بدون شك، ترشح الرئيس ولد الغزواني رغبة في خدمة الوطن، ولتشييد دعائم جديدة للبناء، ولوضع أسس باقية على الأرض، تراها الأجيال وتذكرها له..
هو نفسه، قال ذلك، ثُمّ إنه لا معنى لغير ذلك، فالرجل في غنى عن تحمل مشاقِ قيادة دولة خاوية الخزائن، ومثقلة بالديون، وقادمة من عشر سنوات من حُكم تاجر ومُقاول.. لماذا نقول عشر سنواتٍ دائماً؟ لماذا ننسى أنه حكمَ قبل ذلك بقرابة العامين؟
بدون شك، ترشح الرئيس ولد الغزواني رغبة في خدمة الوطن، ليسَ إلاّ، فأنا الذي لا أفقهُ كثيراً في أمور الحكم، كنتُ أعلمُ أن المهمة شاقة، فما بالكم برجل من أهل بومديد؟
قال إنّه يعي جسامة التحديات، وأنه قادرٌ على رأبِ الصدع السياسي وقد فعلَ لدى الوهلة الأولى، وأنه سيُشرك الفقير والمغبون في خيرات بلده، وقد فعلَ أيضاً، حسبما ما تيسر طبعاً، ففي الوقت الذي أكتبُ فيه هذه السطور، تجوب بعثات وكالة "تآزر"ولايات الوطن، في ثالث موسم لتقسيم مبالغ مالية على مستحقيها..مئاتُ الآلاف من الأسر تتمتع الآن بمعونات شهرية، رغمَ ضعف اقتصاد الجائحة، وأكثر من ستمائة ألف فقير ومحتاج يستفيدون من تأمين صحي..
أعلمُ أنّ كل هذا غيرُ مهم، فأنا مثلاً، وجميعُ المدونين لم نستفد من أي شيء من ذلك، وانتقادُنا لسياسات الحكومة هو من باب التسلية في أوقات الفراغ، أو من باب "كبر الكرش" في الرئيس، وتخوننا التعابير أحياناً.العبارة تُحسن وتُخشن..
حصلَ غزواني على إجماعٍ من قوى الموالاة والمعارضة غداة ترشُحه للرئاسة، وتعاظم الإجماع بعد فوزه بتطبيع الحياة السياسية، وإنزالِ الساسة منازلهم، وتخليق الخطاب السياسي.. مَحا مفردات أدمَنَها المقاولُ عشرَ سنين، من قبيل:المعاردين المُخربين، المتآمرين، أعداء الوطن.. اليوم لا مُخربَ ولا متآمر ولا عدوّ للوطن كما الأمس.
هذا أيضاً لا يهم لأن قادة السياسة والرأي، والذين نلنا بفضل نضالاتهم حرية الرأي والتعددية الحزبية، نريد نحن المدونين أن ننسف إرثهم ونُتفهه، ونحن أحرارٌ في ذلك، فلا هُم مدونون يجاروننا في سجالاتنا، ولاهم بذيؤون لكي نَهابهم ونُسلمَ بسلامة طرحهم.. وإذا كانوا هم قد فرضوا الديمقراطية وجابهوا القمع في مقدمة المُحتجين في فترة من الفترات، فنحن نعتقد أننا قادرون أيضاً، ولن نُجابِهَ قمعاً ولن تصلنا مُسيلاتُ دموع.. أنا مثلاً يمكنني هنا في بيتي أن أضع "ابراد أتاي" على فرنٍ كربائي راقٍ، وأطلب وجبة من ماكدونالد "دَليفري" وأقود مظاهرات هناك من خلال صفحتي.. سوفَ أحدثُهم عن الجوع والبِؤس.. لا أحسهما طبعاً ولله الحمد. سوف أنصحهم برمي الشرطة بالحجارة.. ستغضب الشرطة، وهي سريعة العضب، ستوقف بعضهم... سوفَ أنشر الصور الي تصلني من المناضلين الصامدين في الميدان.. ربما بعد فترة سوف يكتشفون أنني أبيعهم الوهم، لكن سوف أبحث عن آخرين..
فلتعذرنا فخامة الرئيس، ربما لا تعلم أن زيادة عدد متابعي الصفحات والمعلقين و"الإموجيين" يتطلبُ من كل منا البحث في قواميس البذاءة وعن سيء الألفاظ..أنا مثلاً جلبتُ انتباه الجميع لهذه لهذا النص بكلمة واحدة وردت في العنوان "تَدَيبوساتي" مع أنني عاجزٌ الآن على ربطها بالنص، ولكن إذا فُهمت المقاصد فلا عبرة بالألفاظ.
أينَ المأخذ؟
أنا، مثل كثيرين، ولنا الحق في ذلك، نطرح السؤال يومياً حول حظوة رجال كانوا محركي أغلبيات الرؤساء السابقين، ونتساءلُ عن مبررات تقديمهم لأنفسهم على أنهم الفاعلون الحقيقيون، وعن حديثهم عن تقريب الرئيس لهم، في حال أنهم لا شعبية ذاتية ولا قوة لأي منهم، إلا نتيجة قربه من الحكم؛ أي حكم..
ما نعرفه أن ولد الغزواني، لم يربط ترشحه بأيٍ كان، ولا تربطه أي علاقة تكامل سياسي مع أي من الموالين المخضرمين..وهو من يتحمل كامل المسؤولية عن الخطوط العريضة للوطن والدولة، لا زيد أو عمرو.
أعتقد أنّ هناك من يُزوّر النفوذ باسم الرئيس، ويجبُ أن يوقفَ عند حده إذا حاد عن خدمة المسار، كي لا يكون عبئاً أو عائقاً أو رقة محروقة، ويبدو للأسف الشديد أن رموز الطبقة السياسية أو أكثرهم ليسوا صالحين لمرحلة غزواني.
لا ننتظر من الرئيس مسح الطاولة بالكامل، لكننا ننتظر منه أخذ مسافة من ساسة لم يكن أحدٌ ليذكرهم لولا ادّعاؤهم للقرب منه وهو منهم براء..هم عائق في قاطرة الإصلاح والتعمير والبناء التي ننشدها.. لا خيرَ في كثيرٍ من نجواهم ومن تسريباتهم.
ولد الغزواني الذي نريده أن يكون علامة فارقة في تاريخ موريتانيا، لن يكون كذلك مع هؤلاء..
خَلَقَ اللهُ للحروبِ رجالًا ** ورجالًا لِقَصْعَةٍ من ثَريدِ
لا أفهم هذا البيت الشعري على النحو الذي فهمتموه عليه معشر القراء.. فهمي له أن الشعب يريد الثريد، ولن يحصل عليه مع تلك الطينة من الرجال.. إنهم آفة الثريد.
من صفحة عبدالله أتفغ المخار