لا أرغب في الرد إلاّ على ما لا بدّ من الرّد عليه، حين يستدعي ذلك بما يطرحه من تساؤلات، وما يتناوله من أفكار، وما يفيض به من معان وتأملات تدفع إلى التجاوب إثراءً للنقاش وتعاطيا مع قدسية الرأي والفكر.
رغم قناعتي بهذا المبدإ، فإن سيّر بعض المدونين تقودني أحيانا إلى التعاطي مع ما يظهر على صفحاتهم مما يُقدّم على شكل هموم مجتمع ومستقبل أمة، أيا كان فرط الاستغباء في تدويناتهم، وما تعج به من أخطاء لغوية وإملائية تصدني عن التأمل والقراءة.
أكتب -اليوم- انصياعا لهذا الدافع وتعليقا على التدوينة التي ظهرت على صفحة سفيرنا السابق في "لندن" وإن كانت الفترة التي حددها الوزير أخرجت التدوينة من حيزها "الزماني والمكاني" حين ذكر أن الربيع العربي كاد أن يقود البلد إلى الانزلاق نحو المجهول في "السنوات الأولى من عشرية القرن الماضي الأخيرة".
لم أتمكن من تحديد المجال الزمني الذي يشير إليه الدكتور، فلم يتننام إلى علمي أن "ربيعا عربيا" شهدته البلاد في هذه الفترة، لكن الأحداث التي سردها الوزيز تعيدنا إلى "السنوات الأولى من العشرية الماضية" التي يبدو أن تعلق السفير بها جعله يتوعد برييع برلماني من جهة، ويُسخّر تجربته الدبلوماسية التي تخلى عنها ذات يوم برلماني من جهة أخرى!
لم أكن أتصور أن يصل تأثير غموض الأفكار وتسارع الأحداث وما يسببه التفاجؤ من بعض القرارات حالات ذهول لدرجة اعتبار برلمان لم تمض سنة على انتخابه منتهيّ الصلاحية، ولا أن أمن بلد ومستقبل أمة سيكونان رهينة إرضاء مواطن أيا كان دوره في تعزيز السلم وإرساء العدل وتوطيد دعائم دولة القانون، ولا أرى أننا بالمفهوم السلبي للرييع أمام "ربيع برلماني"، ولا أننا أمام "جوق برلماني" ولا أننا مع رئيس يَعِزُ إلى البرلمان والقضاء بما يمثل قناعته ويشكل رغبته، وأعتقد أنه من واجب الأطر والطاقات الحية وأصحاب التجارب السياسية تثمين هذا المشهد الذي يلقى قبول مختلف الموريتانيين ويرضي دعاة فصل السلطات والتائقين إلى موريتانيا كما ينشدها الخيرون.
إن وصف الأكاديميين لممارسة البرلمان لسلطاته الرقابية بالمتاهة يجافي مستواياتهم الطيبة، وما يفترض أن يظهر لهم من تعليقات على عمل السلطات التشريعية أيا كان تنافره مع رغبتهم، وإن الحرمان من الاستمتاع بربيع لندن، الذي يعد من أجمل فصول هذه المدينة الجميلة لا ينبغي أن يدفع إلى استحضار فترات وذكر مواقف وأيام كانت الكتابة عنها والاستئناس بها قبل هذا الوقت وقبل أن يتقرر النقل من "لندن" أكثر وجاهة وقبولا وإقناعا...