مع كل زيارة رئاسية داخل البلاد، يتجدد حديث "خصوم السياسة " عن هذه الزيارات مصنفينها طقسا كرنفاليا ومظهرا سلبيا سيئا لصيقا بالأنظمة السابقة، آن وقت القطيعة معها.
إلا أن أصحاب التهجم بل التهكم أحيانا على الاستقبالات الشعبية المصاحبة للزيارات الرئاسية، يتجاهلون دوما ثنائية ماثلة هي عادات الضيافة المتجذرة في مجتمعنا، أولا. ومتطلبات الحضور والنفوذ السياسي عن طريق الحشد الجماهيري الكثيف ثانيا.
فمن المألوف أن يلجأ كل فاعل سياسي طموح، يسعى لتأكيد نفوذه إلى توظيف هذا التعبير الحاشد من أجل " كسب الاعتبار الرسمي"، ففي الأخير "إن ما العبرة بالنفوذ".
سأتطرق في هذا المقال لنقاط أعتبر ها منصفة نوعا ما لتلك الاستقبالات في وجه موجات التشويه والتحامل غير المؤسسة والموغلة للأسف الشديد في اللاواقعية، حينما تقارن أسلوب شعب صحراوي متضامن في كل الأوقات والظروف العامة والخاصة، بشعوب أخرى فردانية تعيش بأسلوب مغاير.
وتأكيدا على تجذر الاحتفاء بالضيف لدى
سكان الصحراء عموما والمجتمع الموريتاني خصوصا، رغم الظروف القاسية التي يكابدونها.
نستحضر هنا قصة كرم لافتة، كتب عنها صحفي كان في رحلة عمل لصالح وسيلة إعلام دولية، حيث جمعتهم الصدفة بعد يوم شاق قرب آوكار الحوظ بأسرة من البدو لاقتهم باحتفاء فريد. وعندما همّ الفريق الصحفي بالمغادرة قدم الصحفي مبلغا ماليا للأسرة ثمنا للشاة التي اكرمتهم بها الأسرة البدوية الضعيفة، لكن والدة الأسرة ردت عليه باستغراب بما نصه " نحن يبوي اشوينين وضعاف يغير ما نبيعو الظواكَ لخطارنَ ".
وعندما تعطلت طائرة الرئيس السابق ومرافقيه أثناء الحملة الرئاسية 2009 توجه لخيمة من البدو قريبة من المكان، وبعد أن قدموا له كل المساعدة، سأل الرئيس، والد الأسرة المُضيفة هل عرفتني، فأجابه "نعرف أنك ألا خاطر ؤتوف".
لذا فإن استغراب الاستقبالات الشعبية المخصصة لرئيس الجمهورية ووصفها بالتملق والتزلف والنفاق غير منصفة بحق سكان عبروا عن تقديرهم لأعلى رمز في هرم الدولة وهو في ضيافة ولايتهم/ مقاطعتهم/ وقريتهم .
ولعل الخلفية الخفية في التهجم على الاستقبالات الشعبية هذه لتشويهها، هو نوع من الاستحضار الانتقامي والانهزامي لمواجهات سياسية تنافسية سابقة على المستوى المحلي أو الوطني، جعلتهم يوظفون ذلك إعلاميا، تشهيرا بخصوم سياسيين يستقبلون المواطن الأول ويحتفون بقدوم مجسد الدولة دستوريا.
و يحسب للأطراف المساندة للنظام تأكيد حضورها بالمشهد السياسي المحلي غالبا في مثل هذه اللحظات بوضوح وشجاعة، بينما يحاول الطرف الآخر غالبا أن يحضر بمواربة محتجبا خلف "تحركات سياسية غير مباشرة" ليصنع من خلالها رموزه وشخوصه على نحو متدرج، مستخدما "العمل الخيري" و الأنشطة الدينية بالإضافة للمهرجانات الثقافية.
صحيح أن مطالب السكان يجب أن تطرح وتعرض بأمانة على رئيس الجمهورية، لكن لذلك قنواته، ففي كل زيارات سواء كانت تنموية أو سياسية، عادة تكون هناك كلمات رسمية للعمد ينبغي أن تتطرق للمشاكل المطروحة، كما أن اللقاءات التي يجريها الرئيس مع الفاعلين السياسيين في المنطقة فرصة إضافية مناسبة لاستعراض تلك المطالب. وكل هذا ممكن دون النيل من أعراض الناس والتشهير بالساكنة أو الدعوة إلى المطالبة بالتخلي عن الاحتفاء وإبداء مظاهر الفرحة والسرور بقدوم ضيف كبير في مقام رئيس الجمهورية.
قد نتفق مع بعض المنتقدين بطريقة عقلانية الداعين إلى أن لا تكون الزيارات الرئاسية هي الفرصة الوحيدة للتواصل بين المنتخبين والقيادات السياسية مع الجماهير، وهو انتقاد وارد ووجيه، ففي تقديري أن تلك القطيعة من أكبر علامات ركود الحياة السياسة في الفترة الماضية بتحويلها إلى نشاط تجاري موسمي مسند لأصحاب قدرات أخرى غير سياسية.
هذا على الرغم من حالات الصراع التي تبرز أحيانا في الاستقبالات الشعبية بين الأحلاف السياسية الموالية على المستوى المحلي. فقد يشكل ذلك التنافس القوي فرصة كبيرة للأحزاب الموالية لتأكيد حضورها بالشعارات والأغاني السياسية من أجل استمالة الجمهور سعميا بصريا، تمهيدا لاستثمار ذالك التواصل العرضي مستقبلا، بترجمته على شكل انخراط جماهيري منظم يراهن عليه في المواسم الانتخابية.
أحمدو ولد أبيه/ ناشط سياسي
- مستشار شبابي في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية