الحديث عن دولة الكويت، عاد بقوة هذه الأيام على خلفية الموقف الوطني والقومي العادل والمشرف لرئيس مجلس برلمانها في سان بطرسبورغ (روسيا)، ضد مندوب دويلة العصابات الصهيونية التي كان الوهم السائد لديها ولدى الأعراب أنها على طريق تولي ولاية أمور أولياء الأمر في العالم العربي المتردي وضعه!
والحقيقة أن الكويت لا تغيب عن الأحاديث العربية، بسبب تميز وعراقة تجربتها الإعلامية والديمقراطية الرائدة بمعيار منطقتها على الأقل.
*
لقد أشرت في كتابات سابقة ـ عرضا ـ إلى الأوهام الحاصلة لدى بعضنا، نحن الموريتانيين، بشأن مواقف الدول العربية من جمهوريتنا ـ القديمة! ـ وكيف أثرت الدعايات الإعلامية والرعايات الأيديولوجية في تشكيل المواقف وتلبيس الحقائق عندنا، فنزكي بعض المساعدات العربية الضحلة ونعمى عن مساعدات أخرى أكثر أهمية وأعم نفعا!.
قلت مثلا إن لدولة الكويت على بلادنا أيادي بيضاء ونجدات في ضائقات حقيقية، وإشادات إعلامية نافعة.
فدولة الكويت صاحبة فضل خفي على الدولة الموريتانية يتعلق بمساهماتها واستثماراتها في التنمية الوطنية؛ مباشرة أو عن طريق الصناديق العربية والهيئات الدولية.
وإذا كان محور التنمية ـ على أهميته الكبرى ـ غير مرئي للجمهور، فإن للكويت أفضالا مرئية وغير ممنونة ولا مقرونة بمواقف سياسية أو فكرية، نذكر منها أهمها؛ وهو الجهد الإعلامي للتعريف بموريتانيا وعروبتها عبر التحقيقات الميدانية الشهيرة التي نشرتها مجلة "العربي" ذات الجمهور العربي الواسع المتميز، وذلك في أوائل الستينيات (قبل اعتراف الجامعة العربية باستقلالنا). ثم كان استقبال جامعة الكويت لدفعات من الطلاب الموريتانيين (من ذوي التعليم العربي المحاصر) نافذة اتصال مهمة، ولفتة مساعدة في وقتها.
كذلك قامت الكويت ببناء ثاني مستشفى وطني (مستشفى الصباح) وثاني فندق وطني (فندق الصباح) في نواكشوط، بالإضافة إلى مستشفى جهوي فريد في تججكه (لا أعرف مصيره)...
مع ذلك كان الموقف الموريتاني، الرسمي والشعبي، من احتلال العراق للكويت، لئيما وقصير النظر، فضلا عن كونه مجافيا للحق والعدل وبعيدا من الحكمة والمصلحة!
الكويتيون مع هذا تعاملوا معنا بتسامح وشرف، فأرجعوا العلاقات؛ وما زالوا يستقبلون الموريتانيين ويكرمونهم، وتعيش وتعمل بالكويت الآن جالية متميزة محترمة. كما واصل الكويتيون تمويل وبناء المشاريع الخيرية والتنموية في بلادنا... بل لا ننسى قريبا كيف تجشم أمير الكويت، على كبرته وحال صحته، عناء السفر لحضور قمة نواكشوط التي تغيب عنها قادة العرب "الحلفاء"!
*
وإذا كان البرلمان الكويتي هو وحده من يعرقل "محو" الديون الكويتية المتراكمة على موريتانيا بسبب موقفها الخاطئ ذلك، فإن الأمل قائم على أن يراجع مجلس الأمة الكويتي ـ ذو المواقف القومية المشرفة ـ موقفه المفهوم، ويعمم مبدأ "عفا الله عما سلف" الذي انتهجته الدولة الكويتية تجاه من خذلوها في محنتها تلك.