هوامش على المتن / اكتانة ولد النقرة

أربعاء, 15/01/2020 - 00:19

تابعت مثل غيري النقاش البناء الذي دار الأيام الماضية إثر نشر أوراق وتدوينات لبعض شيوخنا الأجلاء على مايمكن اعتباره أرضية إسلامية خالصة(بالمفهوم السياسي )،وبرغم تاخر هذه الملاحظات المتواضعة عن وقت الحاجة إليها-ربما- بسبب عطل مؤقت في الهاتف ،أجد من المفيد لإستكمال الصورة في بعض حوانب النقاش استكمال نشرها،لارغبة في بعثها جذعة،بقدر ماهي الرغبة في إيلاء الموضوع مايستحقه من أهمية استثنائية،فكانت هذه الهوامش على المتون الرصينة للشيوخ الأجلاء والأساتذة الفضلاء
.
1_لا أخال عملا من أعمال البشر يمكن أن يستغني عن التسديد والترشيد أو يتحامى أصحابه النصح والتوجيه سيما ماتزيا منها بلبوس الاسلام ونهل منه شرعيته ومبررات وجوده ، قياما على ثغر يرجو أن لا يؤتى الناس من قبله،غير أن الواجب المتفرع عن الحاجة إلى النصح والترشيد ماينبغي أن يعود بالنقض على الأصل مسحا،مايحاشي سوقا من عنق،فتقلب الطاولة بجميع ما عليها على جميع الجالسين.
2-أن لا يجد الشيخ المعلم وأستاذ الجيل الملهم ،فضاء ارحم بنا وأدفئ لهم (بلغة قريش لا طيئ) من الفضاء العام للجهر بما كان حقه المخافتة من القول المعروف، فلا أجد لتلك النازلة من تخريج على مذهب مدرسة أهل الرأي ،غير تأويلين (يستوي في احتمالهما الأقرب مع الأبعد) :
-إما أننا بحمد الله متقدمون جدا على الجيران من الرفاق والخلطاء وماكان لهم إلا التأسي مقام التشفي،فقد قدم لهم الإسلاميون درسا راقيا في الحوار وحيوية الديناميكيات الداخلية،استجمع الفكر والخطابة وأدب الحجاج من أطرافه .
-وإما أننا بعد الاستخارة استودعنا الله أهل بيتنا الداخلي بعدما وكلناهم إلى إيمانهم وماعهدنا من حسن اصطبارهم وقدرتهم على إعادة ترتيب أثاثهم ونقض الغبار عنه،وإعادته لسابق رونقه كلما أقتضى الأمر ذلك.
3-حديث شيخنا مزيد عن العاملين في ميدان العمل الحقوقي من بنيه الإسلاميين إن هو إلا حديث الأب المشفق -جل قدره- عن الإتهام في المرامي أو ولع المشفق بسوء الظن ،وإن أطلق وخصص حيث كان ينبغي التقييد والتعميم وفصل وصرح حيث يغني الإجمال والتلميح ،وإن تشابهت عربات القوم وسفنهم في أقيسة الشيخ مع تداخل المضامير والمرافئ وضاعت بعض المعالم في اختلاط اللجاح بالعجاج، فماتخطئ العين عند التدقيق سمت عربتنا الذلول بشيتها وغرر ركابها وعجلات دفعها المحجلة وأشرعتها المفردة وهي بعد مسلمة من الإتهام في النيات أو التشكيك في المقاصد وإن التجت أحيانا فاضطرها الجنوح إلى الرسو على غير مرساها ،ففي معركة الدفاع عن الحريات العامة واستخلاص الحقوق المضيعة،قد يتبادل رفاق الدرب المواقع والأدوار لكن ذلك لايعني بالضرورة تماهي الخطوط والخنادق الفكرية وتسليف المواقف والمنطلقات المبدئية.
4-. لا أستسيغ في أعراف الحوار في قضايا الرأي والهم العام التي يكثر بشأنها الإختلاف وتعدد الفهوم ،تحفز البعض ومسعاه جاهدا لتحويل هذا الموضوع و التداول فيه لمايشبه “التابو” أو المقدس، الذي يصبح مجرد التفكير في الإقتراب من حقله الملغوم محرما من المحرمات؛ 
لاخلاف أيها الإخوة في قدسية الحقوق من حيث هي معصومة مصونة ،لاتستحل إلا بحقها ،لكن اجتهاداتنا في رد المسلوب منها لأصحابها و تكييف ذلك كله جلبا للمصالح أو درءا للمتوقع من المفاسد يظل محض اجتهاد يدور على قاعدة الخطأ والصواب والمصلحة والمفسدة فانزعوا القدسية عن اجتهاداتكم-رجاء-حتى يمكننا التحاور جميعا على أرضية متكافئة من النسبية ،لا فرض فيها ولا إلغاء ولا إشهار لسلاح التوقيع الحصري باسم الإسلام ورؤية الإسلام ومصلحة الإسلام،مادام الأمر بشريا في دائرة الظن والاجتهاد دون القطع والإعتقاد،ومن ثم تنعدم الوجاهة في توظيفه كسلاح ضرب إيديولوجي بين أطراف يفترض أنها (وهي كذلك باعتقادي) تصدر جميعا عن ذات المرجعية الإسلامية الواحدة .
5- اخشى ما أخشاه في فورة”التلاغي” تلك وشد الأطراف وتحسس “القبضة الفكرية “،ضياع الموقف المتوازن والنظرة الوازنة للمآلات ،بين غال في هذا الأمر يكاد يتخذ منه عقيدة يوالي على قسيمها ويعادي،فيجعل الاجتهادات التي هي بطبعها وسيلية بمنزلة الغايات التي هي تعبدية ،وهو خلل علمي ببن على مستوى الفهم و التصور يستتبع أعطاب منهحية فادحة على صعيد الخطاب والممارسة مايحول دون الوصول إلى ما نصبو إليه جميعا من قيام جدل مجتمعي خلاق يتجاوز حالة القلق والإستغلاق القائمة ؛ومن تبعات ذلك الفهم المشوه تصنيف جل المخالفين في الاجتهاد،إن يكن رسوخ اقدامهم في العلم أو سابقتهم في الدعوة أوفقههم في الشأن العام، في خانة أولاد لخيام …وهو تعبير مجازي ملطف مخفف يقابل في التكييف الشرعي مصطلح اصحاب “اللوثات الجاهلية”.
وفي مقابل أولئك جفاة عنه ممن لم يرفعوا به رأسا او توطئ منهم الأكناف فيقفوا لله موقفا يحمده لهم ،وماتمعر لأحدهم وجه قط غضبا لله من ظلم حاق بإخوان له في الملة والوطن ولكأني به ما مر بمسمعه قط قول الرحمة المهداة :” لا يَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ مَوْقِفًا يُقْتَلُ فِيهِ رَجُلٌ ظُلْمًا، فَإِنَّ اللعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ حَضَرَ حِينَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ، وَلا يَقِفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَوْقِفًا يُضْرَبُ فِيهِ أَحَدٌ ظُلْمًا، فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ حِينَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ”(البيهقي في الشعب).
كم أخشى على أمثال هؤلاء في دأبهم في التطاول على أولئك ،ماخشيه النبي صلى الله عليه وسلم على الصديق رضي الله عنه من مغبة إغاظة بعض أصحابه: فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو: ” أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، أَتَى عَلَى سَلْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ فقالوا والله ما أخذت سُيُوفُ اللهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا ،فقال أبوبكر: أتقولون هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ ؟ قَالُوا: لَا ؛ يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أُخِي ” .
6- ليس من الموضوعية والصدق مع الذات في نظري التطرق للمسألة الثقافية في هذا البلد وفي القلب منها اللغة باعتبارها وعاء الثقافة ومكتنز تاريخ الأمة ، بمعزل عن الجدل المعرفي المتعلق بقضية الهوية الوطنية ،وهو تبسيط شديد كي لا أقول تسطيحا يهبط بمستوى النقاش كثيرا -ربما-بفعل ضغط فلسفة المكان ،ما أريد لفت الإنتباه إليه في هذا السياق-وباعتقادي أن الشيوخ الأفاضل قد حسبوا له حسابه -هو ضرورة الحذر من الدفع بالقضية ومحاولة إخراجها من دائرة التدافع الثقافي المقبول في حدود المحافظة على الهوية الجامعة واحترام الخصوصيات المثرية، إلى بؤرة الصراع الإثني المتلون بالولاءات الفرعية المتحزبة والمتوثبة في آن معا للتخندق خلف أكثر من راية أو بيرق، مايحتم علينا استظهار دروس التاريخ ،فإذا كانت عدالة قضية “اللغة العربية” قد تضررت قديما جراء الطريقة الخاطئة التي عرضها بها محاموها الفاشلون حينها،فإن الطريقة التي تقدم بها “الفرنسية” اليوم وكأنها لغة وطنية عديل للعربية ،تضر وستضر مستقبلا بعدالة قضية الناطقين بها والمتكونين ،فأنا على خلاف البعض لا أعتبر الفرنسية حزام أمان للهوية الثقافية للناطقين بها من أبناء بلدنا ولا هي في نظري غنيمة حرب (مثلما كان ينظر إليها المرحوم نحناح ) ،بل هي في المحصلة خطر داهم على تلك الهويات الفرعية وخصوصياتها الثقافية ،ومن المعلوم تاريخيا ان تيار “الزنوجة ” الإفريقي مثلا ،قد جاء كردة فعل من النخبة الإفريقية المثقفة على ما اعتبرته محاولة استلاب ثقافي يمارسه الغرب بالدرجة الأولى ضد الفرد الإفريقي غير المحصن ثقافيا،فلمصلحة من يجري تدويرها اليوم لتصبح فجأة الحاضنة الدافئة ودائرة الأمان في وجه زحف تسونامي ثقافي قادم من وراء البحار،في مشهد سريالي باهت يمثل فيه الجلاد دور الضحية.

تصفح أيضا...