نداء للمأدلجين.. تعالوا إلى كلمة سواء / أحمد محمود ولد العتيق

اثنين, 18/01/2021 - 08:41

أذكر  وأنا طفل أنه في بداية الثمانينيات من القرن الماضي انشغل الشباب الموريتاني  بحراك تباري استغرقهم حد الإنصهار في جدل بيزنطي لا يقدم ولا يؤخر .
تركوا فصول الدراسة و اتخذوا من ساحات الاعداديات والثانويات ميادين للمعارك. فإن استعصى الإقناع بالحجة والتي غالبا ما تكون ضحلة وغير مفهومة . يسخن الصراع ليتحول إلى حرب بالأيدي والحجارة وما تيسر من عصي وسكاكين.
كنا نردد عبارات لجمال عبد الناصر وسيد قطب وميشيل عفلق  وماركس وإنجلز ... معظمنا لا يفهم ما يردد ولكنه مسكون بعشق المعسكر الذي اختاره لنفسه.

أذكر يوم كنت طالبا في السنة الأولى إعدادية في كيفة ...كان ذلك سنة 1981 كنت طفلا بمعنى الكلمة .  كانت الساعة التاسعة صباحا يوم السبت . مدرستنا المصرية " فوزية أمين "  تشرح لنا درسا عن "النباتات اللازهرية " وفجأة كاد سقف الفصل المبني من " الزنك" يسقط فوق رؤوسنا .فرقعة الحجارة وهي تصطدم بالسقف ارتبطت عند مدرستنا بقصف الطيران .  في ذلك الأسبوع بالضبط ودعنا فرسانا اعدموا بعد محاولة انقلاب 16 مارس المعروف.
صرخت المدرسة  والرعب يتملكها" أيه ده . اختبؤوا تحت الطاولات . ممكن ده قصف طيران". 
أحد زملائنا صرخ قائلا " نعم يا أستاذة  ده قصف أجنبي.  تعالي اوصلك الإدارة"  كان صاحبنا " امهرمص" بمعنى الكلمة 
حمل المدرسة و ادخلها إلى الإدارة. 
 خرجنا من الفصول وتبين لنا أن مجموعة من زملائنا ذوي الإنتماء الماركسي يقصفون الإعدادية بالحجارة  . يريدون إخراج بقية التلاميذ من الفصول للتضامن معهم في شأن طلابي محض.

كان العدد قليلا ومعظم الطلاب لا زالوا في عطلة نهاية الأسبوع خارج مدينة كيفة.  تدبر الزملاء من الإخوان المسلمين أمرهم و انسحبوا خارج ساحة المدرسة  كلها . ولم يبق إلا القوميون وحدهم ." ناصريون وبعثيون "  واحتدمت المعركة .التي اقتصرت على  التراشق بالحجارة .وفجأة تدخلت الشرطة يقودها ضابط يدعى السالك . مسيلات دموع في كل مكان والأهالي كل يبحث عن ولده أو بنته . مشهد لا أنساه أبدا . إحدى الطالبات تنزف من  جهة الكتف بعد أن  انفجرت القنبلة على كتفها مباشرة.. كانت تنزف بغزارة. لا إسعاف ولا طبيب.
انتهت المعركة  لا غالب ولا مغلوب  تعادل الفريقان ولكن المدرسة وحدها كانت مغلوبة وحزينة . إعدادية  يتيمة في مدينة كيفة تغلق أبوابها بسبب الصراع على أفكار ماركس و ناصر وميشيل عفلق... الآن وبعد أن نضجت أفكاري تأكدت من أن الجميع كان على باطل ...
تمكن الإخوان المسلمون من مفاصل نظام هيداله و حولوا البلد إلى نظام بوليسي يراقب المواطنين في الخلايا والأحياء عبر نظام هياكل تهذيب الجماهير.
لم تكد سنة 1982  تبدأ حتى  بدأ النظام صراعه مع الناصريين سجنهم ونكل بهم وعاشت الدولة نتيجة لذلك توترا شديدا في علاقاتها الإقليمية ودخل نظام هيداله في أزمة كبيرة انتهت بالإنقلاب عليه سنة 1984.

 في تلك الفترة كنا نفكر بعقول أكبر منا .كنا نعمل بجهد فوق طاقتنا . نعمل ليلا ونهارا  ومن أجل ماذا ؟ ربما لم يكن أكثر من تمادينا في تأكيد  ذواتنا .
  ارتمى الناصريون في أحضان نظام معاوية وبدأوا يبطشون بخصومهم من التيارات الأخرى.  
إذ "كلما جاءت  أمة لعنت اختها"  تعرض البعثيون لبطش النظام وزلزلوا زلزالا شديدا فقد سرحوا من الجيش ومن قطاعات أخرى عديدة . مما تسبب في معانات الكثير من الأسر والعائلات  ربما لا تزال قائمة إلى اليوم .

 يحدث كل هذا و موريتانيا تراوح مكانها لا نمو ولا استقرار وإنما عبثية لا اول لها ولا آخر . فرقت الناس   اربكت المشهد ولم تعد على المقاتلين من أجلها بخير  إلى يوم الناس هذا .

 وغير بعيد من هذا  دخلت موريتانيا في عنق الزجاجة إثر محاولة الإنقلاب الفاشلة التي قادها ضباط من حركة " افلام "  ولدت فيما بعد صراعات عنصرية  بالكاد تم حلها في  السنوات الماضية . 

ومنذ أن حطم الألمان جدار برلين وانتهت الحرب الباردة  ألف "  فوكوياما" كتابه " نهاية التاريخ"  معلنا أن الصراع إلذي كان يعطي الزمن معنى قد انتهى وبفوز النظام الرأسمالي يكون التاريخ قد انتهى . تماما كما أعلن هيجل من قبله بأن " الروح كان يمتطي حصانه في بيلاروسيا  مكنيا عن  نابليون" كان ذلك إعلانا آخر عن موت التاريخ . الذي لم تفلح محاولة ماركس إحياءه عبر صراع الطبقات.

هنا يتبادر سؤال كبير ؛ أين نحن كعرب  وأفارقة من كل هذا ؟ 
وما الذي يهمنا في موت التاريخ عند الغرب . فالتاريخ عندنا يموت  بالنفخة الأولى في الصور . لذا يرد هذا السؤال منطقيا 
ما الذي اضفناه إلى  التاريخ يا ترى ؟ الجواب :  كنا مجرد قطع شطرنج يلعب بها الكبار .حتى معلمونا الذين تعاملوا مع الحكومات المختلفة محليا وعربيا وإفريقيا إنما كانوا يخدمون أنفسهم ودوائرهم الضيقة. لقد تناسونا في  أوج  انشغالهم  بالنعم التي  باعونا من أجلها.

أما هنا في موريتانيا فإنني أجزم بأن هذه الأيديولوجيات لم تقدم لنا إلا  التخلف والصراعات العدمية وألهتنا عن رسالتنا الكبرى المتمثلة في الإنشغال ببناء وطننا وتنميته والتمكين للوحدة الوطنية واستقرار الوطن.

 أيها المأدلجون تعالوا إلى كلمة سواء أن لا نتبنى إلا ما قال الله ورسوله وأن نعمل معا من أجل موريتانيا موحدة في دولة مواطنة تسع كل أبنائها و  تنفث كير الصراع والعدمية إلى الأبد .
 موريتانيا بكل ألوانها لا فضل فيها لابيض على اسود إلا بالعمل الصالح. خاصة واننا حظينا بقيادة تهتم بفقرائنا وتنشغل بترميم ما تهتك من بناء وطننا . وليس ينقصها إلا نخب واعية بحجم الإكراهات وخطورة المرحلة دوليا أحرى محليا . لتكن كل أفكارنا منصبة في وعاء واحد . موريتانيا أولا.

تصفح أيضا...