يوم 28 نوفمبر 1960 في روصو، وصلتُ مدينة روصو في اكتوبر 1960 على متْن سفينة اسمها: “ابنُ المقداد"…سفينة في غاية الجمال و الأناقة و الفخامة. سفينةٌ ضخمة من 3 أو 4 طوابق ..مُجهّزة لنقل البضائع والركاب..و استغرق سفرنا 3 ليالي من كيهيدي الى روصو…و للعلم ، هناك سفنٌ أخرى مثل “كرمور” و “سولاك” تمارس النقل على نفس الخط النهري ، و لكنّ “ابنُ المقداد” هي الأفضل و الأجمل…إذْ كانت تُوفر للركاب كلّ وسائل الراحة…كنّا نتجول داخلها ، و نضع المغراج على النار ، و نكسرُ سكر “النمر” أو “التلجي” ، و نشربُ الأتاي ب”المفتول” الأخضر ، و نطبخ ، و نلعب ، و نمارس الرياضة ، و ننامُ مرتاحين..و كانت “ابْنُ المقداد” تطلقُ صفارات موسيقية رائعة عند دخولها أو خروجها من كلّ مدينة أو محطة…مُعلنة لنا عن أخبار الرحلة..
وجدتُ روصو…مدينة كبيرة جدا و جميلة حقا…لا مقارنة بينها وبين القرى التي مررتُ بها من قبل [ ألاك ، بوكي ، كيهيدي ، امبود ، سيلبابي..] مع أن النمط المعماري المُعتمد على طول النهر متشابهٌ جدا…دورٌ من الاسمنت المُسلح مُسقفة بصحائف حمراء ، ربما للتأقلم مع ظروف الطقس و المناخ في “شمامه” ، حيثُ الحرارة ، و الرطوبة ، و الأمطار…و فور وصولنا روصو ، ركبتُ “حافلة ليسه” [“ت45 “] مع السائق "سيدبي" (Sidibé) مملوءة بالركاب…و كان الشبابُ يلعبون و يمرحون في جو من الحماس و الحيوية و الصخب أعطاني فكرة عن المدرسة…لم تأخذ الرحلة سوى 10د. لأن الثانوية لا تبعد عن المدينة إلاّ 7 كم تقريبا…
10 دقائق فقط، و وطأتْ قدماي أرض ” ليسه اكزافيي كبولاني”!؟ كان الجو باردا و رطبا. و العمارات شاهقة [معظمها من طابقين] ، و منسجمة مع بعضها البعض ، بيضاء و نظيفة . و الطرق معبدة ، و الماء في الحنفيات ، و شبكات الصرف الصحّي موجودة ، و الكهرباء لا تنقطع…و الفصول مجهزة بأحسن المقاعد و الطاولات ، و الملاعب متعددة ، هنا ملعب لكرة القدم ، و هناك كرة السلة ، و الطائرة ، وقاعة سينما ، و أخرى للأنشطة الثقافية ، و ألعاب القوى..
و فور وصولنا الى المدرسة ، شرعنا في تحضير الاحتفال بعيد الاستقلال بحماس و حيوية و إخلاص…كانت قيادة الأمور بيد فارس و مهندس ذلك الاحتفال السيد محمد المصطفى ولد الشيخ محمدو (وهو من أعيان مدينة ألاك ومن أبرز كوادر لبراكنه والوطن عموما) أطال الله في عمره، وكان يومها في السنة 4 من الاعدادية . قام بتشكيل فريق من 12 تلميذ؛ و كان لي الشرف أنْ أكون عُضوا في ذلك الفريق …و بعد أسبوعين من التدريب المكثّف ، حضرنا يوم 28 نوفمبر 1960 على الساعة 9 صباحا في زيّ موحّد و أنيق ، و أخذنا مكاننا أمام مبنى الادارة و من حولنا صفوف التلاميذ…بدأ رفع العلم الوطني في جو منقطع النظير…ثم أعطانا المصطفى اشارة البدء …فقام فريقنا بتلحين نشيدين . الأول بعنوان :
[ تعالوا حان الوفاء ، شباب موريتانيا…]..و نسيتُ كلماته ، مع الأسف.
و الثاني ، هو :
إلى العلا إلى العلا
إلى العلا بنى الوطن
إلى العلا كل فتاة و فتى
إلى العلا فى كل جيل و زمن
فلن يموت مجدنا ، كلا ، و لن.
ثُمّ صعد المصطفى على منصة كبيرة أعدّت للمناسبة ، و ألقى كلمته وسط تصفيق حار و هتافات جموع الحاضرين…كان خطابه جميلا و أحفظ حتى الآن فقرات منه … ربما لشدّة التأثر باللحظة… و عند انتهاء الحفل ، غادرنا مُسرعين باتجاه المدين.