غرب أفريقيا.. الأرضية الخصبة لاستقبال شتات تنظيم داعش

أحد, 25/06/2017 - 18:35

العرب  [نُشر في 2017/06/21، العدد: 10670، ص(13)]

الحملة العالمية على الإرهاب والتي وجهت نيرانها بشكل رئيسي على معاقل تنظيم داعش في سوريا وفي العراق، جعلت التنظيم يبحث له عن ملاذات جديدة ومعاقل جديدة، وفي هذا الصدد تجمع القراءات المختصة في المبحث على أن أفريقيا تمثل الوجهة الأقرب لتنظيم داعش، لأسباب كثيرة متداخلة، أساسها وجود شبكة كثيفة من التنظيمات الإرهابية الصغيرة التي تدين بالولاء للتنظيم، أو لا تتناقض مع في الأدبيات والأفكار. في غرب أفريقيا وجود قديم للظاهرة التكفيرية، صحيح أنه لم يرتق لإنشاء تنظيم قوي إلا أن وجود العشرات من الحركات والجماعات الصغيرة يمكن أن يمثل أرضية ملائمة لاحتضان التنظيم الواقع في مرمى النيران في سوريا وفي العراق.

برزت الظاهرة الإرهابية في غرب أفريقيا مع مطلع الألفية الجديدة، في أعقاب الحوادث الإرهابية التي وقعت في منطقة الساحل الأفريقي عامة وأزواد على وجه الخصوص، وكان من أهمها اختطاف 32 سائحا أوروبيا في صيف عام 2003 في الصحراء الجزائرية من قبل الجماعة السلفية للدعوة والقتال الناشطة بالجزائر، والتّي ولدت من رحم الجماعة الإسلامية المسلحة سنة 1998 من قبل مؤسّسها حسان حطاب مع مجموعة ممن أخذوا على الجماعة الإسلامية منهجها التكفيري، وقد عيّن حطاب أميراً مؤقتا على الجماعة السلفية حتى أبريل 1999 تاريخ تولي عبدالمجيد ديشو المدعو أبومصعب قيادة التنظيم المسلح، وبعد مقتل ديشو في أغسطس من السنة نفسها، اعتلى حسان حطاب هرم القيادة وظل يتزعمها إلى غاية صيف 2003.

كان ذلك جراء الضغط الأمني والحصار العسكري الكبير الذي واجه الجماعة السلفية في الجزائر، فعملت على نقل نشاطاتها الإرهابية إلى منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى، وقد تلازم ذلك مع تغيير اسمها لتعرف تحت مسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تهدف إلى إقامة دولة إسلامية في المغرب العربي من المغرب حتى ليبيا، لذلك فهو التنظيم المسلح الأقدم في المنطقة والأكثر خبرة، وأيضا الأقدم في التواصل وإقامة العلاقات مع شيوخ القبائل هناك؛ إذ يرتبط التنظيم الذي يتزعمه أبومصعب عبدالودود (عبدالمالك دروكدال) بعلاقات متشابكة مع سكان المنطقة من الطوارق والعرب، ويحتفظ بعلاقات قوية معهم، وقد أرجع الباحث الأميركي جاك روسيليه هذا التحوّل في توجه الجماعة السلفية إلى أنه كان بدافع تحقيق مستوى جديد من التأثير وجلب الانتباه الدولي.

وتعتبر حركة التوحيد والجهاد إحدى أهم الحركات الإسلامية المسلحة التي تنشط بالمناطق الشمالية، أُعلن عنها في أكتوبر 2011، وهي حركة منبثقة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يتولى قيادتها سلطان ولد بادي (أحد شخصيات المجتمع العربي في أزواد)، وبمعيته الناشط الموريتاني السابق في القاعدة حماد ولد محمد الخير المكنّى أبوالقعقاع، وقد انضم للحركة عشرات المقاتلين من أبناء القبائل العربية في شمال مالي، لتصبح بذلك واجهة للتيار السلفي الجهادي في المجموعات العربية بأزواد.

تدعو الحركة إلى الجهاد في غرب أفريقيا، وتتمركز سيطرتها في مدينة غاو الواقعة على نهر النيجر في شمال شرقي مالي، وكانت تتقاسم السيطرة على المدينة مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد بعد طرد الجيش المالي منها، وقبل أن تطرد عناصر الحركة الأزوادية على خلفية صراع بين الطرفين استمر نحو شهرين.

في العام 2013 اندمج فصيلان من أنشط الفصائل الإسلامية المسلحة بشمالي مالي والصحراء الكبرى، هما حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا وجماعة الملثمون التي يتزعمها الجزائري مختار بلمختار الملقب بخالد أبوالعباس والشهير بكنيته “الأعور” لتشكيل جماعة المرابطون، وهي جماعة مسلحة تتبنَّى الفكر السلفي الجهادي.

وتعدّ الحركة الوطنية لتحرير أزواد واحدة من حركات عديدة ظهرت في العقود الماضية، حيث تأسست في 1 يناير 2010، وتتشكل بالأساس من توماستيين (نسبة إلى كلمة توماست وتعني القومية باللغة الطوارقية) وليبراليين ومستقلين وغيرهم.

وقد دمجت في صفوفها حركات تمرد يسيطر عليها متمردون سابقون من الطوارق، من أشهرهم إبراهيم أغ باهنغا- توفي في سبتمبر 2012 إثر حادث سير شمال مالي- وحاولت الحركة الجديدة أن تشرك بعض القيادات من العرب والسونغاي والفلان، ولكن قيادتها العسكرية بقيت في يد أحد أبرز زعماء الطوارق وهو محمد آغ ناجم، الذي عرف بأنه ضابط سابق في الجيش الليبي، وجندي مخلص للعقيد الراحل معمر القذافي، كما تضم في صفوفها المئات من المقاتلين العائدين من ليبيا، فضلا عن العشرات من الضّباط والجنود المنشقّين عن الجيش النّظامي في مالي.

لقد ظهرت حركات رئيسة أخرى إلى جانب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية وهي حركة أنصار الدين، التي تأسست في نوفمبر 2011 من قبل زعيم الطوارق المالي إياد أغ غالي، الذي كان يعمل على نشر الشريعة الإسلامية وتطبيقها على كامل التراب المالي، إذ يرفض بذلك تقسيم البلاد وانفصال الشمال المالي، إلا أن مطلب الحركة لم يدم طويلا؛ فقد تراجعت عن سعيها إلى فرض الشريعة في أنحاء البلاد كافة، لكنها طالبت بتطبيقها في معقلها الوحيد في مدينة كيدال بشمال البلاد.

والجدير بالذكر؛ أن هناك العديد من الجماعات الإسلامية المسلحة المنتشرة في غرب أفريقيا ترفع راية تنظيم داعش، وتؤيد فكرة مشروع الخلافة، ولكنها لا ترتبط ارتباطا مباشرا بالتنظيم الأصلي في العراق وسوريا. ومن بينها حركة التوحيد والجهاد، حركة أنصار الدين، وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.

داعش تنظيم يتبع التيار السلفي الجهادي يشجع على العنف باسم الدين. ويهدف- كما يزعم قادته وأعضاؤه- إلى إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة، ومن ثم يحكمهم زعيم سياسي وديني واحد وفقا للشريعة الإسلامية.

وعلاوة على ذلك، فإن عناصر داعش يعتبرون أنفسهم المؤمنين الحقيقيين الوحيدين، ويعتبرون الذين يخالفونهم في معتقداتهم وتفسيراتهم للإسلام كفاراً ومرتدين، فهم يرون أن بقية العالم يتكون من الكفار الذين يسعون إلى تدمير الإسلام، وذلك لتبرير الهجمات ضد غيرهم من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.

ومن ناحية أخرى فتشكل منطقة غرب أفريقيا أرضا خصبة وبيئة حاضنة لنشاط الجماعات المتشددة، وتتميز بعوامل تجعل من نموّ هذه الجماعات أمرا سهلا، ولعل الأفكار والأيديولوجية الإسلامية آخذة في الانتشار بين الأفارقة، من خلال الطلاب الذين يعودون عقب انتهاء دراستهم إلى بلدانهم من جهة، إلى جانب الطبيعة الإسلامية لقارة أفريقيا عامة وغربها على الأخص، التي تمتاز بالتطرف في فهم الإسلام، خاصة من الأفراد الذين لا يعرفون اللغة العربية الأصلية بعد أن يتعرضوا إلى عمليات تجنيد منظمة، ومن ثم تسعى إلى تغيير أنظمة البلدان بالقوة وفرض الشريعة الإسلامية، من جهة أخرى.

بناءً على ما سبق؛ تعكس أيديولوجية داعش والحركات المنضوية تحت لوائها في أفريقيا توجهات الرؤية الجهادية العالمية نفسها، التي ترى بوجوب إقامة دولة الخلافة وتحكيم الشريعة الإسلامية، ومن ثم عولمة حركات السلفية الجهادية في كل مكان.

استطاع تنظيم “داعش” خلال فترة وجيزة جذب وتجنيد بعض العناصر الشبابية للانضمام إليه في كلّ من العراق وسوريا، ليس فقط من بعض الدول العربية، بل من بعض الدول الآسيوية والأوروبية أيضا، حيث أكد وزير الداخلية المغربي محمد حصاد، أن عدد المغاربة الذين التحقوا بالتنظيم سنة 2014 يفوق 2000 مقاتل.

وذكر وزير الداخلية التونسي أنه يوجد في سوريا اليوم أكثر من 3000 مقاتل تونسي، متفوقين في هذا على السعوديين (2500) والأردنيين (2100) واللبنانيين (900) والفرنسيين (700) والليبيين (550).

أما من الدول الأوروبية، فحسب ما صرح به رئيس الشرطة البريطانية برنار هوغان هوي أن هناك أكثر من 500 بريطاني سافروا للمشاركة في القتال، وهو ما سيشكل خطراً على بريطانيا في حالة ما إذا فكروا بالعودة إلى وطنهم بسبب خبرتهم العسكرية.

كما أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كشفت عما يفوق 100 مواطن أميركي، أما الاستخبارات الألمانية فأعربت عن وجود نحو 400 ألماني، وتقدّر أستراليا عدد مواطنيها في داعش بنحو 150 أستراليّا.

* خلاصة بحث عبير شليغم “داعش والحركات الجهادية في غرب أفريقيا”، ضمن الكتاب 123 (مارس 2017) “داعش وأخواتها: الفكر- التفكير- النصوص” الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

تصفح أيضا...