حول خطاب أبي تلميت:
لم أكن أرغب إطلاقا في تناول هذا الموضوع لمعرفتي العميقة بما فيه من افتعال وتشنيع وقف وراءه خصوم حاولوا أن يذهبو به إلى أبعد مدى فجورا في الخصومة وترديا في مستويات وأساليب المنازلة السياسية.
وتحت إلحاح من إخوة وأصدقاء وجدت نفسي مضطرا للاذعان وتقديم نص الخطاب الحقيقي أو فقرته موضوع هذه التدوينة دون تقطيع أوتحريف، وكذلك توضيح لمن يحتاجه،
أولا: رغم أن الخطاب مطبوع بطابعه المهرجاني إلا أنه في جوهره وفي هذه الفقرة بالذات كان مقارنة بين أنظمة (وليس أشخاص)، أنظمة في نظرنا لم تُطعم من جوع ولم تؤمن من خوف، ونظام استطاع أن يحقق معادلة التنمية والامن فأطعم من جوع وأمن من خوف(في نظرنا وقتها طبعا).
ثانيا: التعبير بأسلوب ولغة القرآن في أحاديثنا واستخداماتنا اليومية هو أمر مطلوب ومرغوب ويستعصي على محاولات عقول تريد للقرآن لغة وأحكاما أن يبقى أسير نخب بعينها، بينما الله أنزله "للناس" ليسكُن عقولهم ويسريَ على ألسنتهم ويجَّسد في واقعهم ممارسة وسلوكا، واحد مسالك النجاة لهم غدا من شهادته - صلى الله عليه و آله - : " يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا".
ثالثا: قد نختلف سياسيا في مدى مطابقة الوصف للواقع وهو أمر جد وارد بحكم نسبية الأشياء عامة، إلا أن طرح الموضوع طرحا دينيا عقديا غير وارد بالمرة، والذين حاولوا ذلك لم يكونوا بحال من الأحوال أهل علم، ولا تخفى إطلاقا دوافعهم السياسية التي حركتهم هنا أو هناك .
ولعلكم إخوتي الكرام تدركون أن حركة التكفير في تاريخ المسلمين مطلقا لم تكن في يوم من الأيام حركة دينية وإن حاولت أن تلبس لبوسه، بل كانت حركة سياسية بامتياز وفي كل مراحل تاريخنا ظلت مرتبطة بالصراع على السلطة إذ ظل التكفير أمضى أسلحة هذا الصراع وأكثرها تأثيرا على القاعدة العريضة من العوام، ولئن بدأ ذلك يتقلص حديثا فبفضل ارتفاع مستويات الوعي لدى هذه القواعد وانتشار التعليم فيها نسبيا، غير أنه لايستساغ ممارسته بالمطلق بين من اختاروا الديموقراطية منهجا وآلية تداول، إذ يعد ذلك كفرانا بالديموقراطية واستخداما لأسلحة من خارج منظومتها، وممارسة لوصاية تأباها قواعد التنافس السليم.
رابعا: يدرك الجميع أن موضوع الصفات الإلهية هو موضوع كلامي انقسم المسلمون بشأنه مذاهب وطوائف تباين بعضها وتداخل، ولم يكن في يوم من الايام موضوع إجماع حتى داخل المدرسة الواحدة، ودون أن أدخل بكم إلى مواضيع ذلك الخلاف على تعقيدها تاريخيا وبساطتها بالنسبة لنا اليوم، إلا أنني أجزم بأن ما أطلقوا عليه "الصفات المتعلقة بالافعال" يمكن إطلاقه على كل موصوف أيا يكن، إلا إذا كان غير جدير بالصفة عقلا أوعرفا، ولم يقل أحد من أهل العلم بخلافه.
خامسا: كما سبقت الإشارة إليه فالاطعام من الجوع والتأمين من الخوف هي المهمة الاولى للأنظمة والحكام حتى أن عديد العلماء يرونها سابقة على العدل الذي هو جوهر الدين وغاية قيام الدولة والسلطان.
إذ ماذا تنتظرون من نظام أو رئيس لا يطعم من جوع ولا يؤمن من خوف؟.