فيروس كورونا بين تداعيات السنن الشرعية والكونية
الحمدلله رب العالمين والصلاة على محمد وعلى آله وصحبه وبعد فإن المتأمل في العالم اليوم يتعظ في حالة الرعب التي خيمت عليه حتى صار في جو من الهلع والخوف نغصت عليه حياته وأنسته تطوره وتقدمه فكل العالم اليوم تحت قبضة فيروس صغير لايرى بالعين المجردة فهل فهمت أيها المسلم هذا البلاغ الرباني والدرس الكوني {{لمن الملك اليوم لله الواحد القهار }}
هذا الفيروس جاء ليعلم الناس درسا في عظمة الله وكبريائه سبحانه ماأعظمه وماأحلمه
يامن عظمت في قلوبكم هيبة حضارة الغرب الزائفة حتى صرتم تخافونها خوف السر وتعتقدون سيطرتها وإحاطتها على الكل وتتركون لأجل مرضاتها شرع الله وأوامره انظروا إلى هذا الفيروس يكشف لكم حقيقة الحضارة التي انبهرتم بها
أين التقدم التكنلوجي في كل الميادين من صناعة مضاد حيوي بسيط ضد فيروس صغير لايرى بالعين المجردة
لقد أعجزهم المتكبر الجبار المقتدر وأرعبهم بمخلوق صغير لايرى إلابأدق المجاهر أمر قدري يحمل من معاني الكبرياء والعظمة مايحير العقول عالم بكل دوله يرتجف من فيروس يقف خائفا حائرا شاكيا عاجزا مستسلما سبحانك ماأعظمك
لقد اقتضت سنة الله عز وجل الكونية التي لاتقبل التبديل أن يجري قضاءه وقدره بعقوبات تتحدى طواغيت كل عصر وقدجاءت عقوبات الأمم السابقة متجانسة مع مكرها وطغيانها وجبروتها
فعوقب قوم نوح بماء منهمر، وعاد بريح صرصر عاتية، وثمود بصيحة طاغية، وقوم لوط بحجارة من سجيل، وملخص عقوبات الحضارات السابقة تم ربطه بسببه وبيان حكمته في قوله تعالى :
{{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}}
إن نظرة المسلم المتبصر إلى هذا الفيروس اليوم تتجلى في ثلاث نقاط :
١-عقوبة قدريةً : الأصل أن المؤمن لايؤمن بالصدفة ويعلم أن كل شيء بقضاء وقدر وأن ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ويقرأ أن السنن الكونية تساير الشرعية لأنهاتبع لها فالكون ومافيه خلق لمعنى واحد وهو عبادة الله وقد تكرر هذا المعنى في آيات كثر قال تعالى :{{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ الذين يذكرون الله قياما وقعودا على جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربناماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار }}فالكون بسماءه وأرضه وبحره وبره وشمسه وقمره سخر لافراد الله بالعبادة وحيث تخلف هذا المقصد يعرض الكون كله للدمار والهلاك وقد ضرب الله لذلك مثلا فقال :{{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}}
وعليه فالكون كله معرض للعقوبة إذاخالف الناس أمر الله
قال تعالى :{{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }}
وقال تعالى :{{وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ}}
بل قد بين سبحانه أن تعجيل العقوبة يقع بسبب الزندقة دون نكير وخصوصا في زماننا هذا الذي شرع فيه سب الله عز وجل وسب رسله وشاعت جلسات السمر المسيء على جناب النبوة
قال تعالى :{{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ}}
إذا فالكون كله معرض لسخط الله وعقوبته
فقد بدلت الشريعة وعطلت الحدود وتنكر الخلق لعبوديته لله واستهان الناس بحرمات الله وموالاة الكفار وظهرت مظاهر الفسوق والإثم والعدوان والظلم وأعلن الناس بالفواحش كالزنا واللواط والقتل فأغضبوا الله عز وجل فاستحقوا العقوبة المعجلة لقلة الأدب
ومن أراد التخلص من هذه العقوبة فعليه بالتوبة والإقلاع عن الذنوب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإذاكانت الدول صادقة في المتاب فلتعلن رجوعها إلى الله وتحكيمها لشرعه والقضاء على كل مظاهر الفساد الديني والأخلاقي لتسلم من العقوبة
{{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦٓ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَـِٔيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}}
فهذا ملخص رسالة الفيروس الصغير فكأنه يحاول رد الأمور لمجاريها الطبيعية فيتضرع الناس لله ويعلموا ألاملجأ من الله إلاإليه
ومن حكمة الله في عقوبته للحضارة الغربية بالفيروس أنهاطغت وادعت التطور والاحاطة والهيمنة وتسلطت على المسلمين فسفكت دماءهم وبدلت دينهم ونشرت الرذيلة ووفرت وسائلها فسلط الله عليها جنديا صغيرا لايرى إلابأدق المجاهر يعلمها الأدب ويكشف لهاحقيقة ضعفها وعجزها ويضبط الأمور وفق أمر الله الشرعي رغم أنوفهم فهل يعقل العلمانيون هذه الرسالة القدرية التي يحملها فيروس كورونا
وهل ستتراجع الدول الكبرى عن ظلمها ليرفع عنها انتقام الجبار وهل ستتناصر أهل الإسلام وتتعاون على إعانة المظلومين والمستضعفين هل سيفرج عن المسجونين ظلما .
٢-ابتلاء للأمة وتأديب لها لترجع وتتضرع إلى الله عز وجل {{فلولا إذجاءهم بأسنا تضرعوا }}
وهذا المعنى يجب التنبه له فالبعض يحاول صرف
الناس عن الحكمة الإلهية وماذلك إلالقلة الفقهاء الذين يفقهون تبع القدر للشرع فعلل القدر وربطها بالشرع عز بين الفقهاء فأغلبهم لايعرف سوى ربط الأوامر الشرعية بفعل المكلف
قال تعالى :{{وماأصابكم من مصيبة فبماكسبت أيديكم ويعفوا عن كثير }}
فتستر قدرة الله بالأسباب جعل بعض من لايقرأ ماتحت السطور لايتعقل ربط الأسباب بمسببها الحقيقي بل تراه يوغل في السبب نفسه ويتجاهل الحكمة منه ولذلك لايستقيم عند أولي البصائر حدوث مثل هذه الأمور دون مدبر حكيم وهو الله تعالى وهذا يتجلى في رد النبي صلى الله عليه وسلم على معتقد الجاهلية في ظنهم الباطل بأن المرض ينتشر بنفسه فقال رجل يا رسول الله الإبل تكون في الصحراء، كأنها الغزلان، فيدخل فيها البعير الأجرب فيجربها، فقال ﷺ: فمن أعدى الأول
هذه القاعدة ترد على أهل المعتقد الفاسدة
في الطبيعيات [فمن أعدى الأول ]
فعلينا أن نعلم أن هذا الفيروس لم يأت بنفسه وإنمالقضاء وقدر وحكمة بالغة من الله عز وجل سواء كانت عقوبة كماحصل مع الكفار بسبب كفرهم وظلمهم اوابتلاء كماحصل مع المسلمين لرفع درجاتهم وتكفير سيئاتهم أو جمع بين ذلك كله ليرجع الجميع إلى الله كل من جهته
فكأن فيروس كورونا يحمل رسالة عنوانها{{ففروا إلى الله }}.
وعليه يجب على المسلم ربط الأسباب بمسببها حقيقة ولاينتهج نهج من قال الله عنهم :{{وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم }}
فهذا الفيروس في حقيقته آية ربانية تجلت للجميع وفي ظاهره فيروس طبيعي يصنف بأنه كافيد ٢٠١٩
{{يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون }}
٣-مسألة للوقاية والعلاج من هذا الفيروس :
الكل يعلم أن العالم كله تعرض لأسباب العقوبة الإلهية والمقت فقد ظهر من الهرج وسال من دماء المسلمين مايعز عن الحصر فكم قتلت الصين الاشتراكية من مسلمي الإيغور وكم قتلت دول التحالف الصليبي من أسلمة الشام والعراق واليمن كم سفك من الدماء البريئة كم سهل للرذيلة من باب وفتح لها من مركز هذا وحده يكفي للتعرض للانتقام مع مايتخلله من شرك ومنادة لله في الحكم والتشريع
وكل واحد من هذه الفواحش لوحده يعرضنا للعقوبة كيف إذااجتمعت كلها نسأل الله العافية 
ومن جميل مانقل الامام ابن القيم وكأنه يحكي عن عصرنا
(ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصلُ كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة.. وهو من أسباب الموت العام والطواعين المهلكة. ولما اختلط البغايا بعسكر موسى عليه السلام، وفشت فيهم الفاحشة؛ أرسل الله تعالى عليهم ((الطاعون)).. فمات في يوم واحد سبعون ألفًا، والقصة مشهورة في كتب التفسير.
فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية - قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعاً لذلك ).[الطرق الحكمية ( ٧٢٤/١ ).]
وعليه فمجمل العلاج يحصل فيمايلي :
١-التضرع والرجوع إلى الله
٢-الدعوة لحاكمية الشريعة
٣-الحذر من ظلم المسلمين وقتالهم
٤-البراءة من الكفر وأهله
٦-المحافظة على الأذكار النبوية
٧-العمل بمجمل النصائح الطبية
٨ -التوكل على الله وعدم الخوف من المرض
٩-الصبر على البلاء وعدم الجزع والخوف الزائد من لقاء الله عز وجل
١٠السكينة والتريث والحيطة والحذر والأخذ بكل الأسباب المشروعة والعمل بنصائح خلص الأطباء أياكان دينهم
وختامًا لقد ألزمتنا آية هذا الفيروس وأدبتنابماكنا بحاجة إليه :
الأمر لله وحده لاشريك ، كل الحضارات مهماادعت من القدرات فهي عاجزة أمام قدرة الكبير المتعال
،حرمة الاختلاط بين الجنسين وخطره ، خطر دور الملاهي والعبث والمجون والاجتماع على الكرة ،
السكينة والوقار واللجأ إلى الله عزوجل .
نسأل الله عز وجل أن يحفظنا والمسلمين من هذا الداء ويعيذنا منه اللهم اكفنا كورونا بماشئت نعوذ بعزة الله وقدرته من شر مانجد ونحاذر
اللهم إن هذا الشعب المستضعف لاطاقة له ببطشك وانتقامك فلاتعاملنا بمانحن أهله وعاملنا بماأنت أهله إنك أهل التقوى وأهل المغفرة اللهم إنك تعلم ضعفهم وعجزهم فلاتبتليهم ومن ابتليت منا فاشفه وعافه وداوه بدوائك يارحمن اللهم اشف جميع مرضى المسلمين ونح عنهم هذا البلاء اللهم انج كل المسلمين من هذا الوباء واحفظهم بحفظك وحطهم بعنايتك اللهم اغفر لنا وتب علينا وردنا إليك ردا جميلا أستغفر الله وأتوب إليه .
وكتبه إيمانًا واحتسابًا محمد بن محمد الأمين بن الطالب إبراهيم البخاري الشنقيطي