ليست موريتانيا مكتشفة حديثة فهي دولة عربية إفريقية قائمة منذ عقود احتلها المستعمر الفرنسي ونهب خيراتها وعرف ما بها من ذهب وحديد ونحاس ...الخ ، وتعاقبت عليها سنوات عجاف في ظل حكام عدة وطلبو المنح والمعونة من العالم كله، وغير بعيد من ذلك هي دولة سياحية عرف المخبرون والمنقبون والهواة أغوارها وسلكوا مفوازها غير معلنين نواياهم ردحا من الزمن الله به عليم بيد أن شركات التنقيب والبحث عن المعادن النفيسة عرفت الشمال الموريتاني كما عرفت غربه وشرقه وجنوبه متفحصة له ومدققة فيه، وتعرف أكثر من غيرها سهولة الرخص ومنفعية القيمين على البلاد المتعاقبين عليها ومع ذلك اكتفت بما اكتفت به ولم تغفل قطعا قطع الذهب الملقاة على وجه أرضٍ خبروها بأحسن الأجهزة وأكثرها تطورا يبصر المبصرون اليوم بلدهم تستنزف خيراته وتُفقر فقراءه بتهريج الساسة والتجار ومكر الأمن وتمرير الخطط الخادعة، ترتجف أرض صحرائه الموحشة بأقدام أفلاذ أكباد بلادها لا يرقبون حكامهم فيهم رحما ولا إنسانية ولا حقيقة حتى، ثم يرى الجيوب الخاوية تذر في رياح "تازيازت" تشتد بها ريح في يوم عاصف هي وأحلام أصحابها لا فرق بين عاقلهم وغبيهم غنيهم و فقيرهم. أصبحنا لا نقدر أن ننهي شائعة إلا وولدت لنا أخرى موثقة ببريق نحاس أو ذهب تغرى ذكيا أو تهلك غبيا، ليشاهد بعدها ويسمع قصص الجيوب التي تنوء بالعصبة أولي القوة، لتتراءى الدنيا لآخرين ذهبا وفضة ونعيما يحسبه الجاهل غناء وتعففا، وهو غرة وخداعا تتسارع فيه قوة النفوذ السياسي والإعلامي وقوة الحاجة ومن الطرف في العادات الاجتماعية أن بعض القبائل الموريتانية تتشاءم بالذهب ولا يدخل عليها ولا تتزين نساؤهن به؛ وإن رجالاتها اليوم في بطولات ومغامرات "انشيري " ضاربين الصفح ذكرا عن مقولات أسلافهم التي يمكن مردها إلى ندرة الذهب وفقر الناس وعدم توفيره لبناتهم، فربطوه بقصص تحذر الناس منه وتحجم النساء عنه؛ غير مبالين بالعقيدة الإسلامية وما أحله الله وتحريم الطيرة والتشاؤم ؛وغير مبالين بأن أرض بلادهم سترميه في جنباتها على الأقل في الشائعات وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا... إن آيات الماضي وقصصه لتكاد أن تنطق مفسرة ظاهرة الذهب والتمذهب والذهاب، أذكر قبل قرابة العقد من الزمن شائعة قريبة من هذه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيتها بنفسي حيث شاع في عوام الناس وخواصهم أن "ماكينات الخياطة القديمة" مصنعة من الذهب وأنها بعشرات الآلاف فكانت الشائعة سراب أريد له أن يكون ظمؤه تعب وخفة؛ ولا ينبئك مثل الحشود عند مسجد بلال رضي الله عنه. إن ما يسير عليه واقعنا اليوم نتاج صادق لشعب أريد له أن يشحذ همته حين يحصل كميات من الذهب تغنيه وتسد حاجته وتعوضه عن سنوات الجمر والجوع والفاقة والتقصير في حقه ليجد الآلة لمحاربة ومحاسبة مستعبديه ومجوعيه. أما الشحذ الآخر لا قدر الله أن ترجع آلاف المواطنين بالجوع والتعب والسهر والحمى والضنك _من بلاد أقفرت واحترت وتوحشت ويبست_ بدون أن يرتجعوا قيمة ما استهلكوه من مال هو كل أوجل ما يملكونه؛ فتكون الانتفاضة والانتقام في أشد صوره في حكومة تنعم بنعم الله على أرض وشعب في أرضهم وعلى "نعمتهم" وحين إذن لات ساعة مندم. نعم هي خيرات تنكشف؛ بريقها خادع ومردودها نافع ومستكشفها حاذق ومغامرها بطل همام ؛ تثقل وتخفف ؛ تبشر وتنفر، إن كانت من إرادة مريد فهاهي تسلك فجا أعمق مما أريد، وإن كانت الصدف المحضة فإنها لترسل رسائل مفادها أننا لا زلنا نعيش زمن "العلك" والنبق" ولعزيب" ... وغيرها من مصطلحات البداوة ،ومهما يكن فإن غدا لناظره قريب، والله الغني وأنتم الفقراء. |