أشاد نقيب المحامين الموريتانيين الشيخ ولد حندي بجهود المملكة العربية السعودية في ترسيخ قيم الاعتدال و الإخاء جاء ذلك خلال مؤتمر دعت له جامعة القصيم و قد له درع من احد الامراء السعوديين و هذا نص الخطاب الذي ألقى ولد حندي
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
صاحب السمو
أصحاب المعالي
السادة الحضور
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
غمرتني سعادة كبيرة وأنا أتلقى الدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر المنظم من طرف جامعة القصيمْ، إنه مؤتمر عظيمْ، عظيمٌ في موضوعه وهو الهادف لإبراز «جهود المملكة العربية السعودية في ترسيخ قيم الاعتدال والتعايش الحضاري»، ولكنه أعظم في مكانه، فهذه البلاد غالية على القلب، لما حباها الله به من خصائص لا تتوفر في غيرها من البلدان، فهنا المملكة العربية السعودية مركز الإسلام وقلبه النابض، وهنا المنبع حيث أصالة القيم الإسلامية الحقة، الخالية من التطرف والغلو والمبنية على التعايش والسماحة والاعتدال، والبعيدة كل البعد عن الصورة المشوهة التي كرسها الغلاة وتجار الدين، هنا نجد الإسلام الحق الذي تشبع به أهل هذه الأرض، فهنا أرض الرسالة ومرتع الصحابة، وهنا خير خلف لخير سلف، وهنا مستقبل واعد يلوح في الأفق.
إن الموريتانيين هم أحسن من يتحدث عن الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية في نشر قيم الاعتدال والتعايش الحضاري، خلال القرن الماضي، وما تزال تلعبه حتى اليوم، فالعلماءُ الشناقطةُ كانوا محل تقدير كبير في هذه البلاد، وحظوا بالاحترام من طرف الحكام والشعب، وكانوا شهوداً على غرس بذرة قيم الاعتدال والتعايش التي بدأت تورق وتثمر، وتنتشر كالشعلة في أرجاء الأرض لتضيء ظلمات التطرف والغلو.
صاحب السمو
أصحاب المعالي
السادة الحضور
لنطوي صفحة التاريخ، حتى نتحدث قليلاً عن الحاضر، ونرصد الشواهد التي توضح الدور الذي لعبته وتلعبه المملكة في نشر قيم الاعتدال والتعايش الحضاري، وهو دور ظل لسنوات بعيداً عن الأضواء ولا يحظى بما يستحق من تغطية إعلامية ونقاش فكري، وهنا لا بد أن أثمن هذا المؤتمر الذي أتاح لنا فرصة تسليط الضوء على هذا الموضوع الهام، وأتاح لنا أيضاً فرصة الاطلاع على محاضرات وبحوث تتناول الموضوع بعمق ورصانة كبيرين.
إنني هنا إنما أقدم تعليقاً سريعاً ومقتضباً، لن يحيط بكل ما أريد قوله في هذا الموضوع، ولكنه يقدم بعض الأمثلة التي تمسنا نحن الموريتانيين، ولعلكم تعلمون عراقة العلاقة التي تربط بلادنا بالمملكة العربية السعودية، وهي علاقة ضاربة في القدم، تتجاوز العروبة والإسلام، لتصل إلى روابط الدم والقرابة، ووصلت مؤخراً بين الحكومتين إلى مستويات غير مسبوقة من القوة والمتانة، فتألمت موريتانيا، حكومة وشعباً، لكل ما يمس هذه البلاد من اعتداءات، وغضبنا أمام كل من يريد أن يمسها بمكروه.
وعندما قررت المملكة إطلاق مبادرة تشكيل «التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب»، قبل أربع سنوات من الآن، كانت موريتانيا سباقة للانخراط فيه واحتلال موقع متقدم في صفوفه، وأصبح التحالف وأهدافه على رأس أولويات المؤسسة العسكرية ووزارة الدفاع، بل وحتى رئاسة الجمهورية في موريتانيا، وهو ما ظهر في مستوى الوفود الموريتانية التي كانت وما تزال تزور المملكة العربية السعودية، من الرئيس إلى وزير الدفاع وقائد الأركان العامة للجيوش.
إن الموقف الموريتاني المتحمس جداً للتحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، هو موقف ينبع من تجربة موريتانيا المريرة مع الحركات الإرهابية المنتشرة في منطقة الساحل الأفريقي، وإدراكها العميق لمدى خطورة هذه الجماعات وما تحمله من أفكار هدامة، فخلال السنوات من 2005 وحتى 2011، دخلت موريتانيا في صراع مرير وحرب شرسة مع هذه الجماعات، ولكنها في النهاية كسبت الرهان ونجحت في إيقافها عند حدها، وانتشلت الكثير من شباب البلاد الذين غرر بهم باسم الدين وإعلاء كلمته، في كذبة كبيرة تسعى لتشويه الإسلام والفت في عضد المسلمين.
لقد اعتمدت موريتانيا مقاربة متعددة الأبعاد لمواجهة هذه الجماعات، وذلك عندما أدركت منذ البداية أن الحل العسكري والأمني مهم ولكنه لن يكون كافياً للقضاء على الفكر المتطرف، فاعتمدت مقاربة فكرية تقوم على محاورة أصحاب الفكر المتطرف ومحاججتهم حتى إقناعهم من طرف علماء وفقهاء مختصين، ومقاربة اقتصادية تضمن للتائبين العودة إلى الحياة الطبيعية وتمكينهم من إقامة مشاريع مدرة للدخل، ومقاربة أخرى اجتماعية تضمن لهم أن يندمجوا في المجتمع بشكل طبيعي.
ومع ذلك بقيت القبضة الأمنية والقوة العسكرية حاضرة، حين نجح الجيش الموريتاني في تحقيق انتصارات هامة ضد القاعدة في شمال مالي، وأبعد مقاتليها عن الحدود الموريتانية، ورفع من مستوى تسليحه وجاهزيته العسكرية، وزاد من قدراته الاستخباراتية والاستطلاعية، فأصبح قادراً على أن يراقب حدوده الشاسعة ومترامية الأطراف.
كثيرون لا يفهمون السر وراء هذا التحسن الكبير في قدرات الجيش الموريتاني، خلال سنوات قليلة وبشكل سريع وقياسي، ولكن الأيادي البيضاء للملكة العربية السعودية كانت حاضرة، وساهمت المملكة بقوة في دعم الجيش الموريتاني، لأنه يخوض حرباً ضد الإرهاب، وهو ما تزامن مع رفع المملكة لمستوى تمثيلها الدبلوماسي في نواكشوط عام ألفين وسبعة، إلى مستوى سفير للمرة الأولى منذ حرب الخليج.
لقد كانت المملكة العربية السعودية أكبر سند لموريتانيا في حربها ضد الإرهاب، سواء من الناحية العسكرية والأمنية، أو من ناحية الاستثمار والتمويل، أو أخيراً من ناحية الدعم الفكري لتفكيك منظومة الفكر المتطرف، انطلاقاً من تجربة المملكة الرائدة في هذا المجال.
صاحب السمو
أصحاب المعالي
السادة الحضور
إن التعاون بين موريتانيا والمملكة العربية السعودية في مجال محاربة الإرهاب قديم جداً، ولكنه تعزز أكثر وتطور وترسخ منذ أربع سنوات، بعد الزيارة التاريخية التي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى نواكشوط، والتي شكلت حدثاً مهماً بالنسبة لجميع الموريتانيين، أعادت إليهم ذكرى الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، رحمه الله، والذي زار موريتانيا في سبعينيات القرن الماضي.
ثم إن التعاون تعزز أكثر بعد إطلاق مبادرة التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب بعد ذلك، والتي انخرطت فيها موريتانيا بقوة كبيرة، رافضة كل أشكال الإرهاب وأساليب تمويله وطرق مساندته.
وجدت موريتانيا في التحالف الذي يضم واحداً وأربعين دولة، الإطار التنظيمي الذي كانت تحلم به من أجل مواجهة خطر الإرهاب في العالم الإسلامي، بل وحتى العالم أجمع، وهي التي ظلت لسنوات عديدة تخوض حرباً شرسة ضد القاعدة وحدها، دون أن تسمع بلدان الجوار نداءاتها، وهذه الدول تدفع اليوم ثمن ردة الفعل المتأخرة.
وبالفعل شكل التحالف نقلة نوعية في مجال أدوات واستراتيجيات محاربة الإرهاب، معتمداً مبادرات فكرية وإعلامية ومالية وعسكرية، للوقوف في وجه كافة أشكال الإرهاب مهما كان مذهبه أو دينه، وبالفعل حقق إنجازات ومكاسب مهمة جداً في هذا السياق، واستفادت منه موريتانيا إلى حد كبير، وهي المنخرطة في حرب محلية ضد الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي.
كما أن رابطة العالم الإسلامي التي يوجد مقرها في مكة المكرمة، تقوم هي الأخرى بأدوار جد إيجابية في مجال تكريس قيم الاعتدال والوسطية، وتغيير الصورة المشوهة للإسلام في العالم، وذلك من خلال ملتقيات فكرية وندوات وأنشطة وإصدارات هامة جداً، كما أننا لاحظنا ذلك في أنشطة أشرفت عليها الرابطة في موريتانيا مؤخراً، منها ما حضره الأمين العام للرابطة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الذي زار موريتانيا قبل عامين والتقى بالعلماء والفقهاء والسلطات، وألقى خطباً هامة حول الاعتدال والوسطية، وضرورة أن يلعب الموريتانيون دورهم التاريخي في نشر قيم الإسلام السمحة في أفريقيا جنوب الصحراء.
صاحب السمو
أصحاب المعالي
السادة الحضور
لا يمكنني أن أنهي هذا التعليق المقتضب، دون أن أشير إلى نقاط مهمة تتعلق بالغلو والتطرف، إذ أثبتت تقارير ودراسات عديدة أن هذا النوع من الفكر الظلامي لا ينمو إلا في بؤر الفقر والجهل والمرض، المناطق التي تغيب فيها سلطة الدولة وينتشر الفراغ، لذا نجد الجماعات التي تنشره تستهدف المناطق النائية والفقيرة، والتي تحس بالظلم والغبن.
حاولت موريتانيا أن تغلق الباب أمام ذلك الخطر من خلال إطلاق خطة تنموية تقوم على استهداف جيوب الفقر النائية، وهو ما تطلب منها استثمارات هائلة وأموال طائلة لا تملكها، فكانت المملكة العربية السعودية حاضرة عندما تعلق الأمر بمكافحة الفقر والإرهاب معاً، واليوم تعد المملكة العربية السعودية أكبر مستثمر عربي في موريتانيا.
الصندوق السعودي للتنمية وحده يمول ثمانيةً وثلاثين مشروعاً في موريتانيا، تشمل كافة القطاعات الحيوية التي تلامس حياة الناس وتؤثر إيجاباً في اقتصاد الدولة، كان آخرها ثلاث اتفاقيات وقعت قبل عامين بقيمة مائة وخمسة وثلاثين مليون دولار، لتمويل مشاريع تنموية، فيما يبلغ إجمالي القروض التي قدمها الصندوق لموريتانيا أكثر من 447 مليون دولار أمريكي، وقبل سنوات أعلن البنك الإسلامي للتنمية عن تقديم تمويلات لموريتانيا تصل إلى سبعمائة مليون دولار لدعم جهود التنمية.
وتتنوع الاستثمارات السعودية في موريتانيا، لتشمل قطاع المعادن في الشمال، إلى قطاع الصيد في الغرب على ضفاف المحيط الأطلسي، والتنمية الحيوانية في الشرق حيث السهول الممتدة في الأفق، والزراعة في الجنوب حيث نهر السنغال وضفافه ذات التربة الخصبة.
ولعلي هنا سأضرب لك المثال بمشروع استصلاح بحيرة «اركيز» في أقصى الجنوب الغربي لموريتانيا، والذي ضخت فيه المملكة العربية السعودية مبلغ 38 مليون دولار، وهو اليوم شارف على الانتهاء، وينتظره أكثر من مائة ألف نسمة، لأنه سيغير من حياتهم نحو الأفضل حين تتاح لهم فرصة زراعة مساحات شاسعة تزيد على 3500 هكتار، وتشير بعض التقارير إلى أن هذا المشروع سيتحول إلى سلة غذاء موريتانيا وشبه المنطقة.
قد يتساءل أحدهم عن علاقة هذا بموضوع المؤتمر، لأرد عليه بأن محاربة الفقر والحد من الجوع والجهل، هي الخطوات الأولى نحو الحد من انتشار الغلو والتطرف، وقد عودتنا المملكة العربية السعودية على جهودها الكبيرة وبصماتها الواضحة في مجال المساعدة والإغاثة والاستثمار.. إنها خصلة تعودنا عليها وستظل باقية إلى ما شاء الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته !