يزرعها ، كيف زرعت ولماذا وما الهدف منها .
السيد محمد ولد عبد العزيز رجل اعمال بالدرجة الأولي ، لا يمكنك جمع المال بسرعة ما لم تكن رجل اعمال وغد لا ترحم ، لكن الجميع يعلمون ان رأس المال جبان لذلك لا بد له من الأمن والاستقرار والموارد ومجتمع اعمي واطرش .
*الانجازات:
معظم انجازات ولد عبد العزيز خدمت بالأساس آلية تربحه من موارد الدولة بطريقة بالغة الذكاء ، الحالة المدنية اعطت مصداقية لجواز سفر البلد مما يسهل تنقل الأموال والسماسرة ، البنية التحتية كانت وسيلة للشفط وفي نفس الوقت تمنح عقاراته قيمة اعلى ، الأمن ومكافحة الإرهاب تهيأ لفرص الإستثمار التي تفقد البوصلة ليعود ريعها (للرجل الضرورة) ، الطيران للتحكم اكثر في عمليات النقل والتنقل ، حرية الإعلام ووقاحته لتسليطه على رقاب الخصوم ، وهكذا دواليك ، لكن في نفس الوقت كان قطاع الصحة في الحضيض وحال المؤسسات مزري والتعليم في وضعية كارثية و كل القطاعات التي لم تكن لريعها مردود نفعي مباشر علي ثروته مهملة تماما.
ان الثروة التي جمع رئيسنا السابق هائلة بحق ، هائلة الي درجة انه لم يستطع الصبر لنصف عام قبل ان يقرر العودة ، وهو متأكد بما لا يدع مجالا للشك ان الأمر لن يتطلب منه اكثر من ان يلبس دراعته ويمسك في يمينه دفترا اسود ويقول في احد مقرات حزب الإتحاد انه قرر العودة الي السلطة .
*عودة ايكاروس :
عندما اراد ايكاروس ووالده الهروب من قدرهما على الجزيرة النائية ركبا بالشمع على ظهريهما اجنحة قوية ونجحا بالفعل ، لكن ايكاروس بالغ بسبب غروره ولم يسمع النصح من والده وواصل رحلة الصعود الي الشمس ، فذاب الشمع ومات ايكاروس ، ما اذاب شمع  اجنحة الرئيس السابق هو تجهيل الأطفال وتجويع الكبار واناة المرضي ، هو في الحقيقة استصغار بلد كامل ، هو جنون العظمة الذي صور له ان دولة برئيسها المنتخب الذي يحمل ثلاثة نجوم على منكبه ، وبجيشها الذي يحمي كل شبر منها وبشعبها واجهزة امنها مجرد شقة يستطيع فتحها واغلاقها وقت شاء .
خطة العودة كانت سطحية للغاية ، لأنها مكشوفة للعين التي كانت تراقبه دائما .
بدأت بمحاولة الإستحواذ علي الحزب ولم يحرك سيادته الخلايا النائمة لقد كان يعتبر الأمر شبه منته ، لم تحرك الدولة ساكنا ، بالنسبة لها الأمر لا يعدو كونه ذبابة نزلت على نخلة ، وتكفل افراد من الحزب بوؤد محاولة سيادته ، الأفراد الذين تكفلوا به كانوا من خارج النظام بل واقرب له هو من النظام الحاكم ، وتصاممت الدولة ممثلة في وزارة الداخلية عن (الفعلة المشينة ) لعل الرئيس السابق يعود الي رشده فالدولة (التركة) تحتضر ولا وقت ليضيع في المهاترات ، لكن ايكاروس يدرك ذلك ويريد ان ينقض قبل ان يفقد الفرصة وهنا ارتكب غلطة العمر حين قرر اللعب بالنار الحقيقية ، كان رد الدولة قويا قوة طلقة قناص محترف ، فجأة سقط جناحا ايكاروس ووجد نفسه يهوي الي القاع ولا شئ ليمسك به ، ونعرف جميعا انك حين تبدأ في السقوط لاشئ يحدث قبل الإرتطام اللهم الصراخ والهلع والدعاء والكثير الكثر من الأخطاء والندم  .

تصفح أيضا...