الذهب... ورحلة الذهاب !

أحد, 2016-05-01 11:38

ينقل الناس في نواكشوط موتاهم - غالبا - إلى مقابر خارج المدينة، قد تكون في مناطق نائية، فتنقل الجنازة في سيارة رباعية الدفع، مع آلات للحفر، وحين الوصول إلى مكان الدفن، يبدأ المشيعون الحفر لدفن الميت.

في الصورة هذه مظهر لنهاية رحلة إلى "أرض الذهب" في تازْيَازَتْ، فقد وصل أولئك المنقبون بعد رحلة في سيارة رباعية الدفع وبصحبتهم آلات للحفر، ولن ينفقوا وقتا طويلا في الاستمتاع بمشاهدة الطبيعة ونقائها، إنما هم في عجلة من الأمر للبدء في عملية الحفر، فمثلما يبادر المشيعون إلى الحفر لدفن ميتهم، يسارع المنقبون إلى الحفر للبحث عن مثاقيل الذهب.

إن حفر المنقبين عن الذهب يبدأ مباشرة بعد رنين جهاز التنقيب، كما أن أهل الميت يبدأون في تجهيزه مباشرة حينما يشير جهاز الضغط إلى توقف نبضات القلب.
وما بين "جِهاز" التنقيب الذي يدل على وجود الذهب المفضي إلى الثراء، و"جَهازِ" الميت المحيل إلى نهايته في الثرى، سوى حركة الحرف الأول من الكلمة.

إذا لا فروق في نظر الـمُعتبِر بين "رحلة الذهب" و"رحلة الذهاب" فكلاهما سيان، فلا يفعل صاحب الرحلة الأولى بقطعه المسافة إلى تَازْيازَتْ للبحث عن "الذهب الخالص" غير قطعه جزء آخر من المسافة الطويلة في البحث التلقائي عن "الذهاب الخالص".

إن مسلمة الترابط بين المتقابلين، وحتى الأضداد لا تدع المُدّكر ينفك من أسر التأملات الواعية في نهايات الأشياء!! فما بين الحياة والموت شيء، وما الحياة إلا متاع قليل، ولا أجمل من تلك الصورة القرآنية المبينة بجلاء لانتفائية الفوارق عبر ما نحسبه أشياء في مراحل زمنية، خاصة إذا أزحنا التدبر إلى حيز التقابل بين منتهى الكمال والوفرة إلى نهاية الشيء عند نقطة العدم، قال تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}
ولعل سؤال حتمية ذلك التوارد هو ما أوقف طرفة ابن العبد أمام اللّاخيار في معلقته:
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي --- فدعني أبادرها بما ملكت يدي
وكأيٍ من إنسان من "أهل الذهب" مباعد لمختار طرفة ونظرته،
إذ لن يبادر منيتَه، بما كسبت يداه من بَدرةٍ أو قطيعة أو ركازٍ في أرض تَازْيَازَت.

لا أشك في أني بهذه الكلمات قد أكون أخطأت سبيل جر ولو قليل من الناس إلى التأمل في هذا التقابل الخطير العجيب!! فلا الناس في ظرفهم هذا في سعة من الوقت لتعقل مثل هذه الأشياء الثانوية بالنسبة لمن يممَ وجهه شطر بوابة "الذهب" طلبا للثراء السريع.

لو كتبت اليوم عن عرض لبيع "أجهزة تنقيب" بأسعار مخفضة، مع ضمان التوصيل، لبادر الناس إلى العرض سراعا لا عوج لهم عنه، يخافون الفوات، وأني وقد فات كل شيء!!
أما والكتابة عن التقابل هذا، - وليست عن عرض للأجهزة - فلن يعدو الأمر بالنسبة لكثيرين مجرد خواطر منزوعة الدسم، كغيرها من خطب ومواعظ فضائيات ومواقع هذا الزمان.

من صفحة الأستاذ أحمدو بزيد على الفيس بوك