اتّفق الفقهاء -رحمهم الله - على جواز ترك الجمعة للعذر, كخوف ضرر على النّفس, أو المال, أو العرض, أو مرض يشق معه الذّهاب. لحديث ابن عباس رضي الله عنهما [أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل حي على الصّلاة، قل: «صلوا في بيوتكم»، فكأن النّاس استنكروا، قال: فعله من هو خير منّي، إنّ الجمعة عزمة, وإنّي كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطّين والدّحض ].
قال الإمام النّووي - رحمه الله- «هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار».
وعلى هذا فإنّه يجوز التّرخص بترك الجُمَع والجماعات في المساجد والمصليات عند انتشار الأوبئة, والأمراض المعدية, كمرض فيروس كورنا, لأنّ خطره والخوف من الإصابة به أشد. والله تعالى أعلم
ولكن لا بدّ من التّنبيه إلى أمرين مهمين:
الأول: أنّ الضّرورة تقدر بقدرها. فإذا أمكن أن يلتزم المصلون أو يُلزموا بجميع الاحترازات الصّحية التي أوصت بها الجهات المختصة, كالتّباعد في الصّفوف, وبين الصّفوف, وارتداء الكمامات, وتعقيم المساجد ونزع أفرشتها, وإحضار كلّ مصلّ سجادته الخاصة؛ وذلك خوفًا من انتشار الأوبئة, والأمراض المعدية, فلا حاجة إلى القول بتعليق الجُمَع والجماعات؛ لأنّ الضرورة تقدر بقدرها, وإذا وجبت مخالفة أصل أو قاعدة وجب تقليل المخالفة ما أمكن. فالطبيب ينظر من العورة بقدر الحاجة فقط, ولا يجوز له أن يتعدّ موضع العلّة.
الثّاني: أنّ تقدير الضّرر ونسبة وقوعه يرجع فيه إلى أهل الاختصاص والجهات المعنية والهيئات الصّحية الأمناء؛ وذلك لأنّ الأحكام الشّرعية لا تُبنى إلا على علمٍ أو ظنٍّ ناشئ عن دليل؛ لقوله تعالى [وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ]
قال القرافي -رحمه الله- « الأصل ألا تُبنى الأحكامُ إلا على العلم؛ لقوله تعالى [وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ] لكنْ دعتِ الضّرورةُ للعمل بالظّن؛ لتعذُّر العلم في أكثر الصُّوَر فتثبتُ عليه الأحكامُ؛ لنُدرة خطئه, وغلبة إصابته»
د. سيدي محمد سيسى.
موريتانيا/ نواكشوط.