ورشـة حـول: إشكالات الثقافـة في موريتانيا وآفاقها المستقبليـة

أربعاء, 09/08/2017 - 17:13

تقـريـر

عقد منتـدى الأواصـر ورشة مناقشـة (Focus Group) بعنوان " إشكالات الثقافـة في موريتانيا وآفاقها المستقبليـة"؛ مساء الاثنيـن الموافق لـ17 يوليو2017 بفندق ايمان وسط ولايـة انواكشوط الغربية.

تأتي هذه الحلقة التفكيريـة في إطار جلسات شهرية من ورش للتفكير يتوقع أن يشارك فيها 360 شخصا من قادة الرأي والفكـر من مختلف الأجناس والعناصر والمكونات واللغات والجهات والأعمار والاهتمامات، حيث يناقش من خلالها أصحاب المصلحـة المواضيع الأكثـر الحاحا وارتباطا بالمجتمـع. وانعقدت ورشة "إشكالات الثقافـة في موريتانيا وآفاقها المستقبليـة" بحضـور العـديد من النشطاء والخبراء بالإضافة الى باحثين بارزين على المستوى الوطنـي والدولي، ومن بين المشاركين :

الصحفية هندو عينينا؛ (وزيرة الثقافة السابقة) والاستاذة السنية سيدي هيبـة؛ (وزيـرة المرأة الأسبق)، والأستاذ ابراهيم عبد الله؛ (رئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم السابق -كاتب وصحافي)، ومحمـد سالم الداه؛ (نقيب الصحفـيين الموريتانيين)؛ وعثمان بيجـل (كاتب وشاعـر)، ومحمـد عالي بلال (رئيس مركز ترانيم)؛ أحمد ولد آبه (اتحاد الفنانين الموريتانيين) وندى المنى (ناشطة جمعوية) وابراهيـم يماني (مدرب التنمية الذاتية ومدون)، محمـد فال عميـر (اعلامي وكاتب) ابو العباس برهام (استاذ وكاتب)؛ الدكتور أحمد حبيبي (استاذ وباحث)؛ سيـدينا سيداتـي (باحث، نائب رئيس المركز العربي للتربيـة والديمقراطيـة بتونس)، محمـد محفـوظ (استاذ وناشط حقـوقي)؛ محمـد سالم الشيخ (باحث وصحفي).

واعتذر عن الحضـور لأسباب مختلفة السادة : عبد الله ممدو با (كاتب وموظف دولي)، خليلو جاكانا (صحفـي وكاتب)؛ وعزيـزة البرناوي (رئيسة مركز الثقافة الشعبية)؛ محمـد فال سيدي ميلـة (هيئة الساحل).

فيما غابت عن النقاش الشخصيات التاليـة : الأستاذ الحسين مدو (استاذ جامعي واعلامي)؛ حبيب الله الحسن (استاذ جامعي)، محمد الامين احظانا (رئيس اتحاد الكتاب والادباء الموريتانيين)؛ حبصـة بوكوم (ناقـدة فنية)؛ الشيخ سيدي عبد الله (استاذ جامعي وشاعر)؛ كامرا جاجي (الفضاء الثقافي كامرا جاجي)، بابـي صـار (الكونسرفتوار ميسيكال)، التقـي عبد الحي (مخرج مسرحي، المسرح المدرسي)؛ الشيـخ جاكيتي سك (شاعر وعضو المجلس الاعلى للشباب)؛ سلامـة بلال (ممثلة ومسرحية) مولزا (مهرجان السلام عليكم) وممادو با (خبير)، وأحمد البو (شاعر واعلامي).

مثَل منتـدى الأواصـر الأستاذ عبيـد إميجن بصفته رئيسا للمنتـدى، والأستـاذ الدكتور التقـي محمـد، عضـو المكتب التنفيذي، والاستاذ يعقوب السالك؛ عضـو المكتب التنفيذي، فيما أدار الورشـة الاستاذ والفنان التشكيلي خالـد مولاي إدريس؛ عضو المكتب التنفيذي لمنتدى الأواصـر.

تعرضت الورشة باستفاضة لتعاريف الثقافـة كإشكالية ومكانة القيـم الثقافية داخل المجتمعات المحليـة والتحديات التي تواجهها المجتمعات المعاصـرة و ما تشهده مكوناتها من تحولات واحداث كفيلة بالتأثيــر على تركيبتها السياسية والسوسيو-ثقافية؛ فضـلا عـن التطورات على مستوى الفكر العالمـي ما بعـد هبوب العولمة ورياحها العاتية؛ وقد تمحـور النقاش حول القضايا التالية :

1. الثقافـة كإشكال تعبيري : لاحـظ المشاركـون أنه بالرغـم مما تشهده المجتمعات المعاصرة من تحديات أملتها التحوّلات الاجتماعية والقيمية عقب الانهيارات الأيديولوجية التي أصابت العديد من الأفكار والمشاريع، وما رافق ذلك من طفرات معرفيـة وشعارات حداثيـة، و ثورات علمية وتقنية ومعلوماتية فإن الخطاب الثقافي بموريتانيا لا يزال "جامـدا" أو "متحينا" دون تكيـف ايجابي مع مقتضيات عــالم اليـوم وأدواته. ورأى المتدخلون أن المثقف الموريتاني يقف مكتوف الأيدي أمام الثقافات الوافـدة دون تفاعل ايجابـي أو تلاقـح يحـول دون الجمـود وتوهـم الفرادة. ونـوه المتحدثون بالمحـاولات الجسورة التي حاولت الاضطلاع بها نخبـة جســورة من الكتاب والساسـة في أواسـط سبعينيات القرن العشرين. 

وأعاد المشاركـون تزايد الانغـلاق والخوف المستشري بين المجموعات من بعضها البعض الـى انتشـار ثقـافـة المكابرة وتبجيل الذات والثبات على الخطأ والتستر على الآفات والهروب من المحاسبة، فضلا عن القفز فوق الوقائع والخوف من المتغيّرات والتعاطي مع المستجدات بالقديم المستهلك، والـى تفشي الوعي الأصولي، النقلي، الذي يحاول أن يشد حياتنا إلى الوراء، ولا يزال هذا النمط هـو المحدد الأساسي للتفكيـر واشكال التعبير والذائقة، كما أكـد المشاركـون على ان العقلية التقليدية الشعاراتية العقيمة وغير المنتجة هـي مـن يحدد في الوقت الراهـن بوصلة المشورة والرأي والفكـر، مؤكدين على أن ذلك يعـد خطرا على حرية الابداع والانتاج الفكري.

2. اللغـة كإشكال عرقـي وثقافي: تم التشديـد على كون المجتمع الموريتانـي ينحو منحى التنوع الثقافي حيث تعدد اللغات واللهجات والعادات، وهذا بطبيعة الحال يظهـر رغبة الناس الـى إبراز وتـأكيـد التمايز فيما بينهم الى جانب الاختلاف والتنوع، وفي هـذا السياق أرجع بعض المتحدثيـن  تفجـر أزمـة الهويـة، منـذ 1966 الـى تزايـد الرغبـة في البحث عن الجذور كما هو الحال مع المكانة التي يوليها الجميع لحماية الخصوصيات الثقافية بما في ذلك اللغـة كوسيلة تعبير عـن الهويات المختلفة، وهـو المجال الذي فجـر خلال الحقب الماضيـة نزعات التعصب القومي. واعاد مشاركـون ذلك إلى عدم شمولية السياسات الثقافية، وضعف الصناعات الثقافية، وسيادة الإعلام السطحي وتخلف برامج التهذيب والتعليـم وانتشار الأميـة، كلها عوامـل اعاد اليها المتدخلون الغياب الملاحظ لأي رؤيـة وطنية حـول فتح الأبواب امام اللغات الوطنية و تطـويرها. و ضرب لذلك أمثلة، فالْحَسَانِيَةٌ بات أغلب نتاجاتها مسجلا لدى اليُونيسْكو باسم دول الجوار الاقليمي والبولاريـة التي اضحت لغة تواصل عالميـة جرى اهمال أثرها الادبي والاجتماعي محليا، كما تم انهاء مهام المكتب الجامعي لتدريس اللغات الوطنية، وساعـدت الإصلاحات التربوية غير المدروسـة فـي تشجيع القطيعة الثقافية واللسانية بين الأجيال الشابـة. ورأى المشاركـون أن اللغـة العربيـة التـي هي اللغـة الرسميـة للبلاد تبقـى بحاجـة لبلورة سياسة تربويـة تخدم تدريسها لغير الناطقين بها داخل الاوساط الاجتماعية الموريتانيـة، دون إهمال للغات الوطنية (البولاريـة، السوننكية والولفية) التي يجب أن تدرس في المدارس الابتدائية على الأقل.

3. غياب القدوة : رأي البعض أننا لم نحسن الخروج من عجزنا وقصورنا وتذمـرنا واستيلابنا بسبب غياب القدوة والمثل الحسـن داخل العديـد من الأوساط الأدبية والفكرية والحركية والنضالية، وفي هذا السياق، شــدد المتحدثون الى اهمية ابعاد القدوة الحسنة في المشاريع الوطنية الجامعة والتي يؤمـل أن تسفر عن حلول مفيدة ومبتكرة تراعـي خصوصيات الشعب الموريتاني.

4. وسجل متحدثـون أن ظاهـرة الْكَدْحَة كانت بمثابـة باكـورة نضاليـة تستوجب الاعتراف باعتبار بناء المشاريع الوطنية يفرض الاعتراف بالتراكمات والمنجزات للحركات المدنيـة، خاصـة اذا اعتبرنا أن مسيرة التحول الاجتماعي تبقى بطيئة جـدا ومركز الهيمنة عنيـد ورافض لأي تحول قـد يحقق العدالة والمساواة والديمقراطية بين الافراد وداخل الاوساط الاجتماعية.

5. بدلا من الاستفادة من القيم الانسانية والتضامنية للثقافة الاسلامية باعتبارها الحاضن للتنـوع جرى تعميـم خطابات غيـر متسقة مع التسامح ولا تتماشـى مع إرادة الانسان الموريتاني لتحقيق المساواة والعدالـة ولا مع التوجهات المشروعة لبناء دولة الحق والقانون التـي تجمع مواطنيها المسلمين في عقـد اجتماعي يعيد صياغة تأويل ثوابت المجتمع في الاجتماع والأخلاق والسياسة والاقتصاد. وحض المشاركون على ضرورة خلق تيــار يضـم رجال الدين غير المتزمتين لكشف خطورة تفاسير المصنفات المتداولة والمنافيـة لسماحة الاسلام وجوهـر رسالته. وأضاف متدخلون أنه من الضروري دراسة النص الديني في اطواره و وثوقيته تجاه المواقع الاجتماعية والعمل على تفكيكه وكشـف مواقـع الخلل التي استغلت نصوصها لتكريس الوضاعة لدى اوساط معينة كلًحْرَاطِينْ و كلُمْعَلْمِينْ وغيرهم.

6. وبشأن تحديات الهويات الفرعيـة أو ما سماه أحد الباحثين المشاركين بتحديات ظاهرة التشظي حيث اكتشفت المكونات الموريتانية هوياتها الفرعيـة وهـو ما يثيـر العديد من التساؤلات بشأن مطلب التعايش الذي لا يمكنه أن يتحقق سوى بالقبول والاعتراف والتعارف وتمكين كل مكونـة من تحقيق ذاتها والتعبير عن خصوصيتها الثقافية والاجتماعية، باعتبار التنوع يظل مصدر ثراء. وفي هـذا السياق أورد متدخلون العديـد من الملاحظات المتعلقة بهيمنة ثقافـة معينة وتغييب ثقافات وطنية أصيلة، فالْمَـدْحُ وبنجه اللذان يعدان من تراث مكونة العبيد والعبيد السابقين (لحْراطِينْ) يفتقـد القائمون على مواسمها للرعايـة والتشجيع بينما يجري التبويب في ميزانية الدولـة السنوية على مواسـم الشعـر والرمايـة بالذخيرة الحيـة، دون تفكير في عواقب تهميش الثقافات الشعبية الثرية والغنية بالمعاني.

7. وبشأن التراكمات النمطية التي أفرزها التاريخ السياسي والاجتماعي المعاصـر فقـد رغب المشاركـون بإعادة النظـر فيها على المستويات المدرسيـة والمحظريـة في خطوة أولية. وأعتبر أن هيمنة القيم الثقافية العتيقة والمؤسسـة على توزيع الأدوار الوظيفية بين المجموعات له الأثر البالغ في افراغ أي تحـول مـن محتـواه الايجابي.

في أواسط سبعينيات القرن العشرين تم وأد تجربـة انجزها شبان لا ينتمون لفئة ايگاوَنْ، كانوا ينشطـون في مجالات الأوركسترا الوطنيـة والموسيقى المعاصرة ومناشط فنيـة أخرى دون ايلاء الاهتمام للفنون الشعبية أو تطوير الفـنون وتدريسها وتقريبها من أصحاب المواهب والمبدعين خلال العقود الأربعة الأخيرة.

8. في ظـل التحدث عـن الخصوصيات الثقافية والانقسام الحـاد تجـاه القراءات التاريخية والثقافية وما يراه البعض حيفا ثقافيا يطـال أدواره التاريخية ومكانته المعاصـرة كمكون مستقل دعا المشاركـون الى ضرورة تدوين التراث والقيـم الشفهية وتقييـد مميزات الفرادة الحضاريـة، وأكـد المشــاركون على ضرورة التحلي باليقظـة والتفريق بيـن محتوى خطابات السياسيين الذي غالبا ما يسقط مروجوها في الانشائية والانطباعية غير المدركة العواقب، وطالبوا بضبط وتسجيل وتدوين الثقافات غير العالمة والشفاهية لمكونة لحْرَاطِينْ أساسا.

9. وأوصى المشاركون في الورشـة بضرورة احترام التنوع الثقافـي و إلى تضميـن أي سياسـة ثقافية جانب التمييز الايجابي لفائـدة حملة الثقافات المغيبة من الطبقات الاجتماعية المغبونة والى توظيف الثقافة لحماية المرأة والعمل على تمكينها ثقافيا وسياسيا دون اهمال للفئات الاجتماعية الهشـة بما في ذلك الشباب والتلاميذ.

10. وأوصـى متحدثـون بإلحـاح الى ضرورة اطلاق حملة مناصرة (Plaidoyer) من شأنها دفـع الجهات الرسمية والتنفيذية لتطبيق قانون الملكية الفكريـة.

11. و أوصـى المشاركـون بضرورة تكفل الدولـة والخواص الوطنيون بإنشاء متحف يضــم الفلكلور الشعبي ومظاهر حيـاة البدو والتـراث بما فــي ذلك الثقافات واللغات المندثـرة. 

12. اتفق المشاركون على ضرورة التعاطي مع قضية الهوية باعتبارها وعاءً تفاعليا بغض النظر عـن الأوزان النسبية لكل عنصر أو مكون، وأنه لابد من تجاوز الصراع المفتعل بين العروبة والأفرقـة في موريتانيا، من خلال الإفساح للمكونات الموريتانية للتعبير عن ذاتها ومحددات هويتها الحضارية وتطوير الثقافات الوطنية بصفة ذلك يعـد المدخل الكبير لانخراط جميع المواطنين في مشروع بناء الدولة الوطنية المتنوعـة في ظل الوحدة.

 

تجدر الإشارة إلى أن ورش العمل هذه تأتي في إطار خطـة عمـل منتـدى الأواصـر والتـي تتضمـن العديـد من الأنشطـة الفكرية والبحثيـة والجماهيـريـة علـى مدى عام كامل (يونيو 2017- مايو2018) حيث ينتظـر اختتام الأنشطـة بعقـد اكبـر منتـدى شعبـي سنوي داعـم للتكامل المجتمعي الذي سيقـوده  منتدى الأواصـر وشركاءه بهدف الاعلان عن القطيعـة مع السلبيات المجتمعية واعلان البدائل المعقولة والممكن تحقيقها على مستوى الأفراد و المؤسسات والدولـة.

 

أنواكشـوط بتاريـخ 20/07/2017

فريق المنتدى

تصفح أيضا...