لامست أسعار خام الحديد ارتفاعات قياسية هذا العام، بيد أنها تكبّدت كذلك أكبر خسارة شهرية لها على الإطلاق في هذا الشهر.
يرجع هذا التدهور الكبير فى الأسعار إلى القيود الصينية على انبعاثات الكربون التي يعدّ قطاع إنتاج الصلب الأكثر تضررًا منها.
لقد تراجعت أسعار الخام بشكل متواصل جراء دخول قيود إنتاج الصلب حيز التنفيذ منذ يوليو/تموز الماضي، وقد وصل سعر خام الحديد بتركيز 62% المستورد إلى شمال الصين في 17 أغسطس/آب إلى 148.99 دولارًا للطن، أي أقلّ بنسبة 30% من السعر قبل ذلك بشهر.
كما تعدّ هذه أول مرة منذ أكثر من 4 أشهر التي تهوي فيها أسعار خام الحديد الفوري إلى أدنى مستوى لها.
كانت أسعار خام الحديد تتأرجح حول 175 دولارًا للطن في أوائل أغسطس/آب، بعدما وصلت إلى أعلى مستوياتها في مايو/أيار الماضي، عند حاجز 239 دولارًا للطن.
يأتي هذا التراجع بسبب تطبيق سياسات بكين الهادفة للحدّ من إنتاجها الإجمالي للصلب إلى مستويات لا تزيد عن مثيلتها سنة 2020، وذلك من أجل خفض مستويات الانبعاثات، لكن القيود المفروضة على المصانع في الصين من المقرر أن تحافظ على هذا الانخفاض إلى ما بعد ذلك.
القيود الجديدة للحدّ من استهلاك الطاقة والانبعاث الحراري
قال مسؤولو الدولة الصينية يوم الثلاثاء الماضي، إن بكين ستكبح تطوير المشروعات التي تستخدم كميات كبيرة من الطاقة وتنتج انبعاثات كربونية عالية.
وأوضحت المتحدثة باسم اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح "منغ وي" في مؤتمر صحفي، أن 9 مقاطعات ومناطق في الصين -بما في ذلك قوانغدونغ وقوانغشي ويوننان وجيانغسو- زاد استهلاكها السنوي من الطاقة للنصف الأول من العام، واصفة الوضع بـ"المقلق" للحفاظ على مستوى مقبول من انبعاث الغازات.
يُضاف إلى ذلك أن لجنة الدفاع الوطني (NDRC) توقفت عن تقييم ومراجعة المقترحات المتعلقة بالمشروعات الجديدة التي تستهلك الكثير من الطاقة ولا تحظى بدعم من الحكومة المركزية، وذلك للأشهر المتبقية من العام، محاولة منها لتحقيق الأهداف المرسومة من التحكم في الطاقة، بهدف الوفاء بالتزام الصين بالمناخ.
كما حثّت الدولة الحكومات المحلية مؤخرًا على شطب أكثر من 350 مشروعًا كان مخططًا له، و طالبت بإلغاء تلك المشروعات التي فشلت في مسايرة التوجه الحكومي للتحكم في الطاقة.
أيّ مستقبل للحديد على المدى القصير؟
إن الصين التي تنتج أكثر من نصف إجمالي إنتاج الصلب في العالم، قد أقرّت خطة لمراقبة جودة الهواء لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين خلال فبراير/شباط 2022، وفرضت معايير انبعاثات منخفضة للغاية عبر قطاعي الصلب والطاقة (مركز إنتاج الصلب في مقاطعة خبي) حتى مارس/آذار من السنة المقبلة، و هذا ما سيؤدي حتمًا إلى خفض توقعات إنتاج الصلب الخام مما كانت عليه مسبقًا.
إن ارتفاع أسعار خام الحديد بدأ في إظهار علامات الضعف، ويُتوقع أن يستمر كذلك في الأشهر المقبلة.
ماذا عن المدى المتوسط؟
سجلت الصين نموًا في النصف الأول من السنة لإنتاج الصلب بنسبة 11.4%، و ما إن وصل منتصف هذا العام حتى بدأت تنفيذ سياسة الحدّ من إنتاج الصلب وسيلةً لإزالة الكربون من خلال تطبيق زيادة ضريبية على الصادرات لبعض منتجات الصلب.
وسيؤثر هذا القرار سلبًا في الطلب على خام الحديد، بينما تعمل الدولة أيضًا على زيادة إنتاجها المحلي من هذا الخام في محاولة لتقليل الاعتماد على الواردات.
ويعود تراجع أسعار الحديد إلى أن الطلب من منتجي الصلب الصينيين -الذي شهدناه في النصف الأول من العام- بدأ يستقر مع وصول مشروعات البناء المدعومة إلى الاكتمال، وقلة المشروعات الجديدة المعلنة، ويمكن أن يستمر هبوط أسعار خام الحديد لسنوات عديدة، من الآن فصاعدًا.
ومن المرجح أن ينخفض سعر خام الحديد إلى نحو 130 دولارًا للطن سنة 2022، وقد يصل أقلّ من 100 دولارًا للطن عام 2024.
كيف يبدو قطاع إنتاج الحديد اليوم؟ والسيناريوهات المستقبلية؟
تبلغ الطاقة الإنتاجية من خام الحديد لشركة فالي "VALE" نحو 330 مليون طن سنويًا، ومن المتوقع أن تصل 400 مليون طن سنويًا بحلول نهاية عام 2022.
بينما يصل إنتاج شركة بي إتش بي "BHP" العملاقة لتعدين خام الحديد إلى ما يزيد قليلًا عن 250 مليون طن سنويًا، أمّا شركة "ريو تنتو "Rio Tinto" فهي تنتج حاليًا ما يقارب 330 مليون طنًا سنويًا.
وسيؤدي تسارع إنتاج خام الحديد في السنوات المقبلة -حسب بعض المحللين- إلى زيادة الإنتاج العالمي بمعدل 2.4% خلال المدة من 2021 إلى 2025، مقارنةً بانكماش 2% الذي لوحظ خلال السنوات الـ5 السابقة.
ويُتوقع أن يزيد الإنتاج السنوي للحديد بمقدار 378 مليون طن، ليصل الإنتاج الإجمالي إلى 3.5 مليار طن بحلول عام 2025.
وفي ظل تسارع المؤشرات البيئية المقلقة للأرض، والتوتر السياسي بين الصين وأستراليا (أكبر مصدّر لخام الحديد إلى بكين)، لا يُستبعد قيام الحكومة الصينية بتنفيذ سياسات أكثر صرامة يمكن أن تعرقل ارتفاع أسعار خام الحديد بشكل مفاجئ.. فهل سيحدث ذلك فى الأشهر القليلة المقبلة؟
المصدر : موقع الطاقة