يتفق الجميع حتى من غير أهل الاختصاص، أن مخرجات تعليمنا، بلغت درجة غاية في السوء، وهو نفسه ما أبانت عنه معظم الدراسات والإحصائيات الصادرة عن المنظمات والمعاهد ذات الصلة.
وأمام هذا الإجماع غير المسبوق عن واقع تعليمنا المر، فإن الأمر، يستلزم - من بين أمور أخرى - وضع الجميع أمام مسؤولياته، ليضطلع بها كاملة.
ابتداء من المواطن العادي، مرورا بشركاء القطاع من مجتمع مدني ورابطات آباء تلاميذ، وليس انتهاء بأهل الاختصاص.
وإن كانت المسؤوليات في ذلك، تتفاوت حسب القرب أو البعد من مركز ثقل التأثير في المرفق، دون أن نغفل عن دور أي من تلك الحلقات.
لكن، بودي التركيز هنا، وفي هذه المرة تحديدا على أهل الاختصاص، قبل غيرهم والذين تقع عليهم المسؤولية الريادية في تغيير بوصلة واقع تعليمنا إلى الوجهة التي يفترض لها أن تكون.
إن المطلوب منا كمختصين، يختلف عن غيرنا، إذ لايكفي - كما الغير- أن ندعو ثبورا على منظومتنا التربوية، ثم نقف من بعد ذلك، موقف المكتوف الأيدي والمتفرج على المشهد وكأن الموضوع لا يتعلق بنا، لا من قريب ولا من بعيد.
إن مثل هذا الموقف، غير مناسب إطلاقا، بل ويجانبه الصواب، إنه على غرار ما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون )
في حين أن الطرح الواعي والسليم، بعد إبرازنا المآخذ والنواقص، يستلزم منا طرح اقتراحات وبدائل في المقابل.
وفي كل الأحوال، فإن الموقف الأنسب والأسلم لنا كأصحاب اختصاص، حيال هذا الواقع، هو أن نكون فاعلين ومساهمين ومؤثرين، بل ومبادرين لحلحلة واقع تعليمنا، مشاركةََ ومساعدةََ، وذلك بطرح رؤية إصلاحية شاملة من جهة، ومد يد العون والمساعدة، لمن سعى لها سعيها من الغير من جهة أخرى.
إن المسؤولية علينا - معشر المتخصصين - مضاعفة، وهي أكبر وأعظم، وتعني الجميع في النهاية، إذ هي تدخل في حيز الفرض العيني قبل الكفائي، وهي - لعمري - مسؤولية جسيمة، لن يكتب لها النجاح إلا بتضافر جهود الجميع، ومشاركته مشاركة فعالة.
وقد كان من اللازم أن نسمع - ولو لمرة واحدة - مبادرة تربوية في هذا الاتجاه، على غرار ما صدع رؤوسنا من مبادرات سياسية، أيام الأعراس الانتخابية، لكن شيئا من ذلك لم يحدث.
ولعل مرد ذلك، اختلاف النهجين، فالثانية أخذ ورياء والأولى عطاء وقناعة (وقليل ما هم)
لشتان ما بين اليزيدين الندى
يــزيــد ســليم والأغــر ابن حاتم
فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله.
وهم الفتى القيسي جمع الدراهم.
لقد شكل مثل هذا التوجه و هذا الطرح، الإطار العام الذي من رحمه ولدت مبادرة تربوية، سميت حينها بكتلة مناصري الإصلاح، والتي انبثق عنها لاحقا كيان جديد، دعُي: "المرصد الوريتاني لترقية التعليم".
إننا - في المرصد الجديد - مدركون أن أهل القطاع، لن يكتب لجهودهم النجاح ، مالم يفهموا أنهم "قدوات"
قــدوة في إعطاء الحلول،
قــدوة في التــضـحــية،
قــدوة في طرح وعرض الرؤى، انطلاقا من خبراتهم وتخصصاتهم وتراكم تجاربهم، والتي يرون في الأخذ بها، حلا للكثير من القضايا العالقة لقطاعنا.
قــدوة في تصرفاتهم، مؤمنون بما يقدمون من طرح.
وباختصار إنها أفعال تصدق كل ذلك قبل الأقوال.
إن الأمر إلذي نخافه، وهو الأخطر على هذا المرفق المسمى بالتعليم، هو أن تصبح نخبه جزءا من المشكل بدل أن تكون جزءا من الحل.
ليكون موقف كموقف "الحياد" الذي أشرنا إليه سابقا، موقفا متقدما على مثل هذا الموقف.
ولعل ما كنا نخافه ونخشاه، صار واقعا معيشا، تداعياته في تفاقم يوما بعد يوم، وينذر - للأسف - بمستقبل مظلم لهذا القطاع، إن لم تتداركه العناية الألهية، وتضحيات نخبه.