د. الحسين الشيخ العلوي
توطئة
الفرنك الإفريقي (CFA) هو اسم العملة الموحَّدة لـــــ14 دولة إفريقية عضوة في منطقة الفرنك الإفريقي -12 دولة منها كانت سابقًا مستعمرات فرنسية بالإضافة إلى غينيا بيساو (مستعمرة برتغالية سابقة) وغينيا الاستوائية (مستعمرة إسبانية سابقة). وتضم منطقة الفرنك الإفريقي مجموعتين نقديتين، هما:
- الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA)، ويضم 8 دول، هي: بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو، وقد أنشئ في داكار (السنغال)، في 10 يناير/كانون الثاني 1994، ومقره في واغادوغو (بوركينا فاسو) وخَلَفًا للاتحاد النقدي لغرب إفريقيا (UMOA) الذي أُنشئ في عام 1963.
- المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا (CEMAC)، وتضم 6 دول، هي: الكاميرون وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو والغابون وغينيا الاستوائية وتشاد. تأسست هذه المجموعة، في 16 مارس/آذار 1994، في مدينة انجمينا في تشاد، ودخلت حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 1999. ويقع المقر الرسمي للمجموعة في بانغي عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى. وقد أُنشئت هذه المجموعة لتحل محل الاتحاد الجمركي والاقتصادي لوسط إفريقيا.
رأى الفرنك الإفريقي النور في يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 1945، وهو اليوم الذي صادقت فيه فرنسا على اتفاقيات بريتون وودز وتم إعلان التكافؤ في صندوق النقد الدولي (FMI) تحت اسم "فرنك المستعمرات الإفريقية الفرنسية" وبضمان الفرنك الفرنسي وبتأطير من قبل وزارة الخزانة الفرنسية على اعتباره العملة الممكنة من خلال سوق الصرف الأجنبية من باريس مع الفرنك الفرنسي وفقًا لمعايير الحرية التامة للنقل داخل منطقة الفرنك(1). ويعتمد قانون العملة (ISO Currency Codes) رمز XAF للعملة المتداوَلة في وسط إفريقيا وXOF للعملة في غرب إفريقيا.
للفرنك الإفريقي قيمة ثابتة مرتبطة باليورو: 100 فرنك إفريقي= 0.152449 يورو, أي 1 يورو= 655.957 فرنك إفريقي. وعلى الرغم أن قيمة الفرنك المتداول في وسط إفريقيا يساوي الفرنك المتداول في غرب إفريقيا إلا أنه لا يمكن استعمال عملة دول وسط إفريقيا في دول غرب إفريقيا وبالعكس. كما يبلغ التعداد السكاني لدول منطقة الفرنك الإفريقي 147.5 مليون نسمة(2)، والناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول يبلغ 166.6 مليار دولار أميركي(3).
الاتحاد النقدي: متطلبات التكامل وعوائق الاتفاق
اجتاحت العالم برمَّته موجة من التفاؤل المفرِط بعُيد عقد من الزمن على نهاية الحرب العالمية الثانية إثر تسارع وتائر التنمية في العالمين الأول والثاني, وعزَّز من هذا الأمر البدايات المشجعة لظهور فاعلين اقتصاديين في جنوب شرق آسيا تحولوا لاحقًا إلى فاعلين ماليين في عقود قليلة, موجة التفاؤل هذه عجَّلت بقيام العديد من الاتحادات النقدية في أنحاء مختلفة من العالم لم يُعمَّر الكثير منها لافتقاره لشروط وظروف النشأة الصحيحة ولأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية متعددة ومتشعبة؛ حيث أنشئ معظمها وفقًا لقرار سياسي يدفعه الحماس والرغبة الأكيدة في المَنْعة وللعب دور اقتصادي يتجاوز الإمكانيات المادية واللوجستية للدول المشكِّلة لهذا الاتحاد أو ذاك! كل هذا مع تجاهل تام للعوامل الذاتية والموضوعية ودرجة تكامل اقتصادات الدول المكوِّنة للاتحاد. لذلك اختفى معظم تلك الاتحادات النقدية الواحدة تلو الأخرى ولم يتبقَّ حاليًا منها غير خمسة اتحادات نقدية: ثلاثة منها في القارة الإفريقية وواحد في أميركا الجنوبية والخامس في أوروبا، هي:
- مجموعة الفرنك الإفريقي (الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا-المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا).
- الكوميسا (السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا).
- الاتحاد النقدي لدول جنوب إفريقيا.
- مجموعة الكاريبي: السوق المشتركة في منطقة البحر الكاريبي.
- منطقة اليورو: الاتحاد النقدي الأوروبي.
وقد تم طرح عملة مشتركة في هذه الاتحادات النقدية باستثناء منطقتي الاتحاد النقدي لجنوب إفريقيا والكوميسا حيث تلعب عملة جنوب إفريقيا (الراند) دور العملة الموحَّدة في المنطقة الأولى بينما لا تزال منطقة الكوميسا تفتقر إلى عملة موحَّدة. وفي حين طبَّقت منطقة اليورو سوقها المشتركة قبل إنشاء الوحدة النقدية، نفَّذت الاتحادات النقدية الأخرى تسلسلًا عكسيًّا حيث تعمل على تنفيذ التكامل الاقتصادي الشامل بعد انقضاء عدَّة عقود على دخول اتحاداتها النقدية حيز التنفيذ.
والاتحاد النقدي عادة ما يأتي استجابة لمتطلبات التكامل الاقتصادي لمنطقة متجانسة ومتكاملة اقتصاديًّا بما يعود بالفائدة على جميع الأطراف, والمقصود به امتلاك المنطقة المتكاملة عملة واحدة أو مجموعة عملات مكفول لها حرية التحويل ومترابطة معا بواسطة أسعار صرف مثبتة في حين أنها تتمتع بحرية الحركة والتداول دون قيد أو شرط على صعيد المنطقة بأسرها ويلزم كذلك تثبيت المعروض من هذه العملة أو العملات على أساس قاعدة اتحادية أو بواسطة سُلطة أو هيئة تابعة للاتحاد، كما ينبغي أن تدخل قدرة المصارف التجارية على طرح النقود ضمن سلطة هيئةٍ اتحاديةٍ ما على شكل مجلس للعملة مُوكَل إليه ممارسة السيطرة أو الرقابة الكاملة في هذا المجال(4).
باحة الاستثمار المستقبلي
يرى العديد من الخبراء والاقتصاديين أن القارة الإفريقية ستشكِّل باحة الاستثمار المستقبلي الواعد لاسيما أن الأسواق الناشئة في القارة السمراء تشهد معدلات نمو مرتفعة فاقت نظيراتها في آسيا وأميركا اللاتينية.
تشكِّل قارة إفريقيا ثاني أكبر سوق بعد آسيا بتعداد سكاني تجاوز المليار نسمة، ويحتاج معظم دول القارة لاستثمارات ضخمة في البنية التحتية والخدمات, هذا مع وجود مجتمعات شابة غالبية سكانها تحت سنِّ الثلاثين؛ لذا يرى خبراء الاقتصاد أن شرق وغرب وجنوب ووسط القارة ستكون الوجهات المفضلة عالميًّا للاستثمار في العقود الثلاثة القادمة؛ فالقارة تتمتع بإمكانيات هائلة في مجال الزراعة، تؤهلها لأن تكون سلة الغذاء العالمي كما يرى كثير من الخبراء؛ فهي تُشتَهر بمواردها المائية حيث يجري فيها العديد من الأنهار, التي منها: زامبيزي، وشيري، وبونغولا، ولونغوا، وأوغوي، ونهر ساند، وليبمبوبو، وروفيغي، وأوكافانغو، ومارا، وفكتوريا، وأوليفانتس، وأطولها نهر النيل الذي يبلغ طوله 6695 كم.
إن إفريقيا التي تتميز بموقعها الجغرافي، وبمساحة إجمالية تبلغ 30.190 مليون كم مربع تمتلك أكبر مخزون للعديد من الثروات والمعادن الاستراتيجية، فمن بين 50 معدنًا مهمًّا في العالم يوجد 17 معدنًا منها في إفريقيا باحتياطيات ضخمة، وهي تمتلك النسبة الأكبر من احتياطي "البوكسيت، والفروكروم، والكوبلت، والماس، والذهب، والمنجنيز، والفوسفات، والمعادن البلاتينية، والتيتانيوم، والفاناديوم". ونظرًا لاتساع رقعة إفريقيا الجغرافية فإنها تتميز بتنوع أقاليمها المناخية، وبمستويات ونوعيات مختلفة من التربة الغنية، وبمواسم زراعية متنوعة، وهو ما يجعل منها "بيئة ملائمة لزراعة وإنتاج جميع المحاصيل والحبوب والخضروات، وتُقدَّر نسبة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة فيها بحوالي 35% من إجمالي مساحة القارة، يستغل منها 7% فقط في الزراعة بشتى أنواعها،... ولا تزيد مساحة الزراعة المرويَّة في الجزء الواقع جنوب الصحراء من إفريقيا عن 50 كيلو مترًا مربعًا من إجمالي 23 مليون كم2". إن الاستثمار في المجال الزراعي يعد من أفضل الخيارات التي تقدمها إفريقيا للمستثمرين للإسهام في تحقيق النمو الاقتصادي والأمن الغذائي في إفريقيا.
وفي مجالات الطاقة ومصادرها، فإنه برغم ضخامة الطاقة الكهرومائية الكامنة الهائلة في إفريقيا، والتي تناهز ألف و750 تيرا واط ساعة، ورغم إمكان ضمان أمن الطاقة من خلال توليد الطاقة الكهرومائية، لا يُستغلُّ حاليًّا سوى نسبة 5 في المئة من هذه الطاقة الكامنة.
وبالنسبة للنفط والغاز تعد المنطقةُ الأخيرةَ في العالم التي يوجد بها احتياطي هائل، ويُقدِّر الخبراء حجم النفط الإفريقي بين 7 في المئة و9 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي، أي ما يوازي ما بين 80 إلى 100 مليار برميل خام؛ حيث تنتشر حقول النفط داخل القارة في كثير من دولها وعلى شواطئها الغربية، وهو أسهل وأسرع في استخراجه، وسهولة نقل الخام المتدفق من الآبار إلى سفن راسية عند السطح تقوم بأعمال التصفية والتكرير، بحيث تصبح مشتقاته جاهزة للتحميل والتصدير مباشرة، وهو ما يحقِّق وفرًا اقتصاديًّا مشجِّعًا للمستثمرين، كما يعد النفط الخام المستخرج من إقليم خليج غينيا، من النوعية الممتازة(5).
منطقة الفرنك الإفريقي: لمصلحة من؟
من الناحية العملية، منطقة الفرنك الإفريقي حقيقة عبارة عن عملتين تخدمان منطقتين مختلفتين وتملكان بنكين مركزيين منفصلين ولكن المنطقتين تجنحان للتجارة معًا كمنطقة واحدة. وقد تم إنشاء المنطقتين بُعيد الحرب العالمية الثانية لتمكين المستعمرات الفرنسية من تصدير بضائعها إلى الدول الأوروبية.
رغم ضخامة السوق الإفريقية وتكامل اقتصاديات دولها إلا أن المبادلات التجارية البينية خلال الفترة من 2007 إلى 2011 بلغت فقط 11% داخل المنطقة الإقليمية الواحدة من مجموع الصادرات, في حين بلغت هذه الحصة 21% بالنسبة لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، و50% بالنسبة لآسيا، و70% بالنسبة لأوروبا، وفي منطقة الفرنك الإفريقي بلغت هذه الحصة 12%.
ورغم أن منطقة الفرنك الإفريقي أقدم الاتحادات النقدية في العالم حيث يتجاوز عمرها سبعة عقود (تحديدًا 71 سنة!) إلا أنه الأضعف من بينها لاعتبارات عديدة يمكن تلخيصها في التالي:
1- ارتباط الفرنك الإفريقي باليورو
- يصبُّ هذا الأمر في مصلحة فرنسا والدول الأوروبية أكثر منه في مصلحة الدول الإفريقية؛ حيث يجعل هذا الارتباط اقتصادات دول منطقة الفرنك الإفريقي رهينة للسياسات النقدية التي تقررها البنوك المركزية الأوروبية وتحديدًا البنك المركزي الفرنسي! كما يُخضع هذا الأمر منطقة الفرنك الإفريقي لتشريعات أوروبية لا تراعي خصوصية الواقع التنموي الإفريقي.
- التباين الكبير بين الاقتصادات الصناعية والديناميكية الأوروبية النشطة وبين اقتصادات دول منطقة الفرنك الإفريقي التي يعاني معظمها من اختلالات هيكلية وبنيوية حادة يجعل ميزان المدفوعات يميل لصالح فرنسا وأوروبا.
- الشروط المجحفة لحجم ودائع النقد الأجنبي التي تشترطها فرنسا لتغطية الكتلة النقدية للفرنك الإفريقي والتي كانت مقدَّرة بــ100% غداة استقلال دول منطقة الفرنك الإفريقي عن فرنسا وتم خفضها إلى 65% سنة 1973 -إثر ظهور بوادر انسحابات جماعية من منطقة الفرنك الإفريقي بعد خروج موريتانيا الناجح من المنطقة وإصدار عملتها المحلية- وتم تسقيف حجم ودائع النقد الأجنبي عند مستوى 50% منذ سبتمبر/أيلول 2005 (...وتتجاوز نسبة تغطية الإصدار النقدي للفرنك الإفريقي في الوقت الراهن بحسب المصرف المركزي الفرنسي 110 في المئة بينما كان من المفترض تسقيفه عند حدِّ 20 في المئة على أكثر تقدير طبقًا للمعايير الدولية المتعارف عليها في هذا المجال من جهة وللاتفاقيات الدولية الموقَّعة بين فرنسا وبلدان منطقة الفرنك (تقرير 2009 لمنطقة الفرنك الصادر عن المصرف المركزي الفرنسي، في أكتوبر/تشرين الأول 2010)، من جهة أخرى(6).
- وجود ممثلين عن فرنسا في مجلسي إدارة البنكين المركزيين لمنطقة الفرنك الإفريقي وآلية اتخاذ القرار بهما تشل من قدرة هذين البنكين المركزيين على اتخاذ قرارات حاسمة في مصلحة دول المنطقة إذا تعارضت مع مصالح فرنسا في الإقليم(7).
2- عدم وضع ضوابط على تحويلات النقد الأجنبي جعل دول المنطقة تخسر سنويًّا عشرات المليارات المهربة -وبشكل قانوني في الغالب- خارج دول منطقة الفرنك الإفريقي مما يحرم الأسواق المحلية لدول المنطقة من رساميل في غاية الأهمية لتمويل المشروعات التنموية.
3- حجم ودائع النقد الأجنبي التي تلزم دول المنطقة بإيداعها لدى البنك المركزي الفرنسي يجعل دول المنطقة تخسر الاستفادة من عشرات المليارات من اليورو سنويًّا توظِّفها فرنسا في سدِّ عجزها المزمن!
الدور التثبيطي للفرنك الإفريقي
على الرغم من أن ارتباط الفرنك الإفريقي باليورو جنَّبه الانخفاض الذي شهده معظم عملات الأسواق الإفريقية الناشئة جرَّاء تباطؤ الطلب الصيني مؤخرًا. وقد انخفض الفرنك الإفريقي بـــ8% مقابل الدولار 2015 مقارنة بـــ14% لعملة سِدِي الغانية، و24% للكوانزا الأنغولية، والهبوط الحاد الذي وصل 46% للكواشا الزامبية(8).
يكاد الاقتصاديون الأفارقة يُجمِعون على ضرورة فكِّ الارتباط بين دول منطقة الفرنك الإفريقي واليورو نظرًا للدور التثبيطي الذي لعبه الفرنك الإفريقي في نمو اقتصاديات دول المنطقة ويوصون بضرورة أن تكون لكل دولة عملتها المحلية حتي تنضج الظروف المحلية والذاتية لقيام اتحاد نقدي حقيقي يخدم مصالح دول المنطقة لأن الفرنك الإفريقي عمل طيلة هذه المدة على كبح معدلات التنمية لدول المنطقة وشكَّل رادعًا لكل محاولات الخروج عن الهيمنة الاقتصادية الفرنسية, كما أن المستفيد الأكبر من وجود الفرنك الإفريقي المضمون من قِبل الخزانة الفرنسية هي الشركات الفرنسية الكبرى على حساب الشركات المحلية الإفريقية نظرًا لنظام الاحتكارات وغياب المنافسة وعدم تطبيق معايير السوق!
لا شكَّ بأن التضخم وتدني قيمة العملة المحلية سيكونان أهم تحديين سيواجهان دول منطقة الفرنك الإفريقي عند الإقدام على فكِّ الارتباط مع اليورو.
حجم استفادة فرنسا من شلِّ القدرات التنموية لدول منطقة الفرنك الإفريقي عبر الوصاية على العملة الموحَّدة لدول الإقليم سيجعلها حريصة على إحباط مساعي فكِّ الارتباط بشتى السبل بما فيها الوسائل الاستخباراتية القذرة!
تُوظَّف العملة عادةً لخدمة النمو والتنمية لذا تضع الدول سياسات نقدية مناسبة لتمويل المشاريع التنموية في الغالب على المدى القريب والمتوسط تُسمى سياسة الإقراض, لكن اللافت في منطقة الفرنك الإفريقي أن الفائدة تصل 23% بينما تتجاوز 100% في منطقة اليورو! مما يجعل من المستحيل على دول منطقة الفرنك الإفريقي اللحاق بالأسواق الناشئة في شرق وجنوب القارة طالما ظلَّ الفرنك الإفريقي مرتبطًا باليورو, مما يجعل من اللازم والضروري لدول منطقة الفرنك الإفريقي أن تفكر في نظام صرف أكثر مرونة لدعم اقتصاداتها وجعلها أكثر تنافسية عبر ربط الفرنك بسلة عمولات(9).
اقتصادات معظم دول منطقة الفرنك الإفريقي تعتمد على الزراعة أساسًا, فدولة كوت ديفوار -صاحبة أقوى اقتصاد في منطقة الفرنك الإفريقي- تُعتبَر المصدِّر الأول عالميًّا للكاكاو حيث يشكِّل 22% من صادراتها، ويشكِّل النفط الخام 84% من صادرات الجابون، و64% من صادرات تشاد.
أصوات تتصاعد
يقول الخبير الاقتصادي التوغولي، نوبوكبو: "حقيقة أن الفرنك الإفريقي مربوط بعملة قوية يعوق من القدرة التنافسية لصادراتنا, إنها تشبه الضريبة على صادراتنا"(10).
يقول مامادو كوليبالي، وزير مالية سابق في كوت ديفوار وزعيم المعارضة: "إننا لسنا عضوًا في منطقة اليورو، ولكن حقيقة أنَّ لدينا هذا الربط الصارم وسعر الصرف الثابت يضعنا في نفس وضع اليونان، ولكن ما هو أسوأ... صناعتنا ليست تنافسية، لدينا عمالة ذات مهارات منخفضة، اقتصادنا غير منوَّع. كيف يمكننا الاستمرار في استخدام الفرنك؟"(11).
منذ ستينات القرن المنصرم والأصوات تتصاعد ضد استخدام الفرنك الإفريقي (CFA). كان معظمها من قبل أحزاب اليسار المعارضة, إلا أنه خلال السنوات القليلة الماضية تصاعدت وتيرة المطالبة بفكِّ الارتباط مع اليورو والتوقف عن استخدام الفرنك الإفريقي (CFA) من جهات عديدة رفيعة المستوى في المنطقة بلغت الذروة في الهجوم العنيف الذي شنَّه الرئيس التشادي، إدريس ديبي، في 11 أغسطس/آب 2015، في خطابه أثناء الاحتفال بالذكرى 55 لاستقلال التشاد عن فرنسا؛ حيث قال: "يوجد اليوم الفرنك (CFA) المضمون من قِبل الخزانة الفرنسية، لكن هذه الأموال هي أموال إفريقية... ينبغي علينا الآن طالما أن هذه أموالنا أن نفكِّر في استخدام عُملة تسمح لجميع الدول التي تستخدم الفرنك الإفريقي بالنمو"، وأضاف ديبي في معرض حديثه عن اتفاق التعاون النقدي الذي ربط بلدان منطقة الفرنك بفرنسا: "هناك شروط عفا عليها الزمن. هذه الشروط ينبغي إعادة النظر فيها لمصلحة إفريقيا وأيضًا لمصلحة فرنسا. هذه البنود تجر الاقتصاد الإفريقي إلى الأسفل..."(12).
وقد التأم في العاصمة الفرنسية، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2015، اجتماع دوري ضمَّ وزراء مالية منطقة الفرنك الإفريقي مع وزير المالية الفرنسي ومحافظي البنوك المركزية لمجموعتي منطقة الفرنك الإفريقي وفرنسا. اتسم هذا اللقاء بتهديد مبطَّن من قِبل دول مجموعة الفرنك الإفريقي بفكِّ الارتباط مع اليورو في حال ظلت فرنسا تصر على حجم ودائع النقد الأجنبي المرتفع الذي يشكِّل استنزافًا لمدخرات وودائع دول المنطقة.
الرهان المستقبلي
على الرغم من أن إفريقيا اليوم تشهد تنافسًا محمومًا بين العديد من دول العالم في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والصين وروسيا إضافة إلى إيران وتركيا وماليزيا وإسرائيل والهند وكوريا وتايوان والبرازيل، إلا أن التنافس في منطقة الفرنك الإفريقي -التي تُعد منطقة نفوذ تقليدية لفرنسا- يكاد ينحصر بين ثلاث دول، هي: فرنسا والصين وإيران.
تقول المؤشرات الاقتصادية: إن أسرع 10 اقتصادات نموًّا في العالم حتى 2020 يقع 7 منها في إفريقيا، هي: إثيوبيا بمتوسط نمو سنوي يعادل 8.1%، وموزمبيق 7.7%، وتنزانيا 7.2%، والكونغو 7%، وغانا 7%، وزامبيا 6.9%، ونيجيريا 6.8%(13).
هذه الدول السبع ذات الأسواق سريعة النمو تقع كلها خارج منطقة الفرنك الإفريقي؛ مما يستدعي من قادة دول الإقليم والنخب المالية والسياسية وضع استراتيجيات جديدة للنهوض بدول المنطقة التي يُعد معظمها من الأفقر عالميًّا. ويرى العديد من خبراء الاقتصاد أن الإصلاحات الهيكلية وسياسات التقشف الصارمة التي يوصي بها البنك الدولي ليست كافية لانتشال دول منطقة الفرنك الإفريقي من براثن التخلف والمرض والجهل بل يوصي هؤلاء بحلول عاجلة تتلخص في:
- فك الارتباط باليورو والتخلص نهائيًّا من الوصاية الفرنسية.
- ربط الفرنك الإفريقي بسلة عملات كالدولار واليِنِّ واتباع آلية السوق في تحديد قيمة الصرف لتحقيق أقصى درجات المرونة مما سينعكس إيجابًا على المبادلات التجارية الخارجية لصالح دول المنطقة.
- العمل على تكامل اقتصادات دول المنطقة لتحقيق النجاعة والفعالية ورفع القدرة التنافسية والتفاوضية لدول الإقليم.
- إلغاء التعريفة الجمركية بين دول الإقليم لرفع وتسهيل المبادلات التجارية البينية.
- خفض قيمة الفائدة لتسهيل تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة.
- التركيز على اقتصاد المعرفة عبر إنشاء أقطاب اقتصادية متخصصة في المدن الكبرى بالإقليم.
- زيادة نسبة الإنفاق على البحث العلمي بحث لا تقل عن 5% من الموازنة العامة.
_____________________________
الحسين الشيخ العلوي - باحث وأكاديمي موريتاني.
مراجع
1 - l’Histoire du Franc CFA : Banque Centrale des Etats de l’Afrique de l’Ouest (la date de publication: 2012),( la date de surf :le 28 Avril 2016).
See: http://www.bceao.int/Histoire-du-Franc-CFA-55.htm
2 - Population Reference Bureau: World Population Data Sheet 2013,USAID(date of publishing: 2013), (date of surfing: April28,2016)
http://www.prb.org/pdf13/2013-population-data-sheet_eng.pdf
3 - Gross domestic product 2014: World Bank(date of publishing: 11April 2016),(date of surfing: 28 April 2016)
http://databank.worldbank.org/data/download/GDP.pdf
4 - محمود سيقلني، التكامل النقدي العربي: منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، ص 558, ط1, 1981. بيروت، لبنان.
5 - الاستثمار في إفريقيا.. آمال وتحديات: شبكة الألوكة (تاريخ النشر: 5 مايو/أيار 2014), (تاريخ التصفح: 29 إبريل/نيسان 2016),
http://www.alukah.net/world_muslims/0/70327/
6 - سانو مباي: الانعتاق من الفرنك الإفريقي لتفعيل النهوض الاقتصادي لمنطقة الفرنك, وكالة أنباء عموم إفريقيا (بانا برس) (تاريخ النشر: 21 أكتوبر/تشرين الأول 2014), (تاريخ التصفح: 29 إبريل/نيسان 2016),
7 - Julie Owono: Devaluing a controversial currency, Aljazeera (date of publishing: 16 Dec 2011),(date of surfing: 29 April 2016)
http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2011/12/2011121312953758399.html
8 - Olivier Monnier and Moses Mozart Dzawu: West Africa rebels against CFA franc, currency linked to colonial France. Analysts say it’s a ‘loveless marriage', Mail & Guardian Africa (date of publishing: 02 Oct 2015),(date of surfing: 29 April 2016)
9 - Raoul Mbog: « Le franc CFA freine le développement de l’Afrique » le Monde (la date de publication: Le 08.07.2015),( la date de surf : le 29 Avril 2016)
10 – Olivier Monnier and Moses Mozart Dzawu: West Africa rebels against CFA franc, currency linked to colonial France. Analysts say it’s a ‘loveless marriage', Mail & Guardian Africa (date of publishing: 02 Oct 2015),(date of surfing: 29 April 2016)
11 - Olivier Monnier and Moses Mozart Dzawu: West Africa rebels against CFA franc, currency linked to colonial France. Analysts say it’s a ‘loveless marriage', Mail & Guardian Africa (date of publishing: 02 Oct 2015),(date of surfing: 29 April 2016)
12 - Stéphane Ballong: Franc CFA : pourquoi ils veulent changer les règles, Jeune Afrique (la date de publication: le 27 septembre 2015),( la date de surf : le 30 Avril 2016)
http://www.jeuneafrique.com/mag/267991/economie/franc-cfa-pourquoi-ils-veulent-changer-les-regles/
13 - سانو مباي: الانعتاق من الفرنك الإفريقي لتفعيل النهوض الاقتصادي لمنطقة الفرنك, وكالة أنباء عموم إفريقيا (بانا برس) (تاريخ النشر: 21 أكتوبر/تشرين الأول 2014), (تاريخ التصفح: 30 إبريل/نيسان 2016). انظر الرابط: