قال الباحث الموريتاني في قضايا الفقه وأصوله السيد محمد الحنفي ولد دهاه إن تاريخ أصول الفقه في موريتانيا مَرَّ بأربعِ مراحلَ، بدأت مع معلم المرابطين الأول عبد الله بن ياسين.
وقال الدكتور ولد الحنفي في محاضرة ألقاها مساء أمس الأربعاء بالمركز الثقافي المغربي، عن "تاريخ أصول الفقه في موريتانيا: النشأة والروافد والمخرجات"، إن الإرهاصات الأولى لوجود أصول الفقه في هذه البلاد ظهرت مع قدوم معلم المرابطين الأول عبد الله بن ياسين، ثم الإمام مع المعلم الثاني الحضرمي، ولاحقا مع الشريف عبد المومن المؤسس الرمزي لمدينة تيشيت، والحاج عثمان المؤسس الرمزي لمدينة وادان.
وأضاف ولد دهاه: رغم أن هذه الشخصيات عاشت في فترة "الفراغ الوثائقي" التي تشمل القرون الأربعة الأولى من الهجرة، إلا أن القرائن ترجح أنهم كانوا على إلمام بهذا العلم، وأنه كان من بين العلوم التي بثوها في تلك الربوع.
واستطرد ولد دهاه: درس عبد الله بن ياسين على شيوخ الأندلس، وتؤكد عناية الإمام الحضرمي بفقه الأحكام السلطانية إلمامَه بأصول الفقه، ومن غير المشكوك فيه أن يكون هذا العلم من بين العلوم التي أخذها الشريف عبد المومن والحاج عثمان عن شيخهما القاضي عياض بن موسى اليحصبي.
ورأى ولد دهاه أن أهم وثيقة تؤرخ لمرحلة نشأة علم أصول الفقه هي كتاب "موهوب الجليل" لمحمد بن أبي بكر الحاجي الوداني، الذي أبان عن اطلاع واسع على هذا العلم، حين تحدث عن المفاهيم عند قول خليل في مقدمته: "وأعتبر من المفاهيم مفهوم الشرط". كما أحال على مراجع أصولية هامة، منها: تنقيح الفصول للقرافي، وأنوار البروق في أنواء الفروق له أيضا، والمذهب في ضبط مسائل المذهب لابن راشد القفصي.
وذكر أحمد باب التنبكتي أن من بين العلوم التي أخذها علماء تنبكتو عن والده، بعد عودته من الحج، علوم المعقول (ومنها أصول الفقه) والمنقول.
أما بداية التأليف في هذا الفن فتدل الفتاوى المنسوبة إلى طائفة من علماء القرن الحادي عشر على معرفتهم به وتوظيفهم له، ومن هؤلاء: محمد بن أبي بكر بن هاشم الغلاوي، ومحمد بن المختار بن الأعمش العلوي، وأتفغ مينحن بن مودي مالك.
وقد أورد الشيخ محمد اليدالي، وهو من علماء هذا العصر، مباحث أصولية في عدد من كتبه.
وتم توظيف المباحث الأصولية في المناظرات المشهورة بمسائل "لمجيدري"..
أما مرحلة النضج في هذا العلم فقد دشنها العلامة المختار بن بونه، الذي نظم 500 بيت في مسائل هذا الفن دون أن يكون ناظما لكتاب بعينه. ثم نظم "جمع الجوامع" في كتابه "مبلغ المأمول في علم الأصول" في أكثر من 1000 بيت.
ثم جاء الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم، الذي نظم كتابه المشهور بـ"مراقي السعود"، وانتشر صيته في مشارق الأرض ومغاربها، ودُرِّس بفاس في حياة مؤلفه، حيث أوصله إلى هناك تلميذه أحمد سالم بن إمام ودان الحاجي.
وجاء بعد هذين مولود بن أحمد الجواد اليعقوبي الذي نظم "تنقيح الفصول" للقرافي، ومحنض باب بن اعبيد الديماني الذي نظم فيه كتابه "سلم الوصول" في أكثر من 700 بيت.
ثم جاء الشيخ محمد المامي الذي دعا إلى الاجتهاد، وأعلن استكماله لشرائطه، واستعداده لممارسته، وألف في ذلك كتابه "البادية".
ووجد المحاضر أن لأصول الفقه في موريتانيا رافدين كبيرين، هما:
*الرافد المغربي بامتداداته الأندلسية، ومثله عبد الله بن ياسين، والإمام الحضرمي، والشاب الشاطري، وتلامذة القاضي عياض، ورسخته الرحلات التي قام بها ابن رازكه وسيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي وسيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم والسالك بن إمام ودان إلى المغرب.
*والرافد المصري، ومثله والد أحمد باب التنبكتي، والمختار بن بونه الذي اعتمد مؤلفات المصريين، كابن الحاجب والقرافي وغيرهم، واشتهر في هذا الصدد قولهم: إن أهل الأصول أزاهرة أو أشاعرة..
وختم ولد دهاه محاضرته قائلا: إن إنتاج الموريتانيين في هذا الفن لم يخل من ابتكار، على اعتبار أن الابتكار لا يقتصر على الجديد، بل إن تنظيم المادة العلمية وتسهيلها وتقريبها يدخل في ذلك. كما أن التمثيل للمسائل الأصولية بفروع المذهب يدخل في ذلك الإطار.
وزف ولد دهاه بشرى إلى دارسي هذا العلم والمشتغلين به؛ عندما أعلن عن قرب صدور شرح جديد للمراقي من تأليف العلامة محمد فال (اباه) ولد عبد الله.