أهمّ ما سيكسبه تواصل بتنحية جميل عن قيادته انطلاقا من النظام الداخلي للحزب هو قدرة اقلاع المؤسسة بعيدا عن تأثير الشخص المحوري أو القائد الملهم، وهذا ما نحتاجه في موريتانيا ـ بل في العالم العربي ـ فكل الأحزاب تقريبا ترتبط بشخص واحد إن غاب فجأة يمكن الجزم بتفكك الحزب، وهذا التحول سيكون بداية مسار حقيقي حزبي سيتشرف التواصليون بتكريسه.
وبخصوص تأثير غياب شخصية مثل الرئيس جميل ثقافة وفكرا وخطابة وجاذبية لا شك سيكون له تأثير كبير خاصة في المجالات النخبوية، لكن هل المجالات النخبوية هي العامل الأهم في العمل الحزبي؟ وهل رضى النخبة عن خطابة جميل وفكره وأدائه السياسي والإعلامي جعها راضية عن تياره أو حزبه؟ أظن أن الجواب لا، فهذه النخبة إما أيديولوجية فهي في صراع أبدي مع جميل وحزبه، أو غير مؤدلجة فهي في تنافس أو ندية، وليس المجال مجال إعجاب أو تبعية.
كما أظن أنه من داخل فضاء "الحركات الاسلامية" الذي ينتمي إليه تواصل هناك تجارب أوضحت أن القائد النخبوي قد لا يكون أفضل سياسيا أو جماهيريا للحزب من غيره، وعندكم ثنائية "العثماني ـ بن كبيران" في المغرب فالأول مفكر كبير وباحث والثاني قائد شعبي جماهيري فقط، ويمكن أيضا مقارنة الثنائي "آردوغان ـ أوغلو" في تركيا فالأخير مفكر استيراتيجي عملاق والأول خطيب شعبي حماسي فقط، فالجماهير قد تنجذب للقائد الشعبي ـ أو الشعبوي ـ أكثر من المفكر النخبوي الخطيب، ومعايير الجماهير ليست بالضرورة هي معايير النخبة. وقد يكون تواصل يعاني بعض الانحسار بسبب نخبوية رئيسه، علاوة على بعض المعايير الأخرى التي لا يسع المقام لبسطها الآن.
لا شك أن خلفاء جميل سيكون عليهم عبء ليس بالخفيف خاصة في مجال الأداء الاعلامي والفكري والخطابي الخ، لكنهم قد يشكلون تمددا للحزب في أوساط اجتماعية وجغرافية جديدة بناء على الاختيار الذي سيقع. فاستناد تواصل إلى خلفية دينية قد يجعل تمدده أسهل مع من يكرس لهم المجتمع وصاية أو شبه وصاية على الدين، حتى وإن كانوا لا يستحقونها، فمعايير المجتمع لا يمكن القفز عليها 100% في العمل السياسي، إنما في العمل الثوري أو الفكري أو ما شابه ذلك.
وعموما لا يمكن إلا أن أشيد بتواصل حيث تفصلنا بضع أشهر عن تجديد قيادته ولا أحد يعرف من هو رئيسه المقبل، وهذه علامة ديموقراطية متقدمة، تفتقدها كل الأحزاب هنا، إذا ما استثنينا حزب الحاكم الذي يتم تعيينه تقريبا من القصر الرئاسي بطريقة اباراشوتية، ولا يمكن التبنؤ بها قبل خروج القرار من هناك، وكل التجارب السابقة تؤكد أن معايير الاختيار لا تنبني على أداء سياسي ميداني بقدر ما تكرس مزاجية الحاكم في التعيين!
تواصل حزب متوسط وليس حزبا كبيرا، فتلك صورة في إعلامه الناجح، ودعايته الجيدة، فمعدل نسبته في الانتخابات العادية تتراوح بين 5 و8% وليست الانتخابات الأخيرة مثالا يعتد به لغياب المنافسين من اللون المعارض، وعليه فإنه من الصعب تراجع تواصل عن هذه النسبة في ظل أي من قادته الحاليين المرشحين لخلافة منصور، بل أغلب الظن أن الشعبية ستزداد انطلاقا من الأبعاد الاجتماعية والجهوية للقائد الجديد، لكن سينقص الألق الإعلامي تبعا لكفاءة الرئيس الجديد، والحاصل أنه لا يوجد من يعوض جميل من هذه الزاوية، لكن قد يزيد عليه من زوايا أخرى.
وفي ظل كل ذلك، ستبقى المؤسسة أهم من الأشخاص مهما كانوا، وهذه أهم درس يقدمها "التواصليون" للبلد، لقد أصبح جمود المؤسسات الحزبية عائقا ضد التغيير، وضد حماس الشباب للعمل الحزبي، وضد إعطاء نموذج مقنع للجماهير عن ديموقراطية هذه الأحزاب وقدرتها على التغيير والتناوب الذي تدعو له.
*بمناسبة حملة انتساب "تواصل" أعدت نشر هذه التدوينة التي نشرتها بتاريخ 22/02/2017.