خطوط على الرمال: علي ولد محمد فال …لن أتحدث في المهم
تجتاحني رغبة جامحة في الكتابة وسط أجواء رحيل “الرجل” علي ولد محمد فال، لكنني أعرفني حينما أكتب متأثرا.. وأعرف أني في هذه الحالة سأُعمل “معزفي” في “الموت” و”الحياة” و في “الأموات” و “الأحياء”.. ولذا آثرت كبح ما يجيش بنفسي…
سأترك الآخرين يكتبون عن البدائل المتاحة بعد رحيله.. عن “حظ موريتانيا” .. عن “الهشاشة” والحاجة إلى “القوي ذي الحكمة”.. عن ” التفكير المثالي” في الحاكم المطلوب، وعن “المتاح والمرحلي”.. سأتركهم يحاكمون “رجل ظل”، وحُكْمَ عامين.. سأتركهم يختلفون، ويتفقون في أمر واحد هو أن الرجل طوى معه ذاكرة بلد، ومعرفة كاملة بالمجتمع وخصوصياته ضروري أن يترجمها الحاكم في سلوك سياسي.
بعد هذه الفقرة لم يبق لي إلا الغوص أو الابتعاد…. سأبتعد…..
سأبتعد ، وأجلس في خيمة كبيرة في مدينة النعمه تتقاذفها الرياح قرب سكن الوالي بها ضباط ومستشارون ومديرون وسائقون. وكان معنا أيضا وزير أول سابق هو الشيخ العافية ولد محمد خونه..
من بين الموجودين قريب لي مستشار للرئيس علي ولد محمد فال.. بدا غاضبا يقول كلاما لا يقال مثل: لماذا يحتقروننا؟.. لن نقبل أن “نتْحاوصو الزلاليـﮔـ ” مع (… فئة من العمال لا أريد ذكرها).. حاولت إسكات قريبي لكنه كان واثقا مما يقول. كنت أخاف عليه الواشين من زملائه وغيرهم..
لم يهتم وخرج غاضبا من الخيمة.. تفاهم في ما يبدو مع حرس الرئيس، وكان يومها عنيفا في تعامله مع الوفد وغيره .. دخل .. وبعد قليل عاد إلينا ظافرا، فقد انزعج الرئيس كثيرا من “احتقار” أعضاء وفده وأصدر أوامر بأن يكونوا في بؤرة الاهتمام.. ومن وقتها فتح الله علينا..
قد لا يعرف كثيرون أن وفد الرئيس يموت جوعا ولا يجد أين ينام أحيانا.. هناك استثناءات من بعض الولاة ( ولا أعرف ما هي الحالة الآن)…
سأقيد نفسي أيضا عن كتابة المهم الذي لا ينبغي قوله الآن، بحادثة أخرى في الجولة نفسها:
بسبب الارهاق الشديد سقطت مغشيا علي في نهاية كلمة حول الصحافة كنت ألقيها في مهرجان نظم للرئيس.. أمر طبيبه الخاص ( وقتها الكولونيل اميده) بالعناية بي، وكان على الوفد الرحيل إلى المرحلة الأخيرة في الجولة، وكان علي الانفصال عنه.. صدرت تعليمات إلى الوالي بإعطائي كل العناية. ومنذ سافر الرئيس والوالي والحاكم معي في مقر إقامتي حتى حملتني سيارة إسعاف إلى نواكشوط الليلة نفسها. وفي الصباح وجدت الأمين العام لوزارة الصحة في انتظاري مع تعليمات للمستشفى الوطني ومستشفى أمراض القلب بإجراء كل الفحوض والعلاجات الممكنة…. شعرت في ذلك اليوم أني مواطن، لا “هندي أحمر” كما هي الحال دائما.
ولِيفهَم الموريتانيون أن المواقف لا تبنى على الأمور الشخصية، كان من أفضال الرئيس الراحل عليَّ أني أعفيت في عهده من منصب مدير الصحافة والعلاقات الخارجية من دون سبب معروف.. ربما كان هناك من ينبغي تعيينه.. لا أبحث عن ذلك وليس مهما…
رحم الله رجل المرحلة التي لم تأت.. الرجل المثقف الخلوق العارف بدقائق مجتمعه.. العسكري الشهم الذي ترك السلطة طواعية