وصل بريد ''مراسلون'' عدد جديد من نشرة الدرب التي تصدر عن حزب البعث العربي الاشتراكي - قطر موريتانيا و مراسلون تنشر الجزء المتعلق بموريتانيا كما يلي :
معركة الاستفتاء .. لم تنته بعد !!
ما تزال تداعيات الاستفتاء على " التعديلات"، غير التوافقية على الدستور الوطني ، التي جرت قبل أسابيع تلقي بظلالها القاتمة على المشهد السياسي والاجتماعي ؛ فقد أسفرت عن استقطاب شديد بين الطبقة السياسية والمدونين والمثقفين ، عموما، والمعارضة والنظام بصورة خاصة. فهذا الاستقطاب يجلى في كل المقالات والتدوينات وقصائد الشعر الفصيح والشعبي التي يكتبها الموريتانيون على صفحات المواقع والجرائد وصفحات التواصل الاجتماعي. فالمواقف شديدة التباين؛ والميدان كذلك يشهد معركة حامية بين المعسكرين . وإذا كان المراقبون يجمعون على أن الشعب الموريتاني قد عزف عن التوجه نحو صناديق الاقتراع على الاستفتاء ، وأن النظام قد تلاعب بتلك النتائج على نحو سمح لنفسه بالوصول إلى مبتغاه ، وخاصة إلغاء مجلس الشيوخ ، عدوه اللدود،- الذي سدد للنظام ضربة موجعة بحرمانه من تمرير تلك التعديلات بسلاسلة- فاضطره لهذه العملية المكلفة ماديا وسياسيا وأخلاقيا، إلا أن هؤلاء المراقبين اختلفوا على أسباب امتناع الشعب عن التصويت على الاستفتاء : فالمعارضة والدوائر المقربة منها ترى في العزوف الشعبي أنها تمكنت ، هذه المرة ، من الوصول إلى الشعب وعبرت ، بلغة مفهومة وبسيطة، عن معاناته ومشاكله واهتماماته وأولوياته. فالتعديلات المقترحة لم تكن تتضمن ما يفيد المواطنين البسطاء المطحونين في حياتهم ، ولم تكن تعكس تطلعاتهم ؛ فكان لاستثمار المعارضة لهذا الابتعاد من جانب النظام عن معاناة الشعب أكبر الأثر في نجاح المقاطعة الشعبية للتعديلات. بينما ذهب مراقبون مقربون من النظام إلى القول إن ضعف الإقبال لم يكن تعبيرا ، من الشعب، عن انسجامه مع خطاب المعارضة الذي ظل يلوك ذات المواقف من سنين. ومن هنا، فإن المعسكرين يدخلان في معركة شديدة الخطورة على مستقبل البلاد ، كما أنها شديدة التنافس على كسب الشعب واستمالة القوى الحية فيه ، وخصوصا القوى الشبابية التي ظهرت في تشكيلات وحركات مستقلة عن قنوات وشبكات النظام والدوائر شبه الحزبية التي تدور حوله. ولكن أيضا خارج أطر المعارضة ، التي لا تخفي هذه المجاميع الشبابية المستقلة استياءها من ترهلها وشيخوخة بعض رموزها وروتين أساليبها وتقليدية صيغ عملها؛ فيما ترى هذه التيارات أن الوضعية تتطلب ديناميكية جديدة وقواعد لعبة جديدة؛ الأمر الذي يقتضي خروج الشباب كليا من الأنساق الحزبية، لعدم فائدتها وتقييدها للفاعليات الشبابية. ومع أن بعضا من هذا الطرح يتسم بالوجاهة، إلا أن الأمر قد لا يخلو من تخطيط ماكر من أجهزة النظام لتفريغ أحزاب المعارضة من قوتها الشبابية ، سبيلا لاختراقها لاحقا بسبب قلة خبرة هذا الشباب وغياب لحمة فكرية أو سياسية ناظمة له؛ وهو ما نجح فيه النظام في حركات سابقة، أشهرها حركة ( 25 ) فبراير التي تبخرت، بعد أن اصطادت أجهزة النظام أبرز قياداتها. وعلى خلفية هذا الاستقطاب الشديد، وهذه المواجهة المفتوحة بين النظام والمعارضة ، أقدم النظام الحاكم قبل أيام على إدخال أوراق له جديدة في لعبة كسر العظم مع خصومه. فقد فتح تحقيقات أمنية مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ الذين رفضوا تمرير التعديلات عبر غرفتهم؛ وهو ما أغضب السيد رئيس الدولة غضبا شديدا دفعه إلى التصريح بأنه ألغى مجلس الشيوخ قبل ظهور نتائج الاستفتاء. ومع أن مشكلة إلغاء مجلس الشيوخ في حد ذاتها ليست بذات الأهمية عند مختلف الشركاء ؛ إلا أنها زادت المشهد السياسي تعقيدا ، خصوصا بعد إحالة بعض هؤلاء الشيوخ إلى السجن المدني ، و استجواب شخصيات سياسية و نقابية و صحفية مشهورة في البلد ، على خلفية التسريبات التي انتزعتها أجهزة الأمن من هاتف السيناتور المعارض ، محمد ولد غده ؛ حيث رأى النظام في تلك التسريبات أساسا لتهمة خصومه بأنهم كانوا يتلقون رشى من أحد رجال الأعمال المعارضين خارج البلد . و تتهم دوائر النظام الحاكم مجموعة الشيوخ ، التي أفشلت تمرير التعديلات ، بأنها كانت تتلقى هذه الرشى مقابل إفشال الرئيس في تعديلاته للدستور .و إذا واصل النظام في هذا الطريق ـ بسحب هامش الحريات العامة ـ فإنه سيصل قريبا إلى مأزق سياسي حقيقي قد يصعب عليه الخروج منه ، خصوصا و أن الموريتانيين قد تذوقوا إلى حد ما طعم حرية التعبير خلال السنوات الأخيرة ؛و ستكون العودة من جديد إلى لغة الاعتقالات و السجون لغة مستهجنة و مرفوضة لن يتمكن معها أنصار النظام من مواجهة خصومه ، أو التأثير في الاتجاه الشعبي العام الرافض لها . هذا فضلا عن الاستثمار الذي قد تقوم به المعارضة بشيء من الجهد المنظم لإقناع الرأي العام الوطني و الدولي بأن النظام يتحول بوتيرة متسارعة نحو العنف ضد مواطنيه ، بعد أن وزع واقع الفقر بينهم بعدالة تامة ؛ عندها سيدخل النظام في مرحلة الشك في المقربين منه ؛ وقد يشك في أهل بيته ؛ و تلك هي بداية النهاية الحتمية لأي حاكم يندفع نحو الطيش و الغرور .
الديمقراطية على متن دبابة !!
تنفس الشعب الموريتاني الصعداء بمناسبة انقلاب خمس أغسطس الذي أطاح بنظام ولد الطايع ؛ واعتبر الشعب أن هذا الحدث سيشكل مدخله إلى تسطير تجربة ديمقراطية رائدة على المستويين العربي والإفريقي . ذلك التحسب الذي لم يليه أحد المحللين العرب نفس الاهتمام ، معتبرا التجربة الموريتانية لم توضع على الأسس الصحيحة حتى تكون رائدة. وقد تدفقت أقلام موريتانية على هذا المحلل، واصفة له بالتحامل على تاريخ بلاد شنقيط وأمجادها ، ليتضح ، بعد، أن الأقلام التي هاجمت محمد حسنين هيكل هي في الأساس من الصف الموالي للنظام العسكري، أو العاميين الذين يتعاملون مع الأحداث بنوازع العاطفة. وتأكد أن دافع هبة تلك الأقلام، ليس الدفاع عن معنى الدولة الموريتانية الحضاري الشامل، بقدر ما هو تسخير إعلامي مأمور بالمبدأ العسكري ؛ الهدف منه إضفاء الشرعية على حكم العسكر بذريعة تصحيح المسار الديمقراطي.
وفي هذه الأثناء، حدد تاريخ لانتخابات رئاسية سيسلم الانقلابيون بموجبها الحكم للمدنيين، وراج في الأوساط السياسية أن هذا التسليم سيخرج بآلية مقيدة تتيح للعسكريين استرجاع الحكم الأمر الذي تأكدت مصداقيته مع مرور الأحداث، حيث افتعل العسكريون أزمة سياسية تحججوا بموجبها للانقلاب على رئيس مدني منتخب ، في الشكل ، من طرف الشعب على طريقة قصة " ڱابون يمة عينك عين النعجة" وعادت الديمقراطية الموريتانية ، كما تأمل هيكل، إلى منطلقها في مركز الثكنة العسكرية لأنها سطرت على متن دبابة.
في خطاباته الماضية منذ توليه الحكم، صرح الرئيس الحالي بأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة ، وأقسم على ذلك في اليمين الدستوري، غير أن قيادة رسمية صرحت عكس تصريحه بدءا بوزير الثقافة الناطق باسم الحكومة ورئاسة الحزب الحاكم وانتهاء بالوزير الأول ووزير المالية في أحداث متلاحقة ضمن مناسبات مختلفة، حيث أكدوا على أن الرئيس باقي في الحكم مبررين ذلك في تصاريحهم بأنه قدم من العمل ما يلزمه البقاء خدمة للوطن.
ويبدو أن الرئيس كان وراء تصاريح شخصياته، حيث لمح في خطابه الافتتاحي لحملة تعديل الدستور بما يدل على تمسكه بالسلطة ، مما يفصح عن إمكانية إجراء جولة جديدة من جولات الديمقراطية المسطرة على متن الدبابة ، ستترك في ذاكرة الشعب الموريتاني عقدة مع الخامس من أغسطس ، لكونه إما يوم انقلاب على السلطة القائمة ، يوم انقلاب على الدستور !
ولا شك أن موريتانيا ، وهي على ما هي عليه من تدهور اقتصادي واجتماعي ، ليس بإمكانها خوض جولة جديدة من جولات الاضطراب السياسي . ومن الواضح من خطاب الرئيس الأخير أنه ليس متنحيا عن الحكم؛ وأهم ما قدمه لإقناع الشعب هو أن لديه ملفات كان مشغولا عن الكشف عنها تدين بعض الشخصيات ، كأسلوب جديد من أساليبه لمحاربة الفساد والمفسدين. ومن الملفت أن الرئيس الذي يحارب المفسدين ، منذ 2009، أخفى عن الشعب هذه الشخصيات الخطيرة؛ أي طيلة ثمان سنوات ! ليقدمهم في آخر مأموريته الثانية والأخيرة ، على اعتبار احترامه للدستور . ولا يساور أدنى شك من له أية قراءة في السياسة أن الخطاب الأخير يعزز خطابات الحكومة الرامية إلى بقاء الرئيس في الحكم، وأن الديمقراطية الموريتانية سطرت على متن دبابة، ولن تبرح الثكنة العسكرية ، إلا إذا أدرك الشعب خطورة الوضع .