لا شك أن أملا - وإن كان حذرا - عم الموريتانيين بعد وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة، وإن لدواعي ذلك الأمل وجاهتها خاصة بعد عشرية ملأى بوضع اقتصادي صعب واحتقان سياسي شديد، وأزمة اجتماعية غير مسبوقة، فضلا عن المحسوبية والفساد وغير ذلك كثير من ألم تلك السنوات العشر.
لقد ارتفع منسوب ذلك الأمل مع بداية العهد الجديد خاصة في ظل لقاء الرئيس بكافة مكونات الطيف السياسي والاجتماعي، والحرص الذي أبداه في إشراك الجميع وكذا الخطاب المنفتح النائي عن أساليب الإقصاء، وضرب عرض الحائط بوجهة النظر الأخرى.
- شُكلت الحكومة، ولم يكن للأمل أن يراوح حيزه - رغم الملاحظات على رجوع أشخاص من نظام العشرية - وأبقى المراقب قوة أمله في مستواها حذرا من الحكم السالب المبكر، وإعطاء مزيد من الوقت لقادم جديد، خاصة أن شريحة الحراطين وجدت تمثيلا قد يكون مناسبا في الحكومة قياسا بالسالف من الحكومات السابقة.
- جاء تنظيم حفل عيد الاستقلال قريبا من استلام الرئيس للسلطة وكان بادرة تدعم ذلك الأمل من حيث توجيه الدعوة للكل وإيضاح أن موريتانيا تسع الجميع.
- أبدى أعضاء من الحكومة حماسا لفعل شيء ما، ترجمةً لتوجه الرئيس وخطاب تعهداته أيان الحملة الرئاسية، ومن أمثلة ذلك إجراءات وزارة الصحة...
- استحدثت مندوبية "التآزر" للتضامن ومكافحة الإقصاء، وهي مؤسسة قد تؤتي ثمارا في مجالها - وإن كان على المدى غير القريب - خاصة إذا استرعت سياسية إحصائية لحملة الشهادات من شريحة الحراطين وإشراكهم جميعا، موازاة مع استهداف مناطق فقر الشريحة.
اليوم وبعد أشهر من عافية ذلك الأمل بدأ ينزاح المراقب بأمله قليلا إلى شيء من التساؤل؟! تحاشيا لعدم التفاؤل الذي بدأ يلقي بظلاله على كثير مما أظله ذلك الأمل بأسباب منها الآتي:
- كانت الصدمة الأولى لذلك الأمل عدم استبدال الرئيس مسؤولي العشرية بآخرين أكثر كفاءة ونزاهة وهم كثر في طابور طويل.
وذلك سيعزز الأمل يقينا، ويقنع مراقبه بأن شيئا ما جادا يحاول الرئيس فعله!!
- إعادة آخرين من أولئك المسؤولين لمناصب ربما أعلى وأهم من المناصب التي ازيلوا منها.
- انتهاج الأسلوب التقليدي في التعاطي مع الوضعية الشرائحية التي ألقت بثقل أملها على تعهدات نظام الرئيس غزواني.
- تعيين عدد من الأمناء العامين للوزارات والمسؤولين، لوحظ خلاله تمثيل ضئيل لشريحة الحراطين، التي لو أشركت في تلك التعيينات لأعان ذلك على الحد من التهميش والتضامن ومكافحة الإقصاء.
أمثلة من ذلك أخرى قد لا نعددها كلا لضيق الظرف عن ذلك، ولسبب أننا نريد أن نخلص في هذا النص إلى قضية أخرى ربما أهم نتاجا لداعية الوقت، والخطورة، ولكن الأمل الذي تحدثنا عنه سيكون أمره مفصليا بما يؤول إليه أمرها.
أما ما يتعلق بالجزء الثاني من هذا النص فهو متصل بخطاب سمعناه في الأيام الماضية تعدى حاجز الغرابة بفعل ما ورد فيه من اتهام موريتانيا بانتهاج نظام الميز العنصري الذي كان معروفا في جنوب إفريقيا.
لا شك أن هذا الخطاب لن يجد الأذن الصاغية في موريتانيا لعلم الجميع بعدم صحته، بل البعد التام من أساس يقوم عليه.
وفي الخارج لن تستمر الأذن الأخرى في سماعه حالما يقوم السامعون له بالبحث اليسير عن الحقيقة التي ستبين زيفه.
لكن لا شك أيضا أنه ما كان لهذا الخطاب أن يكون لولا التغافل الرسمي للدولة عن تلك المنصات، ووجود مباءة يرتكز إليها ذلك الخطاب من واقع التهميش والغبن لشريحة الحراطين، وعدم التساوي في الفرص أمامها، لن نتحدث عن تاريخية المظلمة، فذلك شيء لا جدال حوله، بل الكلام سيكون حول الواقع المزري لهذه الفئة التي لم تحظ في تاريخها ببرنامج إنمائي جاد من الأنظمة السابقة ينهي أو يخفف إلى حد بعيد من معاناة الحراطين المزمنة.
لقد كان الحراطين بين معول الأنظمة المستخدمة لقضيتهم، وسندان الفئة المتاجرة بها.
واليوم ونحن في مستهل نظام بعث شيئا من الأمل، نود المراجعة والتلافي لنصل للمعالجة والتلاقي سبيلا للخروج من هذه الأزمة، بوضع أسس التصحيح وسد المنافذ أمام تجار القضية واستخدام الأنظمة.
إن أمام هذا النظام فرصة مواتية لتصحيح المسار خاصة مع جو الانفتاح الذي جاء به، والتعاطي الإيجابي مع ذلك من طرف فرقاء الطيف السياسي والاجتماعي، وكذلك بعد ردة الفعل الوطني المجمع على شجب وإدانة خطاب جنيف، وفي نظرنا يتمثل جوهر ذلك التصحيح في أساسيات منها ما يلي؛
- تنظيم مؤتمر شامل للمراجعة وتحديد سياسات التصحيح.
- التعاطي الإيجابي مع أصحاب وجهات النظر الإيجابية الجادة من أبناء الشريحة، وسد الباب أمام المتاجرين بالقضية لمصالحهم الشخصية.
إننا كتبنا هذا النص استجابة لنداء الظرف، وحرج الحال، وإكراهات الواقع لتدارك شيء من ذلك الأمل الذي نأمل أن يصير إلى واقع أفضل من الذي عشناه من قبل، وأن نتشارك جميعا - بإخلاص وصدق نيات - في الإصلاح والبناء والتطوير.
أحمد ولد خطري
استشاري دولي في التمويل التشاركي
*