حزب تواصل ذو الخلفية الاخوانية حزب معارض منذ منحه وصل اعتراف. صحيح أن أول إسهام له في العمل السياسي تمثل في مشاركته في حكومة التطبيع. ثم تحالف مع الحزب الحاكم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في انتخابات مجلس الشيوخ. ولم تزل المعارضة تشكو من مواقف الحزب المضرة بمصالها. في الانتخابات الرئاسية الأخيرة رشح الحزب أحد خصومه السياسيين لينخرم إجماع المعارضة حول مرشح موحد. وعند إعلان النتائج رفض الحزب الاعتراف بخسارة مرشحه وشكك في صحة النتائج. وبعد ستة أشهر من تسلم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مهامه عقدت قيادة الحزب مؤتمرا صحفيا قيمت فيه المأمورية (سلبا) بناء على النتائج المتحققة في 10% منها! (راجع مقال عمولة الإخوان)...
رغم أجواء التهدئة السياسية ظل الحزب محافظا على نهج "تسخين" كل الأوعية السياسية مع الحرص على تجنب درجة الغليان. فاستخدم الحزب الألعاب النارية في الجامعة، وسعى إلى الفتنة في الجمعة، وفجر ألغاما بدائية في وجه بعض الوزراء والمدراء... كل ذلك لا يعدو كونه مناوشات محدودة في مناطق سياسية معزولة بعد السيطرة على مقر القيادة وإعلان الاستسلام.
بعد النكسات المتتالية انتقل الحزب إلى تكتيكه العتيد.."ادخلوا عليهم الباب". والحقيقة أن الحزب دأب على عدم الدخول من باب واحد، وإنما من أبواب متفرقة (باب الانقلابات، باب الانتخابات، باب النقابات، باب العمل الخيري، باب العمل الاستخباري...). وقع الاختيار هذه المرة على "باب الخدمات". فقد اكتسب الحزب خبرة في هذا المجال عن طريق توظيف الصدقات، والهبات والمعونات، والتمويلات في تدخلات مدرة للأصوات الانتخابية.. (حفر الآبار، بناء المساجد، فتح المحاظر، تقسيم الزكوات في المواسم الانتخابية...) كل ذلك تحت غطاء منظمات مجتمع مدني تبيض الأموال، وتعفى من الضرائب. تضررت المنظومة المالية للحزب بتجفيف مصادر التمويل، وإغلاق مؤسسات التبييض، وتشديد الرقابة على تهريب الأدوية المزورة. فلجأ الحزب إلى التعويض بالسطو على الخدمات التي توفرها الدولة لمواطنيها.. "الكتلة البرلمانية لتواصل تقرر حل أزمة الكهرباء بمناطق في الداخل." تحت هذا العنوان اللماع، يقول الخبر "البيان"؛ "قالت الكتلة البرلمانية لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، إنه في إطار متابعتها لمشكل الكهرباء في مناطق الداخل وردهم اتصال من المدير العام لشركة صوملك اليوم الخميس لإخبارهم بما تم تقريره في الموضوع. وقالت الكتلة في بيان صحفي، إن مدير شركة "صوملك" أخبارهم بالمعلومات التالية:
1- كرو تم تصليح أحد مولديه كان متعطلا خلال الأيام الماضية
2- بالغربان يوجد مولد بسعة 650 في طريقه إليهم هذا المساء
3- عين فرب تم تخصيص مولد جديد في الطريق إليها
4- مولدين لفصالة وولاتة
أما: اطويل، ومبو، لكصيبة، مدبوكو، آجوير، تنهمد.
فهناك مولدات تصل بعد عشرة أيام قد خصصت لها وتتراوح قدرتها بين
480و130.
وسنواصل بإذن الله متابعة الموضوع حتى تتم تسوية بقية الحالات .
النائب عيشة بنت بونه
النائب الصوفي ولد الشيباني."(موقع زهرة شنقيط).
ذكرني هذا البيان بتدوينة رئيس الحزب الحاكم مبشرا مدن الشرق بوصول مياه أظهر! يحق لكتلة تواصل في البرلمان أن تطرح مشاكل منتخبيها في البرلمان، وأن توجه إلى الوزراء ما تشاء من أسئلة.. أما أن تزور وزراء حكومة تعارضها، وتتهمها بالفساد، في مكاتبهم، وتتلقى المكالمات من مدراء الشركات العمومية، فتلك عملية سطو ممنهجة. فسيسوق الحزب لدى المواطنين أنه صاحب الفضل في وصول الخدمات إليهم، فقد "قررت كتلته البرلمانية حل مشكل الكهرباء"، وانتقلت إلى مشكل الماء.. "استجابة لنداءات المواطنين المتضررين من العطش أو الانقطاعات المتكررة للمياه أجرينا اليوم لقاء مطولا مع السيدة وزيرة المياه والصرف الصحي طرحت خلاله مشاكل المياه في الكثير من المدن والقرى والأحياء..." يبدو الإيحاء صريحا في أن المواطنين يتجهون بنداءاتهم إلى حزب معارض لحل مشاكلهم الخدمية التي يناط بالحكومة حلها!
تقدم الدولة الخدمات للمواطنين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية. وتقديم الخدمات، ووضع الخطط السياسية والاقتصادية من اختصاص الحزب، أو الأحزاب التي خولها الشعب إدارة شؤونه، والجهاز التنفيذي (الحكومة) ينفذ برنامج "تعهداتي" الذي نال به الرئيس، الذي صوت تواصل ضده، ثقة الناخبين. فكيف لكتلة برلمانية معارضة لا تعترف بنتائج الانتخابات أن تتدخل في أنشطة الجهاز التنفيذي، وتصدر بيانات تَظهر فيها المحفز والموجه لعمل الحكومة؟!
إذا استمر هذا "النهج اللصوصي" سيتم الاستيلاء على البرنامج الاستعجالي، وتآزر... وكل البرامج الحكومية الخدمية، ليكسب تواصل تعاطف المواطنين في العاجل، وأصوات الناخبين في الآجل... وإذا كان التباعد خير وسيلة لمنع انتشار فيروس كورونا، فإن تحديد الخطوط الفاصلة بين الموالاة والمعارضة خير ضامن لحياة ديمقراطية سليمة، ويتأكد ذلك عند التعامل مع جماعة استمرأت اختراق الأنظمة، وتفخيخ الأجسام السياسية من الداخل...