1. بعد 60 عامًا من استقلال البلاد، في أي وضعية توجد إدارتنا الإقليمية؟
بادئ ذي بدء، اسمحوا لي أن أشكركم على منحي هذه الفرصة لتهنئة الشعب الموريتاني بمناسبة الذكرى الستين لاستقلالنا الوطني.
وللرجوع إلى سؤالكم، سأقول إن الإدارة الإقليمية لها إمكانات كبيرة لكنها إلى حد كبير، لا تقوم بما نود أن تقوم به. يمكننا ويجب علينا أن نقوم بما هو أفضل فيما يتعلق بالقضايا والتطلعات المشروعة للمواطنين. وقد مكّنت الإصلاحات المتتالية من الاحتفاظ بمصفوفتها وشكلها الخارجي، دون ملامسة المشكلات الأساسية.
لكنّ النمط الجديد للحكم الذي بدأه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، يعني في رأيي، إجراء إصلاح شامل للإدارة. لماذا ؟ لأنه كما حددنا في إستراتيجيتنا، التي تحولت إلى خطة عمل لخمس سنوات، فإن الإدارة الإقليمية تمثل إطار العمل وتمثل أداة العمل العام، وعاملا أساسيًا في تعزيز سيادة القانون.
وبهذا المعنى، أعتقد أن السلطات العامة الحالية تجعل إعادة بنائها على أساس منطقي وصارم من أولوياتها.
إن الحديث عن دولة القانون الجامعة يعني، أولاً وقبل كل شيء، إدارة حديثة غير مركّزة ولا مركزية وقادرة على الاستجابة للعديد من التحديات التي يطرحها مشروع التحول لبلدنا بقيادة رئيس الجمهورية.
تهدف الإصلاحات والتدابير التي بدأت منذ أكثر من عام إلى تزويد بلدنا بإدارة إقليمية قادرة على أداء مهامها السيادية من خلال إعادة سلطة وهيبة الدولة وتأمين المواطنين وممتلكاتهم. وتنسيق السياسات العامة على مستوى الجهات، ودعم ومواكبة اللامركزية، والإشراف على الكيانات اللامركزية، وضمان خدمة عامة جيدة قريبة من المواطنين. لقد بدأنا العمل بنجاح على هذه الحزمة بأكملها. ومع ذلك ينبغي أن لا ننخدع؛ فإعادة بناء إدارتنا، تحتاج إلى عمل مستدام متعدد السنوات ومتعدد الأوجه وملموس من خلال النتائج والتدابير المنسقة والمتقاربة. ستكون الرؤية المتماسكة وخطة العمل الاستراتيجية ونظام المتابعة الشامل جزءًا من هذه العملية الجامعة. والغرض من هذه العملية برمتها هو ضمان انسجام السلطة العامة على المدى الطويل من خلال إدارة إقليمية كفأة وحديثة حريصة على المصلحة العامة.
2. أعاد رئيس الجمهورية للتو تأكيد اختيار اللامركزية كمحرك للتنمية المحلية، قطاعكم هو المسؤول عن هذا الملف، هل يمكنكم تقييم الوضع وتأثير هذه المقاربة؟
أكد رئيس الجمهورية مرارًا وتكرارًا على اختيار اللامركزية كوسيلة أساسية لتعزيز التنمية المحلية وتمكين المواطنين من الوصول إلى الخدمات العامة الأساسية. أدى هذا الاختيار إلى تبني الحكومة لاستراتيجية وطنية لللامركزية والتنمية المحلية تتلخص حول رؤية تهدف إلى ضمان الأداء الأمثل والاستقلال الذاتي للمجموعات اللامركزية، من خلال تجهيزها لدعم التنمية المحلية. وهي مقسمة إلى مجالين رئيسيين:
- تعزيز الإطار المؤسسي والقانوني لللامركزية والتنمية المحلية (DDL) من خلال إنشاء المجلس الوطني لللامركزية والتنمية المحلية (CNDDL) واعتماد قانون المجموعات الترابية وخطة رئيسية لنقل المهارات إلى الهياكل اللامركزية.
- تعزيز الحكم الذاتي المحلي، والتعاون بين المجموعات المحلية وإشراك البلديات والجهات في تنفيذ السياسات العامة من خلال إعادة تعريف الوظيفة الإشرافية لجعلها متوافقة مع وظيفة الدعم وتقديم المشورة بشأن التنمية التي يجب على الدولة توفيرها، وتطوير العلاقات بين المجتمعات المحلية واتفاقات تجمعات المجموعات الترابية وإشراك السلطات المحلية في تنفيذ استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك على المستوى المحلي.
من الواضح أن تنفيذ هذين التوجهين الرئيسيين يتطلب تغيير النماذج، لاسيما فيما يتعلق بالحكامة الترابية وتطوير القدرات التشغيلية للمجتمعات المحلية والإدارة العمومية. وفي هذا الصدد، نخطط لتطوير قدرات المجموعات الترابية من خلال إنشاء مركز تدريب وطني لموظفي المجموعات المحلية (الجهات والبلديات)، وتعزيز التأطير الفني المحلي للمجموعات الترابية وتقوية وسائل عملهم وتعزيز الديمقراطية التشاركية القائمة على الحكم الرشيد والشفافية والإطار التشاركي ورفع مستوى مهارات السلطات المحلية من خلال التحويل المالي وإدارة المشاريع والتدريب وتعبئة الموارد المحلية.
3. عرفت موريتانيا مؤخرا استحداث مجالس جهوية منتخبة. ما الذي أضافته من تحسينات؟ ألا يوجد تداخل بين صلاحياتها وصلاحيات البلديات؟
هذا سؤال يتكرّر طرحه، من منطلق الحاجة المشروعة إلى ترشيد وسائل الدولة من خلال تجنب التكرار وتداخل السلطات بين الهيئات العامة. وهي مشكلة غير مطروحة هنا. إذ تتمتع كل من البلديات والمجالس الجهوية بالصلاحيات التي تنازلت لها الدولة عنها وفقا للإجراءات التي تحددها النصوص المنظمة. ويمكنني أن أؤكد لكم أنه لا يوجد كيانان ترابيان لهما نفس الاختصاصات. ما يجب التأكيد عليه هو أن الكيانات التي تشترك في نفس المجال الترابي يجب أن تحافظ بالضرورة على العلاقات التي هي علاقات هرمية وقبل كل شيء علاقات تعاون.
الغرض الأساسي لجميع هذه الكيانات هو تقديم الخدمات العامة المحلية، على أساس الاختصاصات التي تحددها الدولة. وتستند ممارسة هذه الصلاحيات إلى عمليات نقل صلاحيات محددة حسب القطاع.
وفي هذا السياق، فإن المجالس الجهوية الفاعلة تشكل أحد الأساسات للقيام بأنشطة التنمية الاقتصادية المحلية وتنفيذها والمشاركة في تعزيز التنمية الحضرية.
عند طرح هذا السؤال، غالبًا ما ننسى أن المجالس الجهوية قد تم انتخابها في نهاية عام 2018 أي منذ وقت يسير، وتميز عام 2020 بكامله بجائحة كورونا . ومن المهم الآن مواكبتها لبدء عملها. ودعم الأجهزة التنفيذية الجهوية الجديدة في القيام بمهامها. وهذا ما اطلعنا به منذ اليوم الأول.
4. يشكو سكان نواكشوط من تصاعد الجريمة في جميع أحياء المدينة ويشيرون إلى بعض التراخي في هذا الموضوع. ماذا تقول لهم؟
سأقول لهم إنني أتفهم تطلعاتهم المشروعة لمزيد من السكينة. ومع ذلك فهم مخطئون بشأن ما يسمونه تصاعد الجريمة. في سبتمبر 2019 قررت السلطات العموية بتوجيهات من فخامة رئيس الجمهورية وقف دوامة العنف والانحراف لاسيما في المناطق الحضرية. لقد تصرفنا في أوقات مختلفة. على المدى القصير للغاية تم تنفيذ مجموعة من التدابير لاستعادة إنفاذ القانون ضد الجانحين والمجرمين من خلال مهاجمة أوكارهم. بعد ذلك قمنا بتصميم مخطط جديد لضمان تنسيق أفضل بين مختلف الهيئات المعنية. وقد منحتنا هذه المجموعة من الإجراءات الوقت لبناء استراتيجية لمكافحة الجريمة والانحراف بطريقة مبتكرة. وهذه هي النتائج.
منذ أكثر من ثمانية أشهر، لوحظ انخفاض كبير في الجنح والجرائم، لاسيما الاغتصاب والقتل والابتزاز. هذا الانخفاض كبير من حيث الأرقام 20 إلى 30 بالمائة وتصل أحيانًا إلى 55 و 62 بالمائة حسب الحالة. وقد تعزّز هذا التراجع حتى أصبح مستداما. هناك أيضا فعالية عمل قواتنا الأمنية. وهكذا تحسّن الأداء بشكل ملحوظ على مستوى الوقاية من الجرائم من خلال البحث والتوقيف واعتقال مرتكبي الجرائم وكانت النتائج دائما على مستوى التوقعات. وبهذا المعنى تم توضيح جميع القضايا الجنائية والجنح الكبرى، فلم يتم تسجيل أي عمل إجرامي ضد مجهول. أعتقد أننا فخورون بالحصيلة التي حققناها في مثل هذا الوقت القصير.
لجعل هذه النتائج مستدامة وضمان أمن وسكينة المواطنين فإننا ننفذ استراتيجية متدرجة للارتقاء ببلدنا إلى المعايير الدولية لمعدل وكلاء الأمن لكل فرد (نحن بعيدون جدا اليوم من هذا المعدل) والاستفادة من الإمكانات الهائلة التي توفرها التقنيات الجديدة.
في هذا السياق، وبتوجيهات ودعم من فخامة رئيس الجمهورية أنشأنا (المركز العملياتي لأمن نواكشوط) والذي سيكون علامة بارزة. تم تصميم النظام بحيث يكون قابلاً للتوسيع ليشمل جميع عواصم ولاياتنا. الهدف الاستراتيجي هو خلق نوع من التضافر قادر على ضمان التنسيق الجيد بين جميع الهيئات المعنية بالأمن مع احترام قيادتها وطريقة عملها. وتستند الفلسفة العامة لـلمركز على أربعة روافع في شكل مراحل. الأول هو جمع المعلومات ذات الصلة واكتشاف الحوادث ومركزة البيانات الجغرافية المحلية. والثاني هو تحليل البيانات من خلال محركات البحث لتوليد التنبيهات اللازمة المتعلقة بالأشخاص والمركبات وكذلك الكشف عن المواقف غير الطبيعية على أساس الارتباط بين عدة مصادر للبيانات. الخطوة الثالثة هي اتخاذ القرار بناءً على استخبارات ومعلومات سريعة. أخيرًا يتمثل الإجراء في الخطوة الرابعة. في الواقع بفضل اتصال البيانات في الوقت الفعلي، مع وجود أطقم من القوات في الميدان لديها أجهزة ذكية بحيث يكون النشر سريعًا وفعالًا.
في الواقع، تشكّل السيطرة على المعلومات مضاعفا للقوة، وعاملا لتحسين عمل الهيئات المعنية وأداة للردع. إنها أيضًا عنصر هيكلي في حصيلتنا. لأنه من المستبعد التفكير في ضمان أمن الأشخاص والبضائع بدون تنسيق محترم للهويات القوية لأسلاكنا والاستخدام الذكي والمشترك للتقنيات والعلوم. لهذا نتحدث الآن عن الأمن الشامل والمتكامل بما في ذلك الأمن المدني وإدارة الكوارث.
سيشعر مواطنونا، شهرًا بعد شهر، بتحسن مستمر في الظروف الأمنية. بالطبع، ستكون الإصلاحات الهيكلية ضرورية لبناء هذا البرنامج الأمني القوي.
5. يعتبر عدد الأجانب في موريتانيا كبيرا جدا. ومعظمهم في وضع غير قانوني؛ ما الخطوات التي يتخذها قطاعكم لحل هذا الأمر؟
إن الأعمال الإرهابية التي ضربت منطقة الساحل بأكملها، والفقر المنتشر، والبطالة المستوطنة وانعدام الآفاق المستقبلية التي تميز بلدانهم الأصلية، دفعت الآلاف من شباب غرب إفريقيا إلى تجربة طريق المنفى.
يشكل الموقع الجغرافي لموريتانيا، ومناخ الأمن والاستقرار السائد فيها، وفرصة ممارسة المهن عوامل جذب للمرشحين للهجرة النظامية وغير النظامية أيضًا.
الأجانب في موريتانيا هم أساسًا من غرب إفريقيا، ولاسيما السنغال ومالي وغامبيا وغينيا وساحل العاج وبأعداد أقل من نيجيريا وسيراليون.
يمكن تفسير الوجود الهائل للأخوة السنغاليين والماليين جزئيًا بقرب البلدين، ولكن أيضًا من خلال الاتفاقيات المتعلقة بحرية تنقل الأشخاص والبضائع التي تربط موريتانيا بالبلدين.
يقدر عددهم بحوالي 90.000 في نواكشوط وما يزيد قليلاً عن 20.000 في نواذيبو. وهم لا يميلون غالبا للإقامة في المناطق الداخلية.
ويمكن تفسير تركزهم في هاتين المدينتين من خلال فرص العمل التي توفرانها للمهاجرين المقيمين وإمكانيات مواصلة رحلة المهاجرين العابرين.
هم في كثير من الأحيان في وضع غير قانوني فيما يتعلق بالتشريع الخاص بإقامة الأجانب في موريتانيا. وفقًا للإحصاءات المتاحة هناك 16 بالمائة فقط في وضع عادي. ويفسر ذلك صعوبة الحصول على تصريح إقامة. وتخضع البقية لإجراءات إدارية صارمة يحاولون الابتعاد عنها في كثير من الأحيان.
وقد ضاعف وباء كورونا هذا الوضع لأنه وضع حدا لمراقبة الأجانب حيث لم يعد هناك أي احتمال لترحيل المخالفين إلى الحدود لأنها مغلقة.
6. فيما يتعلق بملف الهجرة كيف تتعاملون مع تصاعد التدفقات إلى أوروبا؟
بعد فترة هدوء على الطريق الأطلسي للهجرة إلى أوروبا لوحظ تصاعد في محاولات الوصول إلى جزر الكناري عبر ساحل غرب إفريقيا.
ويعود تجدد هذا النشاط على هذه السواحل إلى إغلاق الطريق الليبي بسبب الحرب في هذا البلد وتعزيز المراقبة في البحر الأبيض المتوسط.
خلال العام الحالي جعلت الجهود المبذولة من الممكن القضاء أو إفشال عدد كبير من المحاولات لعبور المهاجرين غير الشرعيين من شواطئنا.
بالإضافة إلى هذا الإجراء الوقائي تم تفكيك ما يقرب من ثلاثين شبكة هجرة غير شرعية. وتم اعتقال عشرات المهربين وتقديمهم للنيابة.
حتى الآن تمت إعادة أقل من أربعة آلاف مهاجر غير شرعي من دول غرب إفريقيا إلى الحدود أو أعيدوا إلى بلدانهم الأصلية. سوف نظل صارمين في مثل هذه القضايا التي تضع أمننا والتزاماتنا الدولية على المحك.