مذ يومين تقريبا طالَعنا السيد "اسحاق الكنتي" بمقال جديد من " بالُوناته" التي عادة ما ينتقي توقيتها بإحكام قبل فرقعتها، و التي يبدو أنها هذه المرة عن رأيين مختلفين؛
أحدهما في ظل، والآخر في نأي من ذلك، وهي ازدواجية معقدة يصعب على الكنتي نفسه تبريرها، لأن المشي على الحبلين يحتاج إلى رشاقة كما يقال، ولا شك أنّ حظ صاحبنا من تلك الرشاقة معدوم.
وبما أن افتعال الأزمات واتهام الخصوم في السياسة دون ابسط معطيات كان جزءا لا يتجزأ من استراتيجية نظام العشرية السوداء، الذي جثم على صدور جميع الموريتانين، والذي كان الكنتي يدافع عنه بإسهال من المقالات والتدوينات والهرطقات ووو...
وينصب نفسه على أنه حامي حماه و فارسه الأوحد الذي يرابط بشكل دائم على ثغور مغارة على بابا.
حيث كتب هذا الحارس الوفي للمغارة ذات يوم بإسهاب منقطع النظير عن انقلاب العقيد معاوية في موريتانيا والشاذلى في الجزائر ، والسادات في مصر. وكيف انقلب الشاذلي من جديد على المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أسسه بومدين،
فهل يريد الآن ( السيد الأمين العام المساعد للحكومة) أن يطبق مضامين ما كتب ممتطيا أسلوب التنفير والتخوين والوصاية على مشروع "تعهداتي" الذي لم يستتبّ بعد ، خدمة لأجندا ولي أمره ولد عبد العزيز..!
أم أن تاريخه الطويل في عبادة الأصنام يتطلب منه هذا الترنح المخيف..؟!
ما لا يعلمه الكنتي أو على الأصح يتجاهله، أن البلد اليوم يتخبط في جملة من الأزمات لا ساحل لها، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وذاك بفعل معاول الفساد والهدم التي ظلّت تدمر وتخرّب خلال عقد كامل من الزمن، ولايمكن أن يتعافى مما أصابه إلا بقرار شجاع وبمشاركة من الجميع ، معارضة وموالاة - وأغلبية صامتة لاتمتهن السياسة ولاتحسن الإندماج؛
فهل يعارض الكنتي ذلك وهو الذي لازال يحتفظ بمنصبه ومكانته في نظام الظل كما سماه أم أنه يريد كُليْبا حيا..؟!
والغريب ،والعجيب ،والمحزن ، والمضحك في الآن ذاته، حديث الكنتي عن سياسة الحكومة وعن الأسعار والإعفاءات الجمركية وانخفاض العملة وهيكلة الإقتصاد... و هو في الحقيقة لا يعدو كونه نوع من دس السم في العسل، وما ذاك بالشيء الغريب على الكنتي فقد اعتاد أن يقول الشيء ونقيضه في آن واحد.
يخلص السيد الكنتي في حديث مفتعل للتمويه إلى ربط حركة "كفانا" الشبابية ببعض الأحزاب المعارضة وهو حديث استوقفني كثيرا وأنا العالم بخفايا الحركة وكيف تدار؛ بأعلى مراتب الاستقلال المالي والسياسي، بعيدا عن اي وصاية حزبية أو أيديولوجية أو شخصية، وذلك بحكم اني أحد المؤسسين لكيانها .. لكن الإنسان بطبعه ميال إلى ماضيه مرتبط دائما بجذور تاريخه مهما كان مليئا بأنماط الغدر والبؤس والكذب والخيانة، والطبيعة لاتتحمل الفراغ .
لايمكن للكنتي أن يستوعب أن في البلد شبابا خيّرين صادقين في نضالهم وتضحياتهم من أجل الوطن لاتحركهم الإغراءات ولا يستسلموا للتهديد، لهم وفاء وذمة اتجاه وطنهم لا يسألون الناس إلحافا ولا يُشبهون من أقسم ذات يوم في مدينة (سرت) أمام زعيمه الراحل أنه سيدافع عنه حتى آخر قطرة من دمه وبعد ذلك عُثر عليه على بعد خمسة الآف كلم من ميدان المعركة هاربا، ثم مالبث أن وصل موريتانيا و انضم للحزب الذي وصف زعيمه المفدى بالدكتاتور المستبد.
كان الكنتى مكشوفا حينما حاول الربط بين مطالب الحوار وموقف رئيس كفانا الأستاذ المحترم "يعقوب احمد لمرابط" من النظام الحالي والمعارضة السابقة.. ام إن الكنتي لا يرى إلا بعين واحدة...!
وللعلم فقد كان المؤتمر الصحفي الذي نظمته حركة كفانا زوال يوم الثلاثاء الموافق 2021-02-09 مؤتمرا ناجحا في كمه وكيفه ناجحا في تشخيصه متميزا بحضور جميع القنوات الوطنية والمحطات التلفزيونية الدولية، أم أن ذلك لايعني الكنتي في شيء ولايريد منه إلا مايشفي به حقدا قديما يطارده..؟!
لقد صدق قانون الطبيعة عندما قضى بموت الغزال في الجدب، وهلاك الصرصور في المرحاض، والحية تحرق في الغصن اليابس.
كان من الأجدى والأحذق للكنتي أن يتورى خلف جدران مكتبه ولا يرينّ مخلوقا وجهه، فتاريخه وما سطرته أنامله ما زال حبره نابضا لم يجف بعد، وإذا كان يعول على ذاكرة السمكة، فنحن لم ننسى بعد انه هو القائل "نحن جيل رباه الرئيس محمد ولد عبد العزيز" فهل يا ترى ما زال فعلا يعتقد بأبوّة ولد عبد العزيز بعدما كان من أمره ما كان ..؟ أم أن العقوق قد يثنيه عن ذلك ..؟!
وأما حديثه عن دروب لم يعبدها حوار وعن البرصة وأسواق السياسة... فهو تماما مثلما ورد على لسان الداعية الكويتي د محمد العوضي عن قصة تلك الراقصة المصرية المشهورة.
كم كنت أتمنى أن لا يُعيد الكنتي الكرة ثانية في سَنن البيع والشراء، فلم يعد سوق الخيانة وبيع الضمير رائجا كما كان يوم أن ولّى زعيمه (القذافي) الدبر وانضم إلى حلف ولد عبد العزيز. لكن هيهات فكل ميسر لما خلق له