يبحث المغامرون وهواة السفر عن وجهات سياحية مختلفة، ليكتشفوا أماكن لا يمكن رؤيتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن أجل التعرف على مجتمعات مختلفة الثقافة ومتنوعة التراث، ومن بين تلك الوجهات الأقل سفرا تأتي مملكة بوتان، وهي بلدة تقع جنوب آسيا على ممرات جبال الهيمالايا وقبل حافة الجبل، مساحة صغيرة بطبيعة خلابة وقصص وأساطير لا يعرفها إلا المغامرون.
وتعد مملكة بوتان من أصغر الممالك والبلدان على خريطة العالم، ويبرز دورها كبلد يرعى تنمية السعادة القومية ويدعم الاقتصاد الحر، وتعتبر بوتان جغرافيا قريبة من مجتمعات التبت، ويتبع شعبها الديانة البوذية، وهي مملكة تعتمد بشكل كبير على الروحانيات والأساطير في تكوين مجتمعها وعاداتها وتقاليدها.
وتؤمن بوتان حكومة وشعبا بالاستدامة وأهمية الحفاظ على الطبيعة، والتي تراها المملكة من أهم مقومات السعادة لدى الشعوب، وليس الثورة الصناعية كما تسعى معظم بلدان العالم، ولا تقيس النجاح بالتطور التكنولوجي الذي يعتقد أهل بوتان أنه يقتل المزاج الجيد، ويقيسون النجاح بمؤشرات السعادة القومية الخاصة بهم.
وتأمل بوتان الخروج من مأزق التطور التكنولوجي بحلول عام 2023 حيث التخطيط لدخول الكهرباء الهيدروليكية الصديقة للبيئة، حيث يولي شعبها الأهمية القصوى والأولى للبيئة والطبيعة حتى ولو على حساب الكهرباء والتقدم والإنتاج، وينبعث من البلدة 1.5 مليون طن من الكربون، و هي مؤشرات كربون سلبية، إذ تمتص الغابات 6 ملايين طن من الكربون سنويا، لكن طبيعة البلاد تحفظ نقاء البيئة هناك رغم وقوعها بين الصين والهند أكبر الدول الصناعية في العالم.
ولا شك أن محافظة الشعب والحكومة على الطبيعة البدائية وجعل البيئة أهم أولوياتهما هي السبب الرئيس وراء امتلاك بوتان هواء نقيا، لكن نقاء الهواء ليس وحيدا في ميزات هذا البلد الساحر.
قوانين وطقوس السعادة
وللحفاظ على طبيعة البيئة النقية فقد أصدرت مملكة بوتان قانونا يمنع بصورة تامة زراعة التبغ أو بيعه أو التدخين في الأماكن العامة، ويستثنى من ذلك فقط السياح الذين يتعين عليهم دفع ضريبة باهظة للغاية للسماح لهم بإدخال 100 سيجارة فقط أثناء رحلتهم.
ويصف الشعب البوتاني مملكته بأنها "بلاد التنين والأساطير"، ويصنف من أكثر الشعوب سعادة في العالم، فبحسب مؤشر السعادة العالمي، فإن أهالي بوتان ينقسمون بين سعداء للغاية بنسبة 8% وسعداء بنسبة 42% وسعداء إلى حد ما 50%، ويقول إريك واينر الصحفي في "بي بي سي" إن سر سعادة الشعب البوتاني تكمن في أنهم يتأملون فكرة الموت خمس مرات يوميا حتى أصبح جزءا من حياتهم.
ولدى شعب البوتان طقوس للموت، إذ يعلنون الحداد على الميت لمدة 49 يوما، يمارسون خلالها التأمل والرقصات التي تساعد على التغلب على مشاعر الحزن والاكتئاب.
تكلفة الزيارة
قد تكلفك زيارة المملكة الصغيرة مبلغا كبيرا، فهي من أكثر الوجهات السياحية تكلفة، ربما ستدفع في اليوم الواحد من 200 إلى 290 دولارا، وتبلغ تأشيرة بوتان 40 دولارا، وهي إجبارية لكافة الجنسيات باستثناء الهند وبنغلاديش، وهما الشعبان اللذان يتمتعان بالعديد من المزايا المادية في بوتان.
وتكلفة الزيارة المرتفعة ليست مقابل الإقامة في فنادق فخمة كما هو المعتاد في الرحلات السياحية، ولكن في التجربة المميزة، إذ تعد مملكة بوتان صديقة للبيئة وضد المدنية المتطورة التي تضر البيئة.
إذًا، أنت أمام أماكن إقامة سياحية متواضعة للغاية يصفها المرشدون السياحيون بأنها محترمة ولكنها ليست فخمة، إلا أنه في المقابل يتمتع السائح بخدمة ملكية في الضيافة على الطريقة البوتانية، ويعتبر كل من زار تلك البلاد أنها تجربة رائعة وتكاد تكون رحلة العمر.
وتتمتع بوتان بمناظر خلابة وطبيعة برية ساحرة، يصفها الأدباء بأنها المكان الوحيد الذي يمكن أن تشاهد فيه النمور تقفز بين الأراضي الزراعية، وتمتزج المناظر الطبيعية ذات المساحات المفتوحة -والتي تبعد عن سطح البحر 7000 متر- مع الحياة البرية في غابات بوتان التي تمتد أمام البصر.
وتعتبر بوتان قريبة من حافة أحد جبال الهيمالايا التي لم يتسلقها أحد بسبب طريق القمة الوعر، ولكن يمكن التمتع بمناظر سلاسل جبال الهيمالايا من أكثر من جانب، بالإضافة إلى المهرجانات والأنشطة الروحية لهواة التأمل واليوغا.
وتعتمد بوتان على السياح في دفع ضرائب خاصة بالبنية التحتية اللازمة لنهضتها، ولكن بصورة لا تضر البيئة، وتعتبر آخر الدول في العالم التي سمحت بالتلفاز والإنترنت لشعبها.
التخطيط للرحلة
يمكن تقليل التكلفة الباهظة لتلك الرحلة عن طريق تكوين مجموعات للسفر، حيث توفر حكومة بوتان خصما يبلغ 40 دولارا للمجموعات، كما يمكن التخطيط للسفر من نيبال، وحجز تذاكر الطيران مقدما، حيث ظهرت تعليقات سلبية عديدة على السفر عن طريق الحافلات إلى بوتان، إذ تصل مدة السير في الطريق لأكثر من 15 ساعة، بالإضافة إلى أن الطريق جبلي وغير ممهد، لذا يعد الطيران هو الخيار الأفضل.
وتتكفل الدولة بتوفير كل شيء من خلال المبلغ اليومي من طعام وشراب وإقامة ومرشد سياحي، وقد وصف العديد من المسافرين على موقع لونلي بلانت أنهم زاروا الجنة في الأرض، وأن الطبيعة في بوتان مختلفة عن كل دول العالم التي زاروها من قبل.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية