لا مراء حول إرادة فخامة رئيس الجمهورية في محاربة الفساد، وحرصه على الوفاء بكل الالتزامات التي نصّ عليها الدستور وأقسم على عدم المساس بها في يوم مشهود، وتشكل الأحداث التي مرّت على مدى الشهور الماضية - بدءا بتشكيل لجنة التحقيق وصولا إلى إنشاء مسودّة تحدد طبيعة القانون النظامي المنشئ لمحكمة العدل السامية، مرورا باستماع اللجنة إلى معظم الذين توصلت إلى ما يشي بضلوعهم في الملفات التي تحقق حولها بمن فيهم وزراء وموظفون سامون - قرائن واضحة على أننا أمام مرحلة جديدة تتم فيها محاربة الفساد وإرساء العدالة وتفصل فيها السلطات دون لغط ولا صخب.
كان على قادة الرأي والفكر من مختلف المشارب الذين أبدوا شكوكهم حول تأجيل نقاش مشروع القانون المتعلق بمحكمة العدل السامية في الجلسة العلنية التي تعقد الإثنين 13 يوليو الجاري، أن يلتمسوا لمختلف الأطراف أحسن المخارج؛ فلسنا في وارد كيل التّهم جزافا، ولا يوجد طرف أكثر حرصا على تجسيد دولة القانون ممن ينتمي إلى حزبه وأغلبيته معظم البرلمانيين الذين دعوا إلى تشكيل اللّجنة وأجازوها لاحقا بقوة القانون واحتكاما إلى نظم البرلمان، وكان على كل الذين كتبوا عن الموضوع بدافع القلق أو الحسرة أو الغيرة، أن يدركوا أن مسألة القوانين والقوانين النظامية بصفة أخص من قضايا الأمة الكبرى، وأنها مدعاة للرّد من قبل جهات عليا منها المجلس الدستوري ما لم تخرج في حِلية مقبولة الشكل مستساغة المضمون، وهو ما يستدعي من كل الأطراف وعلى رأسها لجنة العدل والدفاع والداخلية بالجمعية الوطنية تنقيح الاقتراحات والتنبؤ بمختلف المحاذير التي قد تعرقل عملية نشر القانون في الجريدة الرسمية بعد موافقة رئيس الجمهورية الذي يحيله إلى المجلس الدستوري لعدم الاعتراض، ويصبح قانونا ساري المفعول.
وخلاصة الاستنتاج أنه رغم إسهام عادة التّسرع في شيطنة كثير من أشيائنا وما ولدته من ثغرات بالغة سببت كل الخروقات التي تعيبُ بعض مجالات العمل المؤسسي والقانوني، فإن ثقافة سوء الظن وسوء التقدير لن تخترق أجواء الوفاق والتصالح التي أرست عمادها - بإرادة من فخامة رئيس الجمهورية - مهما أوّل المرجفون.
محمد ولد سيدي عبد الله