قال الأستاذ الجامعي والباحث في قضايا الفقه الإسلامي يحيى ولد البراء إن الصدام الإسلامي/ الإسلامي وتنامي الإسلاموفوبيا وصعود الإسلام السياسي وظاهرة الرجوع إلى الدين بشكل عام، إضافة إلى التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يواجهها المسلمون، كلها دواعٍ تجعل من المشروع البحث والتفكير وإعادة النظر في تعاطي الخطاب الإسلامي المعاصر مع النوازل المستجدة..
وشدد ولد البراء - في محاضرة بعنوان "أثر الواقع في صياغة الأحكام الفقهية في الخطاب الإسلامي المعاصر" احتضنها المركز الثقافي المغربي - على أن صعود الإسلام السياسي واكتساحه للانتخابات ونجاح خطابه في حشد الجماهير لم يساهم في حل الإشكال المتجدد، والذي صاغه الأمير شكيب أرسلان في عنوان كتابه الشهير "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟"، وهو ما يُرجعه بعض معارضي هذا الخطاب إلى عمومية الشعار الشهير للإسلام السياسي "الإسلام هو الحل"..
وتعرض ولد البراء لأهم المدارس الفكرية المعاصرة، مسلطا الضوء على تجربتها في التعامل مع المستجداتِ فكريةً كانت أو ماديةً.
وفي هذا الصدد ذكر أن الانقسام الذي عرفه الفكر الإسلامي قديما وحديثا كان دائما بسبب احتكاكٍ حضاري، فقد أفرز هذا الاحتكاكُ قديما مدرستي العقل والنقل، حيث أنتج خلافهما ثنائية الرأي والأثر على المستوى الفقهي، وثنائية التأويل والتفويض على المستوى العقدي.
واعترف ولد البراء أن المسلمين الأوائل استطاعوا هضم الثقافة اليونانية واستيعابها في منظومتهم الفكرية.
أما الاحتكاك الحضاري في القرن التاسع عشر فقد كان مفاجئا، مما ولد أزمة فكرية لا تزال آثارها قائمة.
وبحسب الباحث فقد أفرزت هذه الأزمة ثلاث مدارس:
*المدرسة النصية: التي ترفع شعار: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به آخرها"، وقد تعاملوا مع المستجدات بمنطق: نأخذ ما يلائم ديننا ونَطَّرِحُ غيره.
وبحسب ولد البراء فإن هذه المدرسة لا تولي أهمية للسياق والواقع، بل قررت ببساطة أن المصلحة هي ما قرره النص، وأضاف: وقد اتضح لاحقا أن المسألة ليست بتلك البساطة التي يتصورون.
ومن الطريف أن الباحث جعل السلفية والصوفية في خانة واحدة، حين تعرض لموقف هذه المدرسة من الواقع، حيث اعتزله فريق منهم (الصوفية)، وواجهه بعضهم من أجل تغييره (السلفية الجهادية).
*المدرسة [التوفيقية]: وترى هذه المدرسة أن صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان يستلزم انفتاحها على المستجدات، ولذا فإن النص عندهم ينفتح على قراءات متعددة، وللسياق دور كبير في فهمه وتكييفه، ويعتقد الباحث أن هذه الرؤية أصبحت من صميم خطاب الإسلام السياسي، ومن أهم أدواته في عملية "التسييس".
*المدرسة التجديدية: وقد انتبهت هذه المدرسة إلى أن الخلفية الفلسفية لمُخْرَجَاتِ الحضارة الغربية ليست بديهية، وكان مما يميزها عن أختيها أنها تنطلق من الواقع إلى النص، فالواقع عندها مؤثر في النص معرفيا وإبستمولوجيا.