لا تحملوا المعارضة فوق طاقتها من الاحتمال !!
في كثير من الأحيان ، في نقاشات مع مثقفين وأكاديمين ومواطنين بسطاء، أجدهم يحملون المعارضة بعض المسؤوليات في ما آلت إليه أوضاع البلاد. وعند التدقيق في هذه المسؤوليات ، التي يحسبونها على المعارضة، تكتشف أن هؤلاء الإخوة وقعوا في شرك الدعاية التي تحبكها الأنظمة بعناية ، وتسخر لتمريرها وتلبيسها على الناس كافة وسائل الدولة والقوة العمومية فيها. فتبسطها كحقائق وتنشرها يقينات ، حتى يصبح رفضها ، أو حتى مبدأ نقاشها متعذرا مع هؤلاء الأشخاص. ومن الأمثلة على ذلك مسألة مقاطعة المعارضة للاستحقاقات الانتخابية . والحقيقة أن الأصل ، في الدول الديمقراطية، هو مشاركة جميع القوى والشخصيات السياسية في الاستحقاقات الانتخابية. هذا هو الأصل والمبدأ والطبيعي، وعكسه هو عمل شاذ. ولكن الأعمال الشاذة تتولد من الوضعيات الشاذة !ففي البلدان التي تعيش الديمقراطية كثقافة ، والسلطة فيها نتاج تبادل سلمي لميزان القوة بين القوى السياسية ، كأمر طبيعي كما هو في الغرب، فإن مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية هو أمر لا يمكن تصوره إلا أمرا شاذا، بل معيبا. أما في بلدنا ، وفي معظم قارتنا الإفريقة، التي تعيش شعوبها في ظل أنظمة حكم قمعية تتبنى الديمقراطية مجرد شعار مزيف لتخفيف ضغط بعض الحكمومات واللوبيات الغرببة عنها، فإن هذه " الديمقراطية " تبقى مجرد زي مستعار لخوض لعبة مزيفة على خشبة مسرح منظم من طرف واحد، للمثلين يلعب كل واحد دوره المرسوم له سلفا، ثم يختفي ! والمعارضة ، والحالة هذه، في بلدنا تحامل عليها النظام الحاكم ، ويتعامل معها كعدو، وليس شريكا وطنيا ! فيقدمها للشعب ، في وسائل الإعلام الرسيمية، وفي وسائل الإعلام " المستقلة" التابعة، في معظمها ، لأجهزته المختصة ، على أنها ( المعارضة ) قوى غير وطنية ومنبوذة ! ويجب التعبئة والتنفير منها لخطورتها على وجود البلاد. وقد يعمد النظام الاستبدادي إلى افتعال فتن اجتماعية ويذكي نعرات عرقية لخلق بيئة ترويع وترهيب مضادة لتغيير النظام في هذه المرحلة، مثلا. وقد يصور نفسه الملجأ الوحيد في وجه تلك الاضطرابات التي افتعلتها أجهزته المختتصة في ذلك. وغير ذلك من الأساليب المنافية للديمقراطية، وحتى للأوطان وسلمها وتماسكها. وقد لاحظت أن أغلب المنتقدين على المعارضة في هذا المجال هي نخبتنا ، التي هاجرت عنا بفعل قسوة ظروفنا وشدة المتاعب التي نكابدها في وطننا. ولأنها ( هذه االنخبة ) في معظمها تعيش في الدول الغربية ، حيث الناس يحصلون على حقوقهم وحظوظهم السياسية بيسر ; فلا تزوير للنتائج ، ولا توظيف لوسائل الدولة وقوتها العمومية لإرهاب المواطنين للحيلولة دون الوصول لخياراتهم; ولأن هؤلاء الإخوة يعيشون أيضا في ظروف يسر ، مقارنة بظروف الجحيم الاقتصادي والنفسي التي تعيشها المعارضة في وطنها، فإنه يستعصي عليهم تفهم مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية، لعدم إحساسهم باستحالة المننافسة بين طرف يوظف الدولة، وطرف يفتقر لأبسط مقومات الحياة ( إرفود أهل لخله )، شق ممتلئ جدا، وشق غارغ كليا !!. وتفاعلا مع هذه النخبة في المهجر، مع الصم على أوجه تقصير كبيرة ترتكبها المعارضة، إلا أنه من الإنصاف أخذ هذه الملاحظات بعين الاعتبار، عند نقد أداء المعارضة :
1 - أن المعارضة الموريتانية ليست شيئا جامدا منذ الدخول في التعدد والانفتاح السياسي; بل هي فصول تعاد كتابتها في كل مرة في إطار مسلسل تكيفها مع واقع سياسي جوهره الاستبداد ، وإن تتغيرت رموزه في الصف الأول منه !
2- أن المعارضة الموريتانيةالتقليدية لم تستلم السلطة حتى نحكم على أدائها وسلوك قياداتها ، فنختبر تسيرها للبلد، ونجاعة برامجها. والمعارضة التقليدية تعني القوى التي تبنت المعارضة في ظل نظام الرئيس السابق، معاويه ولد الطايع. 3_ أن المعارضة الموريتانية لا تواجه قوة سياسية مدنية مهيمنة، حتى بالتزوير، بل تواجه كبار ضباط الجيش الوطني تحكموا بالملف السياسي ، ويصرون على المسك به ، حتى ولو اقتضى ذلك منهم التضحية برأس النظام وقمة هرمه،. في مقابل إعادة انتاج ذات النظام، بذات الأدوات وذات العقليات العسكرية، وفي النهاية ذات المردود !
4_ أن الأنظمة الاستبدادية جميعا لا توجه وسائل الدولة ومواردها ومصادرها للبناء والتنمية ، وإنما لإدامة تفتيت قوى الممانعة والمعارضة السياسية والمدنية ، وإجهاض بؤر الوعي في المجتمع ( تلويث ضمائر الشباب ، تخريب عقول النخبة، إفساد أذواق المجتمع، تسطيح همم الناس ) بفعل انتهاج سياسة الحرمان، الإقصاء ، التهميش الإهمال، حتى تنحصر عقولهم وتفكيرهم وضمائرهم في طلب ما تطلبه البهائم بالغرائز ! ولكي أكون واضحا، وبعدئذنكم إخوتنا في المهجر، فإن أفراد نخبتنا ، الذين فروا من جحيم موريتانيا، ( اقتصاديا، سياسيا، اجتماعيا وثقافيا ....) ليس لهمم دور ملموس في تغيير واقع شعبنا سياسيا ، أما أدوارهم الأخرى فمعروفة ومقدرة. فبرغم أن هذه النخبة هي إحدى أحجار الزاوية في بناء صرح الديمقرااطية ودولة القانون والمؤسسات، التي لا محيد عن مشاركتها، إلا دورها ظل محدودا ومقتصرا على نقد النظام تارة، ونقده مع المعارضة تارة اخرى ، وأحيانا التجاهل والإهمال. إن أيسر ما يقتضيه واجب الوطنية ورعاية حقوق الشعب على هذه النخبة ، هو :
_ تنظيم حملة إعلامية مدروسة وبنفس طويل متقيد بروح الوطنية لتعرية ونزع التغشية على الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتنافى مع اليمقراطية، وتهدد وجود بلدنا ووحدة شعبنا وسلمه الأهلي;
_ الاعتراف بالمعارضة الوطنية الديمقراطية كشريك فعلي في النظام السياسي، ورفض أساليب النظام لتشويهها بتوظيق القوة العمومية للدولة ووسائلها;
_ إبراز قيمة الوطنية وآثارها على صورة ومعنى الديمقراطية للحيلولة دون ركوب قوى هدامة عنوان المعارضة للمس بوحدة المجتمع، أو لتشويه صورة المعارضة الوطنية ;
_ الموازنة بين فكرة الوطنية العابرة للانتماءات الضيقة ، وبين تمتين وتوطيد. الروابط الايجابية ، لا السلبية، بين مكونات شعبنا ومجتمعنا الأهلي ;
_ جمع التبرعات والدعومات المادية والمالية والدعائية لصالح الأحزاب التي تحمل مشاريع وطنية ، وتتورع عن التوسل بالمال الوسخ ، أو ترهن مواقفها الوطنية لجهات أجنبية . فحين تنتظم نخبتنا الوطنية المعارضة في المهجر والشتات على هذا النحو، تصبح أداة تغيير وطنية فعلية ومرهوبة من النظام ; وستفرض الاستماع لمقترحاتها وانتقاداتها على المعارضة. اما حين يقتصر دورها على النقد دون الانخراط في جهود التغيير ومعاناته والتضحيات من اجله ، فإنها تصير ، من لا تريد، اونا للنظام على المعارضة ، بتحميلها فوق طاقتها من الاحتمال ..
وقد يقول قائل إنه "يشم " في هذه المقترحات ( رأي الجكاني )، فنقول لا بأس في ذلك، فرأي الجكني عند بعض سكان هضبة تكانت مبارك، في النهاية، على الجميع ...