تحل في هذا اليوم ذكرى الهجرة النبوية الشريفة ومرور1443 عام على اعتماد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وارضاه للهجرة النبوية كتقويم للمسلمين، وهي الهجرة النبوية الشريفة التي فرقت بين الحق والباطل، وجاءت للبشرية بدين الخلاص والرفاهية في الدنيا والاخرة
وقد أشار الله تعالى إلى قصة الهجرة بقوله تعالى :
{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) } [التوبة: 40]
وقد اعتمد المسلمون التقويم الهجري ليكون تقويما للحكومات والشعوب الإسلامية، ونظرا لاعتماده الهجرة النبوية الشريفة بداية له فقد سمى ب التقويم الهجري، وقد اعتمد بعد سنتين ونصف السنة من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، في ربيع الأول من عام 16 للهجرة، وكان يوم 1 المحرم من عام 17 للهجرة بداية أول سنة هجرية بعد اعتماد التقويم الهجري.
فهجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة لم تكن في بداية شهر محرم الحرام، بل كانت بعد شهرين، أي في بداية شهر ربيع الأوّل وبالتحديد 22 ربيع الأول، (24 سبتمبر عام 622م).
وهنا نشير إلى امور مهمة وذلك على النحو الآتي :
أولا: بخصوص مشروعية التأريخ الهجري في ضوء الكتاب، والسنة؟
فهو مشروع حيث أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أراد أن يؤرخ الرسائل، والكتب التي ترد إليه، فجمع الصحابة لهذا الأمر، وانتهوا إلى التأريخ بالهجرة النبوية، وابتدؤوا بالمحرم.
ويكفي لمشروعية هذا العمل الجليل، أنه من عمل الخليفة الراشد عمر، وقد جاء الأمر النبوي باتباع هدي الخلفاء الراشدين المهديين، كما في الحديث: فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. رواه ابن ماجه، وأحمد. فالخلفاء الراشدون لا يصدرون إلا عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، إما نصًّا، أو استنباطًا.
وبخصوص عمر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل الحق على لسان عمر، وقلبه. رواه الترمذي، ومعنى: جعل، أي: أجراه على لسانه.
ثم إن هذا العمل اجتمع عليه الصحابة، وسار عليه التابعون، وتابعوهم، والمسلمون على امتداد تاريخهم، فالمخالف لهم، المضلل لرأيهم، على غير السبيل، قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، وقال ابن مسعود: ما رآه المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسن. رواه أحمد.( المرجع اسلام ويب)
ثانيا: على المسلمين الاحتفال ببداية كل سنة هجرية، وتخليد هذه الذكرى بمحاضرات وندوات ومؤتمرات ، وتخليدها رسميا، لكي نحيي ذكرى الهجرة النبوية ونعلم انفسنا واولادنا وطلابنا السيرة النبوية المطهرة.
ثالثا : وجوب اعتماد التقويم الهجري في كل معاملاتنا ، وذلك لقوله تعالى { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) } [التوبة: 36]
يقول العلامة المفسر محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ) في تفسيره الموسوم ب( التحرير والتنوير) في تفسير قوله تعالى:
{ إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً فِي كتاب الله يَوْمَ خَلَقَ السماوات والارض مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } .
استئناف ابتدائي لإقامة نظام التوقيت للأمّة على الوجه الحق الصالح لجميع البشر ، والمناسب لما وضع الله عليه نظام العالم الأرضي ، وما يتّصل به من نظام العوالم السماوية ، بوجه محكم لا مدخل لتحكّمات الناس فيه ، وليوضّح تعيين الأشهر الحُرم من قوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } [ التوبة : 5 ] بعدما عَقِبَ ذلك من التفاضيل في أحكام الأمن والحرب مع فرق الكفار من المشركين وغيرهم .
والمقصود : ضبط الأشهر الحرم وإبطال مَا أدخله المشركون فيها من النسيء الذي أفسدَ أوقاتها ، وأفضى إلى اختلاطها ، وأزال حُرمة مالَهُ حرمة منها ، وأكسب حرمة لما لا حرمة له منها .
وإن ضبط التوقيت من أصول إقامة نظام الأمة ودفع الفوضى عن أحوالها .
وافتتاح الكلام بحرف التوكيد للاهتمام بمضمونه لتتوجّه أسماع الناس وألبابهم إلى وعْيِهِ .
والمراد بالشهور : الشهور القمرية بقرينة المقام ، لأنّها المعروفة عند العرب وعند أغلب الأمم ، وهي أقدم أشهر التوقيت في البشر وأضبطها لأنّ اختلاف أحوال القمر مساعد على اتّخاذ تلك الأحوال مواقيت للمواعيد والآجال ، وتاريخِ الحوادث الماضية ، بمجرّد المشاهدة ، فإنّ القمر كرة تابعة لنظام الأرض . قال تعالى : { لتعلموا عدد السنين والحساب } [ يونس : 5 ] ولأنّ الاستناد إلى الأحوال السماوية أضبط وأبعد عن الخطأ ، لأنّها لا تتناولها أيدي الناس بالتغيير والتبديل ، وما حدثت الأشهر الشمسية وسَنتها إلاّ بعد ظهور علم الفلك والميقات ، فانتفع الناس بنظام سير الشمس في ضبط الفصول الأربعة ، وجعلوها حساباً لتوقيت الأعمال التي لا يصلح لها إلاّ بعض الفصول ، مثل الحرث والحصاد وأحوال الماشية ، وقد كان الحساب الشمسي معروفاً عند القبط والكلدانيين ، وجاءت التوراة بتعيين الأوقات القمرية للأشهر ، وتعيين الشمسية للأعياد ، ومعلوم أنّ الأعياد في الدرجة الثانية من أحوال البشر لأنّها راجعة إلى التحسين ، فأمّا ضبط الأشهر فيرجع إلى الحاجي . فألْهم الله البشر ، فيما ألهمهم من تأسيس أصول حضارتهم ، أن اتّخذوا نظاماً لتوقيت أعمالهم المحتاجة للتوقيت ، وأن جعلوه مستنداً إلى مشاهَدات بيّنة واضحة لسائر الناس ، لا تنحجب عنهم إلا قليلاً في قليل ، ثمّ لا تلبث أن تلوح لهم واضحة باهرة ، وألهمهم أن اهتدوا إلى ظواهر ممّا خلق الله له نظاماً مطرداً . وذلك كواكب السماء ومنازلها ، كما قال في بيان حكمة ذلك { هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلاّ بالحق } [ يونس : 5 ] ، وإن جعلوا توقيتهم اليومي مستنداً إلى ظهور نور الشمس ومغيبه عنهم ، لأنّهم وجدوه على نظام لا يتغيّر ، ولاشتراك الناس في مشاهدة ذلك ، وبذلك تنظم اليومُ والليلة ، وجعلوا توقيتهم الشهري بابتداء ظهور أول أجزاء القمر وهو المسمّى هلالاً إلى انتهاء محاقه فإذا عاد إلى مثل الظهور الأول فذلك ابتداء شَهْر آخر ، وجعلوا مراتب أعداد أجزاء المدّة المسمّاةِ بالشهر مرتّبة بتزايد ضوء النصف المضيء من القمر كلّ ليلة ، وبإعانة منازل ظهور القمر كلّ ليلة حذوَ شكل من النجوم سَمَّوه بالمنازل.