الساحل / ظرف المكان كوخ رمادي تعبث به الشوافي منذ زمن وهو صامد خلال سني القحط الماحق جنوبي “أدباي لمبيديع”.. ظرف الزمان يوم قائظ تطفو شمسه على غدير الحي فتحرق من الأسفل والأعلى كل من يسير في ذلك القيظ، الفاعل شيخ اشتعل فوداه شيبا واحدودب ظهره وهو يلعب بالنار في كل مناسبة يحضرها من عمره.. المفعول به بندقية يتلاعب بها رجال الحي في مناسباتهم فيطلقون النار عشوائيا داخل الجمهور وصوب حناجرهم، فتحدث أصواتا كأنها أعيرة نارية تطلق فترتفع الزغاريد لهذا الطلقات.
ولئن كانت ألعاب العصي “لعْب الدبّوسْ” تحاكي المبارزة بالسيوف فإن بندقية مدّ الل المعروفة عنده ب”الأطرش” تحاكي معركة من معارك البنادق، فصوتها يشبه لعلعة الرصاص الحي المتواصل في المعركة، ودخان العيار يحاكي دخان معركة حامية الوطيس بين فرسان الحرب.
عيار “الأطرش”
يقول مد الله في شرحه الطويل والمفصل لبندقية “الأطرس” محلية الصنع: إن مكونات العيار عبارة عن خليط بين الكبريت و”لمْليحه” والفحم، تمزج هذه للمكونات جميعا وتعجن بماء ثم تدلك مرات ومرات وبعد ذلك يتم تنشيفها في مكان مشمس، فتتكون في النهاية مادة من “البارود” تباع لأصحاب البنادق المعروفة في أحياء مثلث الفقر، وخاصة منطقة آدوابه “بنورات” التي تستخدم هذا النوع من السلاح أكثر من أي منطقة أخرى من مناطق موريتانيا.
وتتراوح أسعار العيار ما بين 200 إلى 300 أوقية للكأس ويكثر الطلب عليها خاصة في فترة المناسبات الاجتماعية.
يقيم مدّ الل في كوخه الخشبي بترويج هذه البضاعة، ويفتخر أن أربعين سنة ماضية من عمره قضاها وهو يلعب بهذه البندقية وسط الجموع ويطلقها عشوائيا على الجموع المحتشدة في الحفل دون أن تحمل أي ضرر لأحد، رغم أن صوتها كبير مثل صوت الرصاص الحي ودخانها يحجب الرؤية لعدة لحظات.
أغاني المزارعين تصاحب “الأطرش”
إذا ذكرت آلات الموسيقى المحلية في منطقة بورات مثل الطبل و”النيفّاره” و”التيدنيت” و”آردين” فلا بد أن نذكر بندقية أضحت جزء من هذا التراث في هذه الأحياء وهي بندقية “الأطرش” التي تطلق نيرانها مع أغاني المزارعين المعروفة ب”اشوار الشلْخه” من قبيل : (الطير انت امالك بيَ تيكيليتْ…. يالشعبْ انتَ أمالكْ .. بيَ مرظ التيليتْ ) (يطْويرْ الوادْ اتبريتَكْ..).
ومن طرائف بندقية “الأطرش” أن جماعة الرقص في بورات أطلقوها في نحور بعض قادة حزب اتحاد قوى التقدم خلال مهرجان الفلاحين الذي أقامه الحزب، فانزعج منها البعض وارتعدت فرائصه، وخاصة الشباب، فيما كانت قيادة الحزب تتفرج على دخان يذكرها بسنوات النضال الأول في تلك الربوع، فالبندقية هي تاريخ من صراع الإنسان على الحرية في أرضه ومزرعته.
مختار بابتاح ـ آدباي لمبيديع ـ جنوب موريتانيا