موريتانيا: لحظة الحقيقة.. من مراودة النفس إلى الخطيئة

أحد, 2016-05-01 22:29

حقيقة الأمر؟

تجتاز موريتانيا، حاليا، زوبعة سياسية واقتصادية تتجلى انعكاساتها البينة على عدم الاستقرار في تطابقها، خاصة في بداهة المسعى، باللجوء إلى سبل غير نزيهة لتمييع الأساليب الشرعية للوصول إلى السلطة وما ينجم عن ذلك من استدعاء وإذكاء لجوانب أخرى من عناصر الأزمة الجاثمة بجوانبها المتعددة والمستفحلة.

في يوم الاثنين، 21 مارس 2016، نادى السيد المختار ولد اجاي، وزير المالية والاقتصاد، في جلسة علنية للجمعية الوطنية، بأن يترشح رئيس الجمهورية، محمد ولد عبد العزيز، لمأمورية ثالثة، بل ولرابعة، حتى يكمل مهمته الجبارة في إعادة بناء موريتانيا.

في 29 من نفس الشهر، وأمام نفس النواب، حذا وزير العدل حذو صنوه، وزير المالية، وطالب، علنا، رئيس الجمهورية، بالسعي إلى الترشح لمأمورية جديدة. ورفض الوزير، صارما، سحب مطلبه استجابة لطلب بهذا الشأن من أحد نواب المعارضة.

في 31 مارس، دافع الناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد الأمين ولد الشيخ، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، عن مواقف نظرائه، رافعا عنهم لبس الخطيئة في تناسق كامل مع ادعاءات توحي، حسب زعمه، بأن الموقف المذكور قد يكون نابعا من إرادة أغلبية في الشعب تطالب بتعديل دستوري قد يضفي إلى رفع القيود المحددة لفترات ممارسة السلطة.

وفي تعديل وزاري لاحق أجري في فاتح أبريل، أعيدت الثقة للوزراء المذكورين. 

خطورة اللحظة

يجدر التنويه إلى أن رئيس الجمهورية، محمد ولد عبد العزيز، انتخب في 2009 وأعيد انتخابه في 2014. وبذلك، يكون قد أدى، على مرتين، وطبقا للمادة 29 (جديدة) من الدستور، القسم التالي : "أقسم بالله العلي العظيم أن لا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور".

كما تؤكد المادة 99 (جديدة) من نفس الدستور في فقرتها الثانية: "لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان 26 و28 المذكورتان سالفا".

فخ اليمين القانونية

مهما تكن أوصاف وطبيعة من يقفون خلف فكرة خرق الدستور، الوثيقة الأسمى في المنظومة التشريعية الداخلية، فإنها تنطوي على إرادة واضحة للحنث وما ترتب عنه من مخالفة لصريح النص القرآني باعتباره المرجعية الأولى للتشريع الداخلي، خاصة في الآيات الكريمة التالية: الآية 77 من سورة آل عمران: "إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" صدق الله العظيم، والآية 27 من سورة الأنفال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" صدق الله العظيم.

المراوغة

 في هذا السياق المشحون ريبة، يستعد الرئيس محمد ولد عبد العزيز للتوجه إلى الحوضين في زيارة كرنفالية جديدة تعيد للواجهة مشاهد التملق والنفاق من وجاهات يمنح ولاؤها الشعور الزائف باستحالة التنحي أو، في أحسن الأحوال، استمراء الولاء الدائم.
وبالمناسبة، يتوقع الكثير من المراقبين انجلاء الحقيقة. فمنهم من يذهب إلى أن الرئيس سيسبح ضد تيار التخمينات، محرجا خلصاءه المعلنين، المتملقين ظاهرا والمتربصين به خفية!

يبدو أن الخطة تقتضي البقاء في السلطة بمغالبة للعقبة بالارتماء المحكم، إلى غاية 2019، في إنجازات زائفة تقوم على دعاية إعادة التأسيس، سعيا إلى وأد الجمهورية القائمة. ومع مراعاة الظواهر، يتم تشييد "هيكل مختل" يسوق على أنه الكيان الجديد!

وكما يبدو من المخطط، فإنه يعتمد أساليب منهجة التلاعب بالقانون وتبديل الشرعية وفردنة السلطة. باختصار، يتعلق الأمر بالمزاوجة الماكرة بين "مزايا" الانقلاب وإعادة استنساخ آلياته الفنية. ويعرف لاعبو القمار تلك الممارسة بصهر الكل في مجمله!

محمد ولد عبد العزيز، رجل البناء والمرجعية المحورية في مستقبل الموريتانيين، سيكون على أهبة الاستعداد الدائم للاستجابة لنداء مواطنيه عندما يطلبون منه الدخول في فترة انتقالية نحو نظام جديد. ولبلوغ المرام، لا بد من تواطئ معارضيه، مما يفسر الاندفاع المحموم بالتركيز على مسألة الحوار الشامل والسعي المحموم إلى انعقاده. ويجب الحصول على تلك المباركة، مهما كلف الثمن، لأن كل شيء في السيناريو المحاك، يتوقف على مباركة المعارضة وعليها يتم التعويل في نجاح الخطة أو فشلها.

وستولد موريتانيا الجديدة من خضم التغييرات التي ستجري على كل من:

النشيد الوطني

العلم

الشعار

العاصمة

الدستور

بعيدا عنا، في مداخل الغابات الاستوائية، أعيد، مؤخرا، انتخاب رئيس يناطح قدمُ بقائه في السلطة هامةَ الزمن، بعدما أمعن في لي عنق القانون، مرسيا جمهورية جديدة تكفر بمبدأ الحد من المأموريات. وتستعد موريتانيا للاصطفاف في نفس الطابور مع نية تجاوز حدوده، حيث بدأ المضاربون على الرمال حيازة القطع الأرضية في مضارب الشامي القفرة استعدادا للتعمير.

دراسات موريتانية - أبريل 2016.