الازدحام على خزانات المياه في المنازل الخاصة، اللجوء إلى نوافير المياه في الشوارع العامة، ثقب أنابيب خطوط المياه، خروج السيارات من العاصمة ودخولها إليها وهي محملة بصفائح المياه... فضلا عن ضجيج هائل وشكوى من العطش في وسائل التواصل الاجتماعي!
ربما لم يشعر النظام الحالي، منذ تسلمه مقاليد السلطة قبل عام، بحرج أكبر مما شعر به خلال 36 ساعةٍ؛ انقطعت فيها خدمة المياه عن مليون شخص في العاصمة انواكشوط، يمثلون ثلث سكان موريتانيا.
وقد تنفست الحكومة الصعداء عندما تغلبت أخيرا على خلل كهربائي بمحطة "بني ناجي" قرب "كرمسين"، تسبّب في إيقاف ضخ المياه في أنابيب مشروع آفطوط الساحلي، المزود الرئيس للعاصمة بالماء.
الرئيس غزواني نفسه غَرَّدَ معلنا عودة خدمة المياه إلى انواكشوط، وكتب، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، معبرا عن أسفه لانقطاع المياه، شاكرا المواطنين على تفهمهم لأسباب الانقطاع، التي وصفها بأنها "خارجة عن الإرادة".
أما وزير المياه فقد سارع، في اليوم الموالي، إلى الاجتماع بإدارة الشركة الموريتانية للماء SNDE، مخاطبا إياها بحزم: "ما حصل يجب ألا يتكرر.. يجب أن تستفيدوا من الدرس جيدا".
مضيفا: يجب أن تكون شركة المياه "مؤسسة مهنية خدمية، يتميز أفرادها بالأداء المهني والفني، بعيدا عن أي أبعاد أخرى"، مؤكدا على "ضرورة التعاطي مع شكاوي المواطنين بجدية تامة"، مشددا على أن "كل ما يمكن أن يساعد المؤسسة سنوفره".
ولم يستطع مدير شركة الكهرباء (صوملك) تَحَمُّلَ وطأة انتظار إصلاح الخلل، فانتقل إلى محطة بني ناجي، على بعد 200 كيلومتر من العاصمة انواكشوط، ليتابع الأمر بنفسه، قبل أن يبعث صورة تذكارية مع المهندسين والفنيين؛ محاولا بعث الاطمئنان في النفوس.
وقد أرسل في وقت لاحق رسالة تهنئة إلى "وكلاء إدارة التوزيع والنقل، وإدارة الإنتاج، بعد تدخلهم الناجح من أجل الإعادة السريعة للتغذية الكهربائية لمحطة معالجة وضخ المياه ببني ناجي".
وفي عزّ أزمة العطش، وفي محاولة لتفسير الأمر، بينت الحكومة - بشكل غير مباشر - أنها لا تتحمل المسؤولية المباشرة عن المشكلة، مُحمِّلة الأنظمة السابقة - ضمنيا - المسؤولية.
ففي أول تعليق للحكومة على الأمر؛ قال عبد السلام ولد محمد صالح، وزير الطاقة، إن الخلل جاء "نتيجة عدم التخطيط الاستراتيجي في تنفيذ المشاريع الكبرى، وغياب الرؤية الاستراتيجية المبنية على تحليل المخاطر، والغياب شبه الكامل لمعالجة هذه المخاطر والتصدي لها قبل أن تحصل".
مردفا: "إضافة إلى الحل الآني لهذه المشكلة، ستعمل الحكومة على حل جذري للمشكلة... سنعمل على بناء وتزويد محطة بني ناجي بمحطة كهربائية مستقلة".
قبل أن يعود مرة أخرى ليقول إن "غياب تحليل المخاطر والرؤية الاستراتيجية لا يقتصر على هذا القطاع فقط، بل تعاني منه قطاعات أخرى للأسف".
مؤكدا على أنهم سيعملون على "إيجاد خطوط إمداد أخرى بالمياه حتى لا تبقى انواكشوط رهينة لخط آفطوط الساحلي".
على الأرجح لم يكن أحدٌ مستعدا لسماع هذه التبريرات، ولم يكن لديه الوقت لذلك لو أراد، لأن الجميع كان مشغولا بالبحث عن الماء، أو بالتفكير في طرق تحصيله إن اضطر لذلك مستقبلا، ولذلك لم تلقَ صدى كبيرا في وسائل الإعلام.
والمؤكد أن الحكومة لم تحمل نفسها المسؤولية أو جزءا منها على الأقل، فلم تُقِلْ مسؤولا ولم تسائله!
أما الأعجب فإنها حين حمّلت الأنظمة السابقة - ضمنا - هذه المسؤولية لم ترتّب على ذلك شيئا، فلم تفتح تحقيقا في الأمر، يُلْحِقُ الملف بنظائره من ملفات الفساد المفتوحة حاليا، ويشرح للرأي العام كيف لمشروع بهذه الضخامة والأهمية أن لا يستشرف ويتوقع المخاطر المحتملة، ويضع لها حلولا بديلة؟