لقد تقرر في براهين المنطق أن العمل المعدوم هو الذي تتنازعه إرادتان..
كما تقرر في قواعد علوم الإدارة أن العمل الفاشل هو الذي تتنازعه إدارتان..
من هذه القاعدة وهذا البرهان تتضح ملامح الأزمة المزمنة التي يعيشها التعليم العالي والبحوث الإسلامية في البلد؛ حيث وزارة الشؤون الإسلامية نشاز من بين الوزارات في إدارة وإرادة التعليم العالي وقطعه من قطاعه وتولي ميزانياته وتسييره ..
ماذا لو كانت جامعة انواكشوط تابعة لوزارة التعليم الثانوي مع وجود وزارة التعليم العالي؟
ماذا لو كان المعهد العالي للمحاسبة تابعا لوزارة المالية مع وجود وزارة التعليم العالي؟
ماذا لو كان المعهد العالي للزراعة تابعا لوزارة الزراعة مع وزارة التعليم العالي؟
ماذا لو كان قطاع الأئمة والمحاظر تابعا لوزارة الاقتصاد أو الخارجية؟
ألا يكون هذا عند كل منصف متصف ببعض النظر اختلالا واحتلالا، لا يفرز غير الإرباك والإنهاك، وهذا الإرباك والإنهاك هو العنوان العريض للتعليم العالي الشرعي للأسف..
لقد أدى هذا الإرباك والإنهاك إلى إغراق مؤسسات التعليم الشرعي بقليلي الكفاءة بل عديمي الكفاءة في هيئات التدريس والوظائف الإدارية على نحو يثير مشاعر الشفقة والغضب في آن واحد..
إن استفراد وزارة الشؤون الإسلامية يعكس مستوى من قوننة الفساد، فيجب أن تتم توحيد جهة التعليم العالي وتترك وزارة الشؤون الإسلامية للمعاهد الثانوية والإعدادية والمحاظر ومعاهد الأئمة والمعاهد الأهلية على غرار ما هو قائم في وزارة التهذيب الوطني..
غير ذلك يحط من القيمة العلمية الأكاديمية لهذه المؤسسات..
إن العمل على تحويل وصاية مؤسسات التعليم العالي الأكاديمي الشرعي إلى قطاعها في التعليم العالي بشكل رسمي عمل وطني ومؤسسي لا يقبل اعتراضا قانونيا ولا مؤسسيا؛ لتكون مع باقي مؤسسات التعليم العالي..
إن وجود إدارة غير أكاديمية تستفرد بالتعليم العالي هو خلل مؤسسي، يبقى حجر عثرة وعقبة كأداء أمام تطور التعليم العالي الأكاديمي في موريتانيا على العموم، رغم وجود الكفاءات المعطلة، وعقبة أكأد أمام تطور التعليم العالي الشرعي الأكاديمي على وجه الخصوص..
إن اعتبار التخصص المؤسسي والاختصاص الوظيفي لهو ضرورة إدارية وحقيقة منطقية قبل أن تكون مرسوما قانونيا أو مدونة قانونية..
لقد بقي التعليم العالي الشرعي متنازعا لاعتبارات غير قانونية ولا إدارية ولا مؤسسية، تتولاه وزارة الشؤون الإسلامية رغم ملفاتها الكثيرة الكبيرة المتشعبة: التعليمية كالمحاظر والمعاهد الأهلية والمعاهد الداخلية، والتربوية كالمساجد وبرامج الأئمة والمرشدين والأوقاف وغيرها من الملفات المتجددة التي لا تجد طاقما كفؤا لضبطها والأداء فيها كما ينبغي، والغالب أن مديريها ومسيريها تسلقوا إلى تلك المسؤوليات بطرق غير قانونية ليتم تكلف قوننتها لاحقا، وكذا فعلوا في مؤسسات التعليم العالي الشرعي الأكاديمي ..
لذلك لا يستغرب ما يرد بين الفينة والأخرى من أن جامعات عالمية لا تعترف بشهادات المعهد العالي ولا بالأعمال الأكاديمية المنجزة فيه..
وأم الدواهي أن يستفرد قطاع الشؤون بالتعليم العالي في تناقض صارخ وصراخ هادر للمؤسسية وللقانون وللعمل الجاد المفيد..
إلى متى هذا الخلط والخبط عشواء؟
فالرجاء من السيد الرئيس ومن كل أصحاب القرار العمل على إنهاء هذه الوصاية الازدواجية المريبة المربكة، وذلك بالعمل على انتظام التعليم العالي والبحوث الشرعية ضمن قطاعه في التعليم العالي ككل مؤسسات التعليم العالي بمختلف تخصصاتها.
وعلى الله قصد السبيل.